*قبل إعلان حظر التجوال تجنباً لمرض كورونا، كنت أستمع لنقاش بين اثنين من عامة هذا الشعب البسيط الذي يستسهل كل شيء، ويجد المخرج لكل أزمة حتى إن بعض ضعاف النفوس استغل هذه “الطيبة” ليعلن عن دواء مجرب للكورونا في وسط الخرطوم.
*الحديث بين الشخصين كان حول توقعات إعلان حظر التجوال في الخرطوم، فقال أحدهما للآخر “كيف يعني يحظروا التجوال وشغلنا نعمل فيه شنو”، حديث الأخير هذا بدا منطقياً بالنسبة له باعتباره يعمل “رزق اليوم باليوم”، فالدولة لم تفكر في كيف سيعيش الملايين الذين يمتلكون لا حرفة ولا مهنة لهم براتبها وحوافزها.
*الدولة أعلنت حظر التجوال من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحاً وهو قرار موفق للحفاظ على الرعية من هذا الداء ويمنح أصحاب “رزق اليوم باليوم” متسعاً لكسب ما يرزقهم به الله سبحانه وتعالى، ولكن هل فكرت الدولة في الكثير من الأسر التي ظلت قلوبها معلقة بأفراد منها يتعالجون في القاهرة؟
*الكثير من المواطنين السودانيين في القاهرة بهدف العلاج الذي لم توفره لهم هذه البلاد، وجلهم انتهى من علاجه وغيرهم انقطعت أمواله، وهم حبيسو شققهم في القاهرة لا يستطيعون العودة لبلادهم بعد قرار إيقاف حركة الطيران.
*اتصل بي أمس الأخ والجار العزيز محمد عبد المنعم الذي اجرى عملية في القاهرة ومعه بعض أفراد أسرته وجميعهم بحمد الله أكملوا علاجهم، ولكنهم ظلوا حبيسي شقتهم لا يستطيعون الخروج منها خوفاً من هذا المرض الذي انتشر في بلاد الفراعنة، وأشواقهم تزداد يوماً بعد يوم لأبنائهم في الخرطوم، وكذلك هو حال أبنائهم.
*ومثل محمد، الآلاف من أهل السودان الذين لا زالوا عالقين في القاهرة وعقولهم وقلوبهم مع أهلهم في السودان، وحتى الذين خصصت لهم محاجر في المعابر البرية يعانون وحكومة حمدوك تتفرج على أبناء السودان الذين قصدوا مصر للعلاج الذي فشلت بلادنا في توفيره لهم.
*من قبل تكفلت الإمارات الشقيقة بإجلاء الطلاب السودانيين العالقين في مدينة ووهان الصينية بعد أن أهملت حكومتنا أبناءها في معقل المرض، واليوم تكرر حكومتنا نفس السيناريو وأهل السودان في دولة ينتشر فيها الكورونا.
*ماذا يضير الحكومة إن استخدمت شركاتنا الوطنية “بدر وتاركو” في إجلاء السودانيين في القاهرة؟ ونحن على ثقة تامة أن هاتين الشركتين لا تمانعان في عودة السودانيين إلى ديارهم، ولكن كما تعودنا دوماً من حكوماتنا السابقات والحالية هو إهمال الإنسان السوداني وعدم الاهتمام به في الملمات.
*ربما هي المرة الأولى التي يواجه العالم بأسره خطر مجهول ل ايعلم عواقبه إلا الله سبحانه وتعالى، وعلى حكومتنا الموقرة التفكير بمنطق يقبله مرضى القاهرة الفاشلين في العودة لبلادهم وواقع الحال الذي يقول يجب إنقاذ هولاء المواطنين قبل أن يصابوا بعدوى كورونا.
*محمد عبد المنعم قال لي في اتصاله إن المصريين يضعون اللوم على حكومتنا في إجلائهم ويقولون لهم “حكومتكم ما عايزاكم”، فهل صدق المصريون في ما يقولون أم تكذب حكومة حمدوك أقوالهم ويجلون أبناء السودان قبل أن تصلهم عدوى كورونا.