تقرير- صلاح مختار
تجربة تحالف قِوى الحرية والتغيير، تُعتبر تجربة سياسية مُهمّة جداً في السودان، بيد أن ضخامة حجمه واختِلاف استراتيجياته كَمَا يراه البعض في تحقيق أهدافه، إضَافَةً إلى خلافاته المُتكرِّرة وأخطائهم في تَقدير أوزان القِوى الداخلية والخارجية، تُعتبر أكبر مُهدِّدات استمراره بتركيبته الحالية. ربما تلك الأسباب بدأت تطفو على السطح كي تُشكِّل مُهدِّداً خطيراً لتركيبة التحالُف. ولذلك مُستقبل التحالُف مَشُوبٌ بكثيرٍ من التّعقيدات إذا لم تحسن السير على إيقاعٍ مُنتظمٍ وإلى أيِّ مدىً يتحقّق ذلك؟
مُكوِّنات فاعلة
ولعلّ قراءة مُستقبل هذه القِوى لا يُمكن أن تتجزأ عن قراءة مُكوِّناته الفاعلة والمُؤثِّرة في الساحة وهي تجمُّع المهنيين, وقوى التغيير، والمجلس العسكري، والحركات المُسلّحة. وبعد مرور قرابة العام، نجد أن التحالُف يُواجه كثيراً من المعضلات والعقبات البنيوية التي شوّهت صورته التي رسمها البعض، فتجمُّع المهنيين وهو الجسم النقابي للتحالُف، نجد صوته أقلّ مِمّا كان يتوقّعه البعض منه في الساحة ربما لأسبابٍ تتعلّق بهيمنة قوى التغيير وعدم إتاحته مساحة للتعبير عنه.. أمّا بالنسبة لقِوى التغيير الآن، فالصورة بدت باهتةً رغم مُحاولات سد الثقوب على جدرانه، في الوقت الذي بدأت الخلافات تطفو على السطح، بجانب تبادُل الاتّهامات بين مُكوِّناته, أما الطرف الثالث الشراكة مع المُكوِّن العسكري، فقد ظلّ محل تشكيك وعدم ثقة من قوى بالتحالُف، كذلك الحال مع الحركات المسلحة التي بدأت تخرج الصوت الساخن وتُعبِّر عن رأيها تجاه تحالف قوى التغيير بما يُفهم من حديث مناوي بشأن نظرته لقِوى التغيير.
مشكلة التحالف
صَحيحٌ هذا التحالف كما يراه المُراقبون ذُو طابعٍ مرحلي، إلا أنه وبتوقيعه على اتفاق تقاسُم السُّلطة ربما تنفي عنه هذه الصفة.. ولكن مُشكلة التحالف أن مُكوِّنه الأساس من أحزاب سياسية تقليدية تَختلف في مَرجعياتها وأيديولوجياتها، بالتالي يُعتبر ذلك أُس المُشكلة، حيث بُودلت كثيراً الاتّهامات بين حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي وهما الشريكان الرئيسيان في التحالف، ولذلك يرى المُراقبون صُعُوبة الوصول إلى (تحالفات) داخل قوى التغيير الثلاثة الرئيسية والمؤثرة: وهي نداء السودان وقوى الإجماع الوطني والتجمُّع الاتحادي المعارض.
مربع الشراكة
وقال مصدر داخل قوى التغيير فضّل عدم ذكر اسمه لـ(الصيحة): بعد التّوقيع النهائي على الاتّفاق السِّياسي والوثيقة الدَّستورية في 17 أغسطس 2019، انتقلت العِلاقة بين قِوى التغيير والمجلس العسكري الانتقالي بالفعل لمربع الشراكة، إلا أنّ حزب الأمة القومي، كشف عن تقديم مشروع لميثاق جديد لقِوى الحرية والتغيير، يشمل مُكوِّنات التحالُف دُون الذين شاركوا النظام السَّابق، ورغم أنه نفى تَوجُّهه للانسحاب من قوى الحرية والتغيير، قال رئيس المكتب السياسي للحزب د. محمد المهدي في اتّصال هاتفي، إنّهم قدّموا مشروع الميثاق لتتبنّاه قوى “نداء السودان” التي تَنخرط في اجتماعٍ يُناقش العديد من القضايا.
وضعٌ كارثيٌّ
وتُعاني قِوى الحرية والتغيير من خلافاتٍ مكتومةٍ بين مُكوِّناتها، نظراً لتبايُن الرؤى السياسية التي ينتهجها كل حزبٍ للبقية من قوى الكتلة الواسعة. وكان التحالف قد أقر بعقد مُؤتمر تداوُلي لحل هذه الخلافات، كان مُزمعاً عقده نهاية الشهر الجاري، غير أنّ المخاوف من فيروس كورونا أدّت إلى تأجيله لوقتٍ يُحدّد لاحقاً.
وفي وقتٍ سابقٍ، انتقدت عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير مريم الصادق المهدي التحالف، وأكّدت أنّ بعض أطراف الحرية والتغيير مُتردِّدة في الشراكة التي تضمّهم مع مجلسي السيادة والوزراء، وقالت: (هذا التردُّد أدّى إلى غياب منهجية واضحة للعمل غاب معها روح الفريق مِمّا يجعل الوضع كارثياً).
أوضاع خاطئة
ولكن القيادي بقِوى التغيير د. صلاح الدومة وصف التبايُن في الآراء داخل تحالُف قوى التغيير بالشيء الطيب، ورأي في حديث لـ(الصيحة) أنّ السكوت عن الأوضاع الخاطئة نتائجهُ كارثية, وقال: أفضل شيء مُواجهة الداء قبل أن يستفحل داخل قوى التغيير من الاختراق للأجهزة الأمنية للنظام البائد، وأكّد أنّ الحل في مُواجهة بَعض المُندسين وبعض قيادات داخل قِوى التّغيير وتعريتهم باعتبارهم مُكوِّنات مُندسة، وقال: أفضل شيء تعرية النظام السابق والمُدّعين بالثورية، بجانب حصول مُواجهة ومُكاشفة وتعرية للحقائق، ورأي في تصريحات بعض قيادات قوى التغيير بأنّه حراك إيجابي وفي الآخر لا يَصح إلا الصحيح.
خطوة للأمام
وقال الكاتب والمُحلِّل السِّياسي عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة)، إنّ التحالُف هو أعرض تحالُف سِياسي حطّم أسطورة الشمولية في السودان، ولكن يرى أن تداعيات بناء المُستقبل للتحالُف تتمثل في أن التحالُف متنوِّع سياسياً وفكرياً وثقافياً، لذلك لا بُدّ أن يحتمل بعضهم البعض لاستكمال الفترة الانتقالية, وشدّد على ضرورة إحكام الوثيقة الدستورية, وقال: من الطبيعي وجود خلافات، لجهة أنّها سِمَة للمُجتمع الديمقراطي الذي يمتلك حَقّ التعبير، وقال إنّ المرحلة الانتقالية ليست للكسب السِّياسي، ودعا إلى مُراجعة التّجربة والتّعايُش والحوار حَول مسيرة التغيير من أجل المُحافظة على خُصوصية التجربة والاتّجاه نحو استكمال السلام دُون الرُّجوع خَطوة إلى الوراء أو استعادة روح الهزيمة، ورأي أنّ توجيه الانتقادات من بعد مُكوِّنات التحالُف ميزة إيجابية في فضاءات الحوار الديمقراطي، وبالتالي فإنّ تداوُل وجهات النظر تُعتبر نافذة وجُزءاً من تجربة الشراكة خلال المرحلة الانتقالية، وشدّد على أهمية تصويب الجُهُود لدعم الحكومة الانتقالية حتى تُخرج البلاد إلى واقعٍ يتناسب والمُستقبل.
مصلحة الوطن
وقال الكاتب الصحفي عثمان ميرغني في زاويته بشأن مُستقبل قوى الحرية والتغيير، قال: من مصلحة الوطن أن لا يتفرّق شمل تَحَالُف قِوى الحُرية والتّغيير مهما كانت مساحات اختلاف الرأي والمَواقف بين مُكوِّناته تجاه القضايا الوطنية، وعلى رأسها وثائق الاتّفاقات مع المجلس العسكري.