نحتاج لثورة تصحيحية لمجابهة الفساد والمحسوبية.. ويجب إنهاء عقود الاحتكار
منذ تولي وزير المالية الحالي انخفض الجنيه بنسبة 31٪
الحد الأدنى للأجور مخالف لمؤشرات منظمة العمل الدولية
وصف الخبير الاقتصادي استاذ الاقتصاد بجامعة المشرق بروفسور عصام الزين الراهن الاقتصادي بالبلاد بالأسود، وقال: لن يستقر سعر الصرف وصادر الذهب إلا بتغير السياسة النقدية والمالية المتبعة الآن، جلسنا إليه وكان الحوار التالي.
حوار: سارة إبراهيم عباس
*كيف ترى الراهن الاقتصادي؟
الوضع الاقتصادي الراهن في كلمات محددة رمادي اللون يزداد سواداً يوماً بعد يوم، وموازنة 2020 كتبت على الورق بشكل روتيني لم تراع الواقع المالى للبلاد ولم تهتم بمعيشة العباد، باختصار هي امتداد لأسوأ موازنة في تاريخ السودان(2018). هي امتداد للسياسات المالية والاقتصادية الخاطئة، المرتجلة، والمتخبطة لعدة عقود سابقة. تركز وتهتم بالاستهلاك قبل الإنتاج، وبالإنفاق قبل تحديد الموارد الحقيقية، كل ذلك يتم في أجواء خالية من الشفافية والإفصاح، بل أكدت احتلال السودان مرتبة عالية في قائمة الدول الأكثر فساداً، والدول الراعية للإرهاب.
*وماذا عن الأزمات المتلاحقة؟
الأزمات التي تمر بها البلاد بكل تأكيد نتيجة السياسات المالية والتجارية والاقتصادية الخاطئة على مر العهود السابقة في هذا البلد. إن الاختلالات المستمرة في ميزان المدفوعات، والتي على مدى السنين السابقة كانت ولا زالت تظهر عجزاً كبيراً في الميزان التجارى، حيث تظل الواردات ضعف الصادرات مما يسبب ضغطاً مستمرًا على سعر الصرف. ومن هنا أتت الطامة الكبرى، فبدلاً عن إجراء إصلاحات هيكلية ومؤسسية تقود إلى تقوية العملة الوطنية وتكوين وبناء احتياطات كافية من النقد الأجنبي والذهب، كانت كل السياسات المالية تسير من غير موجه لمصلحة مافيا الدقيق والبترول والسكر وتتعلل بالتهريب والدعم، وهي من مهد الطريق وساعد على ذلك بشكل مباشر او غير مباشر، عبر التراخي والإهمال وعدم تطبيق القوانين واللوائح أو عبر دعم الاحتكار ومنح التراخيص لكل مضارب وأناني.
*ماهو الحل؟
بكل تأكيد يمكننا الخروج من الأزمات إذا اتبعنا سياسات مالية واقتصادية واقعية بخلاف السياسات الخاطئة والمرتجلة والتي أثبتت فشلها عشرات المرات، حيث كانت هي نفس السياسات المتبعة لعشرات السنين وخلال موازنة 2020 تم تطبيقها بتهور أكبر مما يجعلني أراهن ألف مرة على حصاد الفشل وبحجم أكبر. إذا كانت موازنة 2018 بنيت عل اقتصاد الصدمة فموازنة 2020 بنيت على العجز على قبر ضحية الصدمة. الخروج منها عبر اتباع سياسات اقتصادية واقعية على المدى القصير والطويل. والبلاد تمتلك ثروات هائلة ولكنها تتطلب خططاً واستغلالاً أمثل يهدف لتحقيق الرفاهية للجميع، فقبل انفصال الجنوب 60 مليار دولار من البترول تم استغلال أغلبها في الاستهلاك والإنفاق البذخي والحروب، ولم نبقِ ما يكفي لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واحتل السودان مكانة جنوب أفريقيا، أصبح الثاني في إنتاج الذهب في القارة السمراء بعد غانا التي تنتج 150 طنًا وتحصل على قرابة 6 مليارات دولار، والسودان ينتج 120 طناً ويحصل بتعب شديد على مليار ونصف المليار دولار؟ والذي نحصل عليه وعلى قلته على شحنة قمح من هنا وشحنة بترول من هناك، أي يذهب إلى الاستهلاك، نفس السياسات السابقة مع البترول قبل الانفصال بل أسوأ، حيث أن الذهب يهرب؟ والبرازيل تمتلك ثروة حيوانية يبلغ عددها 210 مليون رأس من الماشية وحصيلة الصادر سنوياً حوالي 12 مليار دولار، بينما السودان يمتلك 140 مليون رأس وحصيلة صادراته السنوية 400 مليون دولار؟ كل ذلك خلل السياسات التي نتبعها.
