تحقيق/ شجر / أم بلة / عديلة / تصوير محمد نور محكر
حذرت الأمم المتحدة من تفشي مرض كورونا في السودان، وقالت في نشرة لها أمس إن السودان مرشح ليكون بؤرة المرض في العالم بسبب هشاشة وضعه الصحي..
وفي الوقت الذي تضع فيه منظمة الصحة العالمية رؤيتها على منضدة المسؤولين في السودان مطلقة تحذيراً شديد اللهجة بضرورة اتباع الأسس العلمية التي تُجنّب السودان مخاطر المرض..
وصف خبراء مختصون تصريح منظمة الصحة العالمية بأنه يحمل مؤشرات خطيرة لما سيؤول إليه الوضع في السودان في حالة تفشي مرض كورونا.. وسط تضمينات حكومية بقدرة السودان على السيطرة عليه.
“الصيحة” وضعت تصريح منظمة الصحة العالمية موضع الجد وخرجت بتفاصيل تطالعونها في التحقيق التالي:
نقص حاد
تحدث الطبيب السوداني عوض الله محمد صالح ــ مقيم ببريطانيا لـ(الصيحة) ــ عن صعوبات ستواجه السودان في حالة تفشي مرض كورونا فيه، وقال إن البيئة الصحية في السودان بيئة متواضعة وهشة ولن تصمد في حال كثرت حالات الإصابة بالمرض، مشيراً إلى صعوبات يواجهها الآن مرضى الالتهابات الصدرية والمرضى المصابون بالربو من نقص في أجهزة التنفس الصناعي ومن نقص في الأدوية التي تم اكتشافها مؤخرًا لعلاج المرض مثل الكلوركين بخلاف النقص في البيئة الصحية السليمة و(الأسرّة ) التي تستوعب المرضى..
وقال إن بلداً مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد تواجه نقصًا حادًا في أجهزة التهوية الميكانيكية “التنفس الصناعي” والعاملين في مجال الرعاية الصحية لتشغيلها لأنها توقعت إصابة 700 ألف بمرض كورونا والمتوفر لديها فقط 200 ألف، وقال إن إيطاليا اضطرت لسحب تلك الأجهزة من بعض المرضى ووضعتها في مرضى آخرين حسب رؤيتها وتقديراتها..
وقال إن السودان في حالة دخول المرض فإنه سينتشر بكثافة لأن الشعب السوداني حتى الآن غير مهتم به، ولا يزال الناس يمارسون حياتهم بصورة طبيعية متمسكين بسلوكياتهم التي تضاعف المرض، مطالباً المجلس السيادي بفرض حظر التجوال وإيقاف عمل المركبات العامة كبص والي الخرطوم الذي قال إنه سيعمل على نقل المرض بسهولة نسبة للاكتظاظ بداخله..
وقال إن على الحكومة السودانية أن تقوم باستيراد عدد كبير من أجهزة التنفس الصناعي…
مضيفاً بقوله إن الدكتور لويس كابلان، رئيس جمعية الرعاية الحرجة بالولايات المتحدة الأمركية ذكر في تصريح له أن القضية الحقيقية هي كيفية زيادة إنتاج أجهزة التنفس بسرعة عندما تتجاوز الحاجة الكمية المعروضة. فما بالنا نحن السودانيين .. وطالب وزارة الصحة بتأهيل المعالجين التنفسيين والممرضات والأطباء المتخصصين للتعامل مع كورونا.
الأكثر ضحايا
اعتبر الدكتور طارق بريقع وزير صحة سابق بولاية النيل الأبيض أن السودان لن يكون بؤرة لمرض كورونا في العالم إلا أنه اعتقد أن ضحايا المرض سيكونون الأكثر في العالم لعدم وجود البنية التحتية الكافية من أجهزة تنفس صناعي ورعاية وأسرّة للمصابين .
وقال إنهم في ولاية النيل الأبيض مروا بتجربة مريرة حينما تعرضت بعض الطالبات للاختناق واحتجن لأجهزة تنفس صناعي وكان الحل في وجود احتياطي من تلك الأجهزة بمخازن الوزارة ..
وقال إن طول فترة استعمال تلك الأجهزة سيجعل كثيراً من المرضى بدون أجهزة تنفس صناعي، مبيناً أن تلك الأجهزة وإذا توفرت فإنها بالمدن الكبيرة فقط في حين تخلو الأرياف منها ..
وطالب بريقع بتضافر جهود السودانيين وأن يتركوا ساس يسوس لعمل الحماية اللازمة حتى لا يدخل المرض إلى السودان، مطالباً السودانيين بتوخي الحذر ومراقبة أطفالهم من الاختلاط في الطرقات، مبيناً أن الأطفال أكثر إصابة بالمرض من غيرهم ..
نظام صحي هش
وفي حديث خاص لـ”الصيحة” قال مسؤول سابق بالوبائيات بوزارة الصحة إن النظام الصحي في السودان هش ولا توجد أدنى إمكانات لمجابهة الوباء الذي أصبح قضية قومية لا قضية وزارة الصحة، مشيرًا إلى أن الوزارة لا تملك حتى معقمات الهواء والأسطح في الأماكن العامة، وكشف عن انعدام الكلوركين منذ فترة طويلة بعد أن توقف استخدامه في علاج الملاريا إلى جانب توقف استيراد جميع الأدوية منذ عدة أشهر نتيجة لعدم توفّر العملات الأجنبية المخصصة لاستيراد الأدوية من قبل بنك السودان المركزي، ويرى المصدر أن على الدولة وضع التحوطات اللازمة لمنع تفشي الكورونا بالسودان بإيقاف المركبات العامة وفرض حظر التجوال بكافة أنحاء البلاد لمنع الانتشار وعدم وجود الإمكانيات اللازمة .
نقص ولائي
وكشف مدير العزل والعلاج بولاية الخرطوم دكتور حسام الحسين لـ”الصيحة” أن حالات الاشتباه تجاوزت “50” حالة، إلا أن جميع الفحوصات كانت سالبة بخلاف حالة واحدة لآجنبي وهو الآن في مرحلة العزل والعلاج، مبيناً أن هناك خطوات متقدمة في الاستعدادات لمجابهة فيروس كورونا. وأضاف: بجانب المراكز الموجودة داخل ولاية الخرطوم، هناك (7) مراكز أخرى بالولايات وتشرع الوزارة في إنشاء مراكز بكافة ولايات السودان، وفند الأخبار التي تشير إلى أن هناك ارتفاعاً في رسوم فحص الفايروس والذي أكد أنه مجاني وهناك إمكانية لفحص كل الأعداد التي قد تصل للسودان خلال المرحلة المقبلة، وأشار إلى أن كل الأدوية والأجهزة الطبية بما فيها أجهزة التنفس الاصطناعي والأسطوانات وأجهزة الفحوصات الحيوية متوفرة بالخرطوم وتكفي لمدة ثلاثة أشهر قادمة، إلا أنه عاد وقال إن هناك نقصاً في الولايات.
ويرى حسام الحسين مدير مراكز العزل والعلاج عدم وجود ضرورة لحظر التجوال، وقلل من خطورة الوضع وأرجع ذلك لإغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية بالسودان، إلا أنه عاد وقال إن الحظر يظل خياراً بيد الحكومة.
اجتماعات دورية
من جانبه، أكد الدكتور بابكر أحمد المقبول مدير إدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة لـ(الصيحة) أنهم يعملون بشكل دؤوب لمنع فايروس كورونا من الانتشار ولسلامة البلاد من هذا الوباء الفتاك، وأشار إلى أن الوزارة تعمل منذ اليوم الأول لظهور الأزمة في الصين من خلال اجتماعات دورية لتدارس انعكاسات الوباء على السودان واستجدت الأمور في الأسبوع الثاني من أبريل بعد إعلان أول حالة للإصابة بكورونا وانتقلنا من مرحلة الاستعداد إلى مرحلة الاستجابة تم تنشيط العمل بصورة أكثر فعالية، وأشار إلى رفع خطة باحتياجات عاجلة للجنة العليا التي تكونت لمكافحة المرض، وتم توفير كل الاحتياجات اللوجستية والمادية من خلال اللجنة التي تتابع العمل بصورة يومية بالقصر في اجتماع يومي، وتتم فيه مناقشة التطور الوبائي والقرارات التي تنفذ على مستوى المحليات والولايات، وقال إن الوزارة حتى الآن قائمة بدورها بقدر المستطاع لمواجهة هذا الوباء الكبير، والكل مستشعر خطورة الموقف، والبلد يجب أن تكون سباقة لحماية الوطن والمواطن، ومؤملاً التمكّن من تخفيف الوباء من ناحية مستشفيات وإمكانات من توفير للأدوية وتوعية للمواطنين.
وأشار إلى وجود لجنة للتوعية الجماهيرية وللمساندة المجتمعية لنشر الوعي وتحريك المجتمع ليكون في خندق واحد مع الوزارة.
لجنة معالجة الحالات
وأوضح أن لجنة معالجة الحالات مستعدة من ناحية توفير غرف العناية المركزة والأسرة والأدوية والقدرات المختبرية، مبيناً أن المادة التي يختبر بها الفيرس متوفرة، مشيرًا إلى أن الدولة ملتزمة بدعم كل مطلوبات مكافحة المرض.
وتحدث بابكر عن توفير عشرة مراكز حدودية، وقال إن الموقف لا بأس به وأن قرار قفل الحدود أدى إلى رفع مستوى الاستعداد لتكتمل احتياجات المراكز للمعابر، ومؤكدًا أن الولايات يتم الاستعداد فيها لتجهيز المحاجر لاستقبال المصابين وإجراء الفحوصات حتى يتم درء الخطر عن المواطن.
الإهمال سيد الموقف
في جولة لـ”الصيحة أمس بأسواق الخرطوم وطرقاتها رصدت كاميرا الصيحة أمس عدم اهتمام بالمرض من قبل المواطنين حيث لازالت أسواق الخضروات والفاكهة واللحوم تمارس أعمالها وسط تدافع كبير من قبل المتسوقين ..
وبمنطقة المحطة الوسطى بحري كان التدافع هو سيد الموقف ولا زالت سلوكيات السودانيين في المصافحة والمقالدة تمارس دون أي اعتبار لخطورة المرض، في حين لم يلتزم معظم الناس بالإجراءات التي طالبت بها وزارة الصحة.