مصر والسودان ١-٢
إلى من يعادون مصر بلا بصيرة ويعادون السودان عن جهل بذلك، اتقوا الله في بلادكم وانظروا كيف كانت عاقبة الإنقاذيين.
لدي يقين كبير بأن الحياة في السودان هي انعكاس مشوّه دائماً للحياة في مصر! وإذ نبدأ من القرن الماضي فقط فإننا نجد أن المصريين أسسوا الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) الشيوعية، فأنشأ السودانيون (حستو) التي احتفظت بذات العنوان، وغيرت مفردة الديمقراطية إلى السودانية. وكوّن حسن البنا حركة الإخوان المسلمين فحصلنا على نسختنا المشوهة منها، وفي عهد نميري سرق المايويون أسماء الاتحاد الاشتراكي، وتكتيكات التنظيم الطليعي، وأسموا مخابراتهم (جهاز أمن الدولة) دون أن يشعروا بالامتنان لصاحب الامتياز .(Patent) قط
في كرة القدم كانت هتافاتنا المستعارة توقع بالسلم الخماسي على الهتاف المصري (بالطول بالعرض….. يهز الأرض) ونقلنا أسماء صحف الجريدة، وأخبار اليوم، والأخبار، والأهرام، وأسمينا بناتنا فاتن وميرفت وميرنا وفردوس وربما شريهان وشويكار، وأبناءنا تامر ومدحت وحمدي وجمال عبد الناصر.
إذا أطلق مصري تغريدة مرحة على تويتر نحصل بعد دقائق على نسخة سودانية منها، وإذا صنع فوتوغرافي خلاق صورة لمواطن في بلده وهو يعانق باكياً أنبوبة لغاز الطبخ، انتظرنا لنطلق صورة مثلها مع أول أزمة مشابهة في بلادنا وما أكثر الأزمات عندنا! إذا أخطأ مصري في إملاء كلمة عمود مشبعاً فتحة العين على عادة اللهجة المصرية في إشباع الحركات، انطلقت صحفنا في اليوم التالي وهي تكتب بذات الرسم (عامود) وإذا قام المصريون بثورة وهتفوا (ارحل) هتفنا بذات الهتاف، وإذا أحاط الأقباط بالمسلمين في ميدان التحرير أثناء صلاة الجمعة استدعينا أقباطنا ليحيطوا بمسلمينا في ميدان القيادة العامة.
نسمي أحياءنا المنشية، والمهندسين، وقاردن سيتي، ودريم، والنزهة، والزمالك، ومقاهينا الأمريكين ونستورد من مصر ـ دون اعتراف ـ زفة الأفراح، وأساليب البناء، وفتاوى الفقهاء، وحيل المحتالين، وأخطاء الشباب.
إذا مرض لنا صحيح هرعنا إلى مصر، وإذا عجز طلابنا عن العثور على مكان في الجامعة أرسلناه إلى القاهرة والإسكندرية والزقازيق، وإذا تيسرت أمورنا وأردنا أن نطعم أطفالنا فاكهة فإن البرتقال والتفاح والعنب والفراولة جاهزين من على ضفتي النيل في أرض الكنانة.
ثم لا نحمد ولا نشكر! والبعض منا يجحد ويقابل كل هذا بالعقوق! إذا قالت دولة أوروبية إنها أوقفت استيراد البرتقال المصري قام حكامنا إلى مستوردي البرتقال السودانيين فأفلسوهم في يوم واحد بمصادرة بضائعهم وإتلافها دون تعويض.
وإذا أعلنت فرنسا أن مريضاً مصاباً بالكورونا (والعياذ بالله) تدافع الحكام والصحافيون ورجال الإعلام ونشطاء الفيسبوك لأجل إغلاق الحدود مع مصر، والمطالبة بطرد المصريين من السودان، ومنع السودانيين أنفسهم من المقيمين بمصر من العودة إلى بلادهم. كل هذا ومصر لا تغلق أبوابها أمام السودانيين بسبب التيفويد، والملاريا، وحمى الوادي المتصدع، والحمى الصفراء، والحمى النزفية الفيروسية، والشيكونغونيا (حمى الكنكشة) وغيرها من الأمراض التي صنع عجز نظامنا الصحي الجعجاع تفوقنا فيها جميعها على كل دول العالم.
إذا حصل مسئول في حكومتنا على صداقة مسئول إثيوبي واحد كان القربان هو الإضرار بمصر، وإذا وقف مهندس سوداني واحد ضد خطر سد النهضة على بلادنا أولاً ثم على مصر وإثيوبيا ذاتها، وصف بالعميل والخائن دون أن يمتد هذا الوصف إلى من يملأون الفضاء بالضجيج لصالح حكام إثيوبيا أمهرا كانوا أم تقراي أم أورومو.
إذا تولى أحدهم منصباً رفيعاً في جهاز المخابرات كان هدفه الفتك برئيس مصر، وإذا سقط نظامه هرب محتمياً بمصر.
بعد غدٍ نكتب: السودان الشقيق