لا جديد.. لا فرق.. لا تغيير
* مجلس الوزراء يصدر قراراً كارثياً باحتكار شراء القمح للبنك الزراعي، ويُهدد كلَّ من يخالف القرار بالسجن والغرامة والمُصادرة، وفقاً للقوانين السائدة.. وعليه، لا جديد .. وكُل ما في الأمر أن السادة بحكومة الثورة يمضون على خُطى حكومة الفلول .. ما عدا السلاح، فالسادة المخلوعون كانوا يحتكرون كل الأشياء بواسطة أجهزة الدولة وشركاتها أو شركات حزبهم وحركتهم.. ومن سوء حظ شعبها، يبدو أن سادة التغيير لم يجدوا من يقتدون بهم في إدارة الدولة والاقتصاد غير المخلوعين..!!
* ربما لا يعلم رئيس الوزراء، وكذلك وزير مالية حكومته، بأن الدول ذات الأنظمة الراشدة هي التي تحتكر (السلاح فقط لا غير)، وذلك بواسطة قواتها النظامية، ثم تدع بقية السلع لشركات وبنوك وأسواق المجتمع المدني.. ولكن في بلادنا، منذ عهد الفلول وحتى هذا العهد المسمى بعهد التغيير، لم يحدث أي تغيير إلا في الشخوص، إذ لا يزال السلاح متاحاً للمجتمعات والقبائل، بيد أن القمح يُحتكَر للبنك الزراعي والذهب للفاخر.. و ..و.. الله يعلم قادمات السلع ومُحتكرها..!!
* والمُدهش في قرار مجلس الوزراء، ما يلي: (كل من يُخالف القرار يُعرّض نفسه للمساءلة القانونية والمحاسبة الرادعة بما في ذلك السجن والغرامة والمصادرة وفقاً للقوانين السائدة)، لتبقى الأسئلة المشروعة: ما هي القوانين السائدة التي تُلزم المزارعين ببيع محاصيلهم للبنك الزراعي فقط، وإن لم يفعلوا ذلك يُسجنوا ويُغرموا ويُصادر محصولهم ؟.. وما هي القوانين السائدة التي تمنع البنوك والشركات والأسواق عن شراء القمح من المزارعين، وإن فعلوا ذلك يتعرضون للسجن والغرامة ومُصادرة تجارتهم..؟؟
* ما لم يكن لمجلس الوزراء قانون تم إعداده سراً، لا يُوجد قانون يُلزم المزارع ببيع حصاده لهذا أو ذاك.. فالمزارع حُر، وكذلك الأسواق، والقمح ليس مُخدّراً أو سلاحاً ليصادره مجلس الوزراء من مخازن الأسواق ومخازن البنوك والتجار.. وكما كتبت الأسبوع الفائت، استجابة لشكاوى بعض الزُرّاع، رفع مجلس الوزراء السعر التركيزي لشراء القمح من (2.500 جنيه) إلى (3.000 جنيه)، ومع ذلك يُطالبون مجلس الوزراء برفع السعر (أكتر)، ومنهم من يقترح (4.000 جنيه)..!!
* وفي موسمنا هذا، فالإنتاج يبدو وفيراً بفضل الله، ولكن ستظل أسطوانة السعر التركيزي (مُدوّرة)، ولو رفعه مجلس الوزراء إلى ألف دولار لجوّال القمح، ولا جديد في هذا السجال.. ولكن ﺍﻟﻤُﺰﺍﺭﻉ ﻏﻴﺮ ﻣُﻠزَﻡ ببيع ﻗﻤﺤﻪ للبنك الزراعي فقط، ﻭﻏﻴﺮ ﻣُﻠزَﻡ باﻠﺒﻴﻊ ﺑﺴﻌﺮ مجلس الوزراء التركيزي (3.000)، بل ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺰﺍﺭﻉ هو تسديد ﻣﺒﻠﻎ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﻟﻠﺒﻨﻚ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻲ .. ﻓﺎﻟﺴﻮﻕ – ﺩﺍﺧﻠﻴﺎً ﻭﻋﺎﻟﻤﻴﺎً – ﺣُﺮ، ﻭﻣﻦ ﺣﻖّ ﺍﻟﻤﺰﺍﺭﻉ ﺃﻥ ﻳﺒﻴﻊ محصوله ﻟﻤﻦ ﻳﺪﻓﻊ ﺃﻛﺜﺮ، ﺛﻢ ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺎ عليه من ديون للبنك أو غيره .. !!
* علماً بأنّ ﺍﻟﺴﻌﺮ التركيزي ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺩﻋﻢ ﻟﻠﻤﺰﺍﺭﻉ، أي ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺴﻌﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.. فاﻟﺴﻌﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻄﻦ ﺍﻟﻘﻤﺢ – 10 ﺟﻮﺍﻻﺕ، ﺯﻧﺔ 100 ﻛﻴﻠﻮ – لا يتجاوز (260 ﺩﻭﻻﺭاً )، حتى الوصول لميناء بورتسودان.. ﻭﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺳﻌﺮ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻱ (100 ﺟﻨﻴﻪ)، ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻌﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ لطن ﺍﻟﻘﻤﺢ (26.000 ﺟﻨﻴﻪ).. وللمزيد من التوضيح، فإن ﺍﻟﺴﻌﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ لجوّال القمح (2.600 ﺟﻨﻴﻪ)، وبما أن السعر التركيزي (3.000 ﺟﻨﻴﻪ )، فهذا يعني أن حجم اﻟﺪﻋﻢ (400 ﺟﻨﻴﻪ)، في كل جوّال..!!
*ومع ذلك، للمزارع حرية اختيار ما يشاء ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﺮﻳﻦ (سعر السوق أو سعر الحكومة)، ﺛﻢ ﻳُﺴﺪّﺩ ﻣﺎ عليه من ﻣﺒﺎﻟﻎ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻞ .. وبالمناسبة، في عهد الفلول، دافع أحدهم عن قرار تصدير إناث الأنعام قائلاً بالنص: (كان يتم تهريبها، ولكن السماح بتصديرها أوقف التهريب)، هكذا التبرير.. والعقلية التي تحتكر شراء القمح للبنك الزراعي لمكافحة التهريب، هي ذات العقلية التي تُصدّر إناث الأنعام لمكافحة التهريب .. فالعجز عن مكافحة تهريب – الإناث والقمح – لا يبرر ارتكاب المزيد من الجرائم في حق هذا الوطن المنكوب..!!