*تأجيل المؤتمر الاقتصادي؟
حسب الاعتقاد مرتبط بكل تأكيد لعدم وضوح الرؤية عن موعد اجتماع الأصدقاء المانحين والذي أجل أيضاً والآن أصبح انعقاده من المعجزات مع تأثيرات كورونا 19. هذه الظروف للأسف تعقد من وضع موازنة 2020، حيث بنيت آمال هذه الموازنة على المشاركة الشعبية والدعم الخارجي.
*وماذا عن ارتفاع الأسعار المستمر؟
هنالك عدة أسباب لارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهذه الأسباب يمكن أن نختصرها في التكلفة والتقييم المستمر للسلعة بالدولار. فالتكلفة تشمل كل التكاليف( ثابتة ومتغيرة)، بالإضافة إلى انعدام هيئات الرقابة وحماية المستهلك عن أداء دورها على الوجه الأكمل وغياب الضمير والأنانية والجشع والاحتكار من جانب معظم البائعين، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع المستوردة، نتيجة لارتفاع الدولار، والرسوم الجمركية والتي قفزت بجنون ولا زالت من ميزانية 2018 وحتى الآن ميزانية 2020 زادت الأسعار وارتفعت بنسبة تصل إلى أكثر من 1000٪ عدا السلع الاستراتيجية التي زادات بنسب تتراوح بين 100٪ و200٪ بجانب التضخم الإجباري المرتبط بالسياسة غير السليمة المستندة على نظرية الهوس المبنية على رفع الدعم.
*ماذا عن استقرار سعر الصرف؟
هذا هو المأزق في الاقتصاد السوداني لن يستقر سعر الصرف ولن يستقيم ويصح الاقتصاد السوداني، لأن كل السياسات النقدية المتبعة غير ملائمة لنا وأثبتت فشلها الذريع. يكفي أن منفذ السياسة المبنية على التعويم المدار لسعر الصرف يطبقها بارتجال وبتهور وبدون اتباع الشروط الواجبة، كالذي يلاحق ظله ويتسابق وينافس آخرين محترفين ومضاربين كباراً، يعلم مسبقاً أنه منهزم وبانهيار تام أمامهم ويصر فوق كل ذلك على مواصلة الخضوع أمامهم. أكثر من 50 عملية تخفيض للجنيه السوداني مقابل الدولار. تخيلوا بلغت نسبة تخفيض الجنيه السوداني أمام الدولار منذ الاستقلال وحتى الآن حوالي 11 َمليون% هذا جنون؟ ومع كل تخفيض يرتفع السوق الأسود ليظل الفرق بين الرسمي والأسود 40٪ إلى50٪ ومنذ استلام وزير المالية الحالي وحتى الآن انخفض الجنيه بنسبة 31٪ مقابل الدولار، وارتفع السعر في السوق الأسود بنسبة 100٪ ومن ثم تضاعف ما يسمى ببند الدعم أضعافاً مضاعفة، بالرغم من الأسعار التجارية وانخفاض أسعار البترول عالمياً بنسبة 40٪ باختصار لن يستقر سعر الصرف ما لم تتغير السياسة النقدية والمالية المتبعة الآن. بل سياسة الصادر المتبعة الآن خاصة للذهب لن تؤدي الى خفض سعر الصرف واستقراره، وستزيد من معدلات التضخم.
*ما تقييمك للإجراءات المتخذة حالياً؟
ما تتخذه الحكومة من إجراءات يندرج تحت النوايا الطيبة، ولكن لن يخفف من الآثار السالبة، حيث أن نصف السكان يعيشون تحت هامش الفقر (حوالي 20 مليوناً)، لا توجد إحصائيات دقيقة وأرقام وطنية لكل السكان وتقديرات دقيقة لحجم الاستهلاك الحقيقي، التعاونيات شابها الكثير من