لديه اثنتان: علي بلدو
نراها كل يوم ولا يعيرها أحدٌ التفاتاً أو اهتماماً، ربما لأنها أصبحت جزءاً من البيوت السودانية إن لم نقل كلها في القرى والحضر.
كما أنها تداخلت مع الكثير من تفاصيل الحياة اليومية للمواطن العادي وبصورة مستمرة وراتبة ومنتظمة، وبدون أن يشعر أحد بالنفور أو الوجل منها وتطبيع العلاقة معها دون إشكالات تُذكر، فما هي حكاية هذا الحيوان العجيب!
نظرة بيولوجية
ينتمي القط إلى نوع الحيوانات من فصيلة الثديات وقبيلة السنوريات، ومن أعضاء عائلته والتي تُعرف باسمه نجد الأسد والنمر والفهد والشيتا وأسد الجبال والجاغوار وغيرها مما يُطلق عليها القطط الكبيرة.
والقط من ذوات الفرو والقوائم الأربعة ويتميز بالخفة والمرونة والسرعة، كما له ذكاء حاد وصبر شديد على المطاردة والانتظار، وتُشكّل الفئران والطيور والحيوانات الصغيرة والقوارض والحشرات غذاءه الرئيسي.
والقط اجتماعي له قدرة فائقة على تنمية العلاقات مع أبناء جنسه والاخرين بالتمسح والاحتضان واللعب الممتع.
نوّر بيتنا!
تُشكّل البيوت المأوى الرئيسي للقطط، حيث يتوفر الأمان والمأكل والمشرب، وكذلك الحب والحنان من سكان البيوت، ومن الملاحظ تغير الأنماط الغذائية له من الغذاء التقليدي للأنواع الحديثة كاللحم المصنع لدرجة نفور بعض القطط من رؤية الفئران والحشرات والهرب منها بعد أن تذوقت المأكولات الراقية والديليفري.
كما تماهت القطط لدينا مع الحياة المنزلية كالنوم على الأسرة والأغطية وأمام المكيفات والتبريد، بل وأحيانا بالجلوس أمام الشاشات والتلفزيونات، ولربما تململت هي الأخرى من البرامج الفطيرة التي تقدمها قنواتنا السودانية، وأصبح حالها كمن عبّر عنه الشاعر:
فازوّر من وقع القنا بلبانه وشكى الي بعبرة وتحمحُم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مُكلمي
يبقى الاسم اسمين
في السودان يُعرف باسم الكديس أو الكديسة، ويتم الجمع على كدايس وكدَسة في بعض الروايات، ونادراً ما يتم استعمال كلمة قط.
يتعلق الأطفال بصفة خاصة بالكدايس بسبب البطل الكرتوني (توم) في سلسلة ديزني الشهيرة ويكاد الكثير من الكبار يتابعونها أيضا سراً وجهراً للمتعة والمرح التي بها ولحب الكدايس من جهة أخرى.
يا إله فني
قدّس الناس القط قديماً عبر الحضارات، وفي الديانة الهندوسية نجد الإله القط (باجران باني) وفي الفرعونية أيضاً كانت القطط هي الآلهة الحارسة للمعابد والمدافن والمساعدة لحورس وأمون رع وغيرهما.
ماركة تجارية
اشتهرت في البلاد أنواع من البطاريات تعرف بأبو كديس ولها جودة عالية، وبعدها تم إطلاق مشروب روحي في الخمسينات والستينيات يحمل نفس الاسم واشتهرت به أماكن البيع في المدن الكبيرة، وبمجرد أن تلعب الصهباء بالرؤوس وحدوث بعض التفلتات يتم وصف ذلك الشخص بأن (كديستو قامت) بسبب التصرفات والبهجة والرعونة والنشوة العارمة وكأنه أبو نواس ومعه الندامى في ذلك الليل الأليل.
الكديسة في حياتنا
تتنوع أوصاف القط في حياتنا اليومية من وصف الأشياء الجميلة والرائعة والمميزة بأنها من النوع أبو كديس، وكذلك وصف المصائب والنوائب النازلة للتعبير عن هول وضخامة ما حدث.
وفي كرة القدم يتم إطلاق وصف الكدايس على الكدارة أو الحذاء الرياضي كما يتم إعطاء العريس الجديد الوصية بأن يذبح الكديسة لمرتو) كنوع من الإرهاب والعين الحمراء وفرض السيطرة الذكورية.
والمرأة أيضاً يمكن وصفها بالكديسة للتدليل والمداعبة وأحياناً يؤدي ذلك لسوء الفهم والمشاكل. والشخص الذي يحب اللبن الحليب يطلق عليه بأنه كديسة بس!
دجل وشعوذة
اشتهرت الكديسة بأنها مفضلة لدى الشيوخ والدجالين والمشعوذين والأناطين لعمل الأسحار والكتابة حسب ما يدعون، وغالباً ما يثير جري القط في استاد كرة قدم مخاوف الفريق الضيف باعتباره كديساً خاصاً بالسحر وتكتيف المباراة، ولعل هذا يكون أحد أسباب تدهور الرياضة عندنا والتي تتحكم في إدارة شئونها الكدايس أكثر من المدربين والإداريين.
كما اشتهرت بعض السيارات والأفراد باسم عيون كديس، ومنهم لص وقاتل شهير في الستينات، وزي الكديس للدلالة على خفة الحركة والسكون والهدوء الذي يصاحب تحركات الكدسة حتىى لا يشعر بها أحد.
انتو جنوني يا حلوين!
عند الغضب الشديد والانفعال والحديث غير المفهوم والعوارة يكون الوصف جاهزاً بأن الكديسة قامت، وأن فلاناً عندو كديسة في راسو، وبذلك يكون الكديس قد سكن بيوتنا وروؤسنا أيضاً.
وفي بعض الأحيان يقوم أحد الأشخاص بتحذيرك من نوع معين من التصرفات، على اعتبار أن عندو كديسة وما تقوم فيك، وكانه دُريد بن الصمة.
وفي ظل ما نراه الآن وما يحدث حولنا من تقلبات وأحداث غير مفهومة وما نراه ونسمعه كل يوم من أشياء لا تسر البال ولا القلب والظواهر الغريبة والجرائم المستحدثة، في ظل كل هذا، يمكننا الجزم وبكل سهولة أن البلد كلها (كدايسها قايمة)، فهل تسمعون… نياااااااووو.