عرض: أم بلة النور
قبل ستة أشهر من الآن فجرت صحيفة الصيحة قضية عمال الحفريات بمشروع إسكان أبو سعد “73” غرب أمدرمان والذي يتبع لصندوق الإسكان والتعمير بولاية الخرطوم، والذين أصيبوا بمرض صدري أسفر عن وفاة 50 شخصاً حتى الآن دون أن يكون هناك أي نوع من الاهتمام بالقضية من قبل الجهات المسئولة سواء بتكفل مصروفات العلاج أو تعويض اسر الضحايا أو حتى التقصي عن مسببات المرض الخطير.
وحسب متابعات الصحيفة، فإن عدد وفيات العاملين بتلك الحفريات يفوق عدد الوفيات بسبب كورونا في كثير من الدول، ومع ذلك فقد كان اهتمامها كبيراً بالمرض للدرجة التي اتخذت فيه احتياطات كبيرة..
وما لفت انتباه الصحيفة أن نفس أعراض المرض بتلك الحفريات تنطبق تماماً على أعراض كورونا، فهل هنالك صلة ما بين المرضين.
حقيقة المرض
عاوت الصيحة مطلع هذا الأسبوع المرضى المُنوّمين بالمستشفيات داخل ولاية الخرطوم، ووقفت على حالاتهم الصحية والتي بدأت بآلام بالقفص الصدري مع سعال شديد إلى أن يلفظ المريض أنفاسه الأخيرة، وكانت الصيحة توصلت عبر تقارير المرضى أنهم أصيبوا بتليف في الرئة وفشل في التنفس، ولم يتوصل الأطباء المشرفون على الحالات إلى الأسباب الحقيقية للمرض، لتشرع الصيحة في عمل فحوصات مختبرية للتربة بمعامل الفيزياء بجامعة الخرطوم برئاسة بروفسور فاروق هباني، أثبتت أن العمال تعرضوا لغاز الرادون إضافة إلى احتواء التربة على نسبة من الرصاص السام. وقال هباني للصيحة إن غاز الرادون هو السبب الأساسي في الإصابة بأمراض السرطان وتليف الرئة.
الإحصائيات
وفي الوقت الذي تحقَّق فيه الشفاء التام لعدد كبير من المصابين بداء كورونا في العالم، نجد أن المصابين بالمرض المجهول في إسكان أبو سعد لم ينالوا الشفاء رغم المساعدات الصحية التي تلقوها منذ إصابتهم بالمرض..
وكان كمال عبد الله قد كشف لـ (الصيحة) عن ارتفاع عدد الوفيات إلى 50 حالة إلى جانب حالات أخرى من المرضى بمستشفيات الخرطوم، إضافة إلى آخرين لزموا منازلهم دون أن تكون هنالك حالة شفاء واحدة, وكشف عبد الله لـ(الصيحة) أسماء المتوفين وهم (محمد عبد الله, السماني, وموسى, إدريس, ومحمد البقاري محمد إسماعيل, وأبو سن البتراوي, وموسى هلال, بخيت الأطرش, وأزرق صالح, موداني ود فور، محمد أحمد, وبابكر هيكل, وعبد العزيز حامد إبراهيم, عمر ود فور, وإبراهيم أبو سن, وعمر, وأحمد هارون أبكر, الجالي صابر إبراهيم, وقرن عبد الله, فرح أبو جركانة, وخليفة, والسماني أبو فرحة, دهب أبو شنب, بكري محمد, محمد أحمد إبراهيم، الصادق إبراهيم، عبد الله خميس, ومحيي الدين محمد آدم, جاد الرب.. ومن الوفيات أيضاً فرح حماد, وعبد الله إبراهيم، ومطر, وعبد المالك, ويحيى. وخلال الأسبوع الماضي أيضاً توفي عدد آخر من العمال، عوض الله آدم حامد، موسي هارون، وإبراهيم عبد الله آدم، ليصل عدد المتوفين إلى 50.
إصابات مستمرة
فيما عاد إلى الخرطوم عدد كبير من العاملين لتلقي العلاج بعد أن ظهرت عليهم أعراض المرض, وكشف قمر الدين آدم عن وصول حالات جديدة ويقيمون في منطقة جنوب الخرطوم بالأزهري والإنقاذ والأندلس, إلى جانب منطقة الرميلة, الحلة الجديدة أمدرمان والمنارة والصفوة والرميلة بالخرطوم, ونفى وجود أي دعم مادي للمرضى أو للذين وافتهم المنية, كاشفاً عن بيع منازل المصابين ليتمكنوا من توفير تكاليف العلاج, تاركين أبناءهم بلا مأوى.
مشيراً إلى وجود حالات ل زالت منومة بمستشفى الشعب بالخرطوم، وهم عبد الماجد صالح، وأحمد محمد عبد الكريم، وأحمد محمد مختار، إلى جانب أحمد محمد ود برام، مبينًا أنهم يعيشون في ظروف صحية صعبة معتمدين علي التنفس الاصطناعي، وبحسب الأطباء المعالجين فإنهم يحتاجون إلى جهاز مساعد للتنفس، تبلغ قيمته 70 ألف جنيه، إلا أنهم لا يملكون ثمنه، وهم الآن في انتظار مصيرهم المحتوم.
منظمة حقوقية
وفي أول زيارة لجهات مسئولة، قامت مفوضية حقوق الإنسان بتسجيل زيارة إلى مشروع إسكان أبو سعد 73 ووقفت رئيس المفوضية حورية إسماعيل عبد المحسن على حقيقة الأمر، وكانت الصيحة من ضمن الوفد المرافق لها، ولم تجد المفوضية إدارة المشروع للاستماع إليها، كما سجلت المفوضية زيارة إلى المرضى بمستشفى الشعب بالخرطوم ووقفت على وضعهم الصحي من قبل أسرهم، وتلقت المعلومات الحقيقية عن إصاباتهم وتاريخ تلك الإصابة، وتأكدت المفوضية من أنهم أصيبوا خلال عملهم بالمشروع، ووعدتهم بإيصال قضيتهم إلى أعلى المستويات.
هذا، وتتوقع (الصيحة) أن يكون استلام مفوضية حقوق الإنسان ملف هذه القضية بعد أن تجاهلت وزارة الصحة ولاية الخرطوم هذه القضية الصحية بمثابة طوق نجاة للمرضى الحاليين، وأن تعمل ما وسعها لإيجاد إجابات منطقية عن حقيقة المرض الخطير الذي أودى بحياة خمسين شخصاً حتى الآن ..