وزير الدفاع.. موت فجائي على قارعة طريق السلام
الخرطوم: صلاح مختار
الموت واحد، وإن تعددت الأسباب, ولأن الدنيا ليست داراً للبقاء بقدر ما يبحث الإنسان فيه لما ينفع الآخرين. انزوى الكثيرون بفعل الـ(كرونا) وهرب منها البعض وتوقفت الحياة عندهم بالبقاء في المنازل. ولكن عند نقطة المصير الذي جمع وزير الدفاع الفريق أول ركن جمال الدين عمر محمد إبراهيم وإخوته في جوبا للبحث عن ما عجزت عنه الحكومات من قبل. كان قرارهم البقاء وإن تطاول الخطر عليهم وهو يتعهد ويلزم نفسه من خلال التفاوض الذي يجري في ردهات جوبا بالسعي لقيام جيش قومي، ولكن لا يجدي الإنسان ماذا يكسب غداً وبأي أرض تموت لتفجع الأوساط العسكرية والأمنية والسياسية برحيله وهو يرسي مع إخوته دعائم الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام الشامل بالبلاد الذي كرس نفسه فيها وهو يرأس لجنته للوصول للاتفاق الذي كان مقرراً له أن ينتهي في الشهر الجاري.
التزام قبل الرحيل
وكأنما القدر يسابق جمال كي ينهي مسيرته في البقعة التي كان قد عمل فيها كثير من ضباط الجيش السوداني. رحل وترك وراءه بصمة في الداخل خلال انحياز القوات المسلحة للثورة إلى جانب الشعب السوداني. ولم يمت إلا وهو يقف بنفسه على أعتاب سلام شامل ينهي فيه الحرب ويضع أساساً لسلام دائم بالبلاد. والرجل الذي توفي إثر ذبحة قلبية ستحدث عنه أعماله في القريب، وكأنما أراد أن يختم حياته بذلك الملف المهم، قبل رحيله أكد التزام الحكومة بإكمال ملف الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية، مشيرًا إلى السعي لبناء جيش قومي موحد بعيداً عن الانتماءات السياسية. رحل وهو يلتزم للشعب السوداني بذلك الشرط وهو الملف الذي يؤرق كثيراً من السياسيين الذين ينشدون التغيير في كل مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة.
دفعة الراحل
رصع الفريق أول ركن جمال الدين عمر محمد إبراهيم سيرته الذاتية بالكثير من المواقف وهو ابن الدفعة (31) يشاركه فيها من زملائه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بالإضافة إلى رئيس الأركان إلى جانب مدير جهاز المخابرات العامة السابق الفريق أبوبكر دمبلاب، ورئيس اللجنة السياسية السابق بالمجلس العسكري الفريق أول ركن عمر زين العابدين، والفريق أمن معاش جلال الشيخ. ينحدر الفريق أول جمال من مناطق الجعليين بحجر العسل في ولاية نهر النيل التي شهدت مولده في العام 1960م،
إعفاء وتكليف
عمل جمال عمر مديرًا للاستخبارات بالبحر الأحمر بالإضافة لهيئة الاستخبارات بالخرطوم في مارس 2017م، كذلك عين رئيساً لها بيد أنه تم إعفاؤه وتكليف الفريق أول مصطفى محمد مصطفى بدلاً منه، عمل أميناً عاماً لوزارة الدفاع، ولأنه تربطه علاقة متميزة مع الفريق أول ركن عوض بن عوف، حيث عملا معاً في هيئة الاستخبارات فقد أعاده بقرار للخدمة, وعند وصوله لرتبة اللواء أحيل للمعاش وتمت إعادته للخدمة بقرار من عوض بن عوف، في أبريل 2019م، وتمت ترقيته لرتبة الفريق أول ركن وتعيينه رئيساً للجنة الأمن والدفاع بالمجلس العسكري خلفًا للفريق أول مصطفى محمد مصطفى الذي استقال من عضوية المجلس العسكري، في سبمتبر من العام 2019م.
ضابط استخبارات
عندما تم الاتفاق بين المكون العسكري والمدني بقيادة قوى الحُرية والتغيير والمجلس العسكري في الـ(17) من أغسطس ضمن التشكيل الوزاري الجديد في أول حكومة انتقالية مدنية على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة حمدوك، اختار المكون العسكري ضابط الاستخبارات الفريق أول الركن جمال الدين محمد عمر، ليكون وزيراً للدفاع، وهو ذو الخلفية العسكرية والاستراتيجية والأمنية, وفي 23 مايو 2019 أصدر الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن مرسوماً دستورياً، عين بموجبه الفريق أول ركن جمال الدين عمر إبراهيم، عضواً بالمجلس العسكري الانتقالي ورئيساً للجنة الأمن والدفاع. وتمت ترقيته بمعية بعض الضباط في القوات المسلحة إلى رتبة الفريق أول ليكون ضمن قيادة الجيش الجديدة، ويشغل منذ مارس 2017 منصب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية.
خدمة وعمل
أكد الفريق أمن حنفي عبد الله لـ(الصيحة)، أن الراحل الفريق أول جمال الدين عمر من الذين خدموا في القوات المسلحة فترات طويلة، وهو من أبناء الدفعة (31) التي ينتسب إليها الفريق أول البرهان رئيس المجلس الانتقالي، كذلك عمل فترات طويلة في الاستخبارات العسكرية حيث تقاعد في عام (2006) برتبة اللواء، كذلك خدم خلال فترة عمل وزير الدفاع السابق الفريق ابن عوف، بيد أنه عاد إلى للخدمة حتى وصل إلى مدير أدارة الاستخبارات العسكرية. واستمر في الهيئة فترة الفريق أول مصطفى محمد مصطفى الذي استقال من عضوية المجلس العسكري، حيث تم استبداله حتى أصبح عضواً في المجلس الانتقالي ورئيس للجنة الأمنية، وقال: الراحل جمال عمر يمتلك خبرات كبيرة في العمل العسكري والاستخباراتي حيث تمت ترقيته في مايو (2019) إلى رتبة الفريق أول، ما أهله أن يكون عضواً في المجلس العسكري الذي تم حله لتشكيل المجلس السيادي الانتقالي.
تاريخ ناصع
ويرى الفريق أمن حنفي أن الراحل الفريق أول جمال عمر وزير الدفاع تاريخه ناضع أينما عمل وارتحل بين مدن البلاد، وأن سيرته طيبة، رغم أنه رجل مخابرات قليل الكلام، إلا أنه بشوش طيب المعشر ضليع في عمله بالمخابرات، وحسن السيرة والسريرة بين إخوانه، وأكد أن طبيعة عمله وهو خبير عسكري وأمني أهلته للمشاركة في التفاوض ورأس لجنة الترتيبات الأمنية، وقال: هو رجل وطني مثّل السودان في كثير من المنابر العسكرية بالخارج والداخل.
أسباب مساعدة
بيد أن حنفي أرجع أسباب الوفاة بعد قضاء الله وقدره، وقال: قد ترجع إلى الإرهاق والعمل المضني للذين يعرفون كواليس التفاوض التي تتسم بصعوبة العمل واستمراريته لأوقات طويلة والعمل الدؤوب من أجل إقناع الطرف الآخر للوصول معه إلى اتفاق، وقال: خلال الفترات السابقة كانت الحركات المسلحة تأتي بالخبراء من المنظمات الدولية وتقوم بتدريبهم على مستوى عالٍ لمفاوضة الحكومة، أما الجانب الآخر فكانت الحكومة تستعين بالخبراء ولديها طاقم متكامل من الخبراء السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين، بيد أنه رأى أن الفريق المفاوض في جوبا من جانب الحكومة لم يكونوا جلهم من الخبراء وإنما شخصيات لا يملكون خبرات في التفاوض الذي أصبح فناً، وبالتالي الضغط الكبير الذي تعرض له وزير الدفاع للتفاوض بشأن ملف الترتيبات الأمنية الذي يعتبر من أخطر وأهم الملفات، وتعتبر المحك الأساسي في التفاوض, كان من المفترض أن يكون لديه مساعدون من الخبراء، وبالتالي الضغط النفسي والإرهاق ربما يكون سبباً للوفاة.
علامات مميزة
ويقول مجذوب: تميز جمال عمر بالنبوغ والذكاء منذُ وقتٍ مبكر مما أدى لنقله إلى الاستخبارات العسكرية وعلاقاتهُ الاجتماعية مميزة ومع زملائه في القوات المسلحة، مشيرًا إلى ارتباطه الوثيق بدفعته (31) التي ينتمي إليها رئيس مجلس السيادة. وتابع مجذوب: يُعتبر من المقربين ومصدر ثقة للبرهان أوكل إليه كل المهام الحساسة التي تختص بالتفاوض مع قوى الحرية والتغيير وإدارة الأزمات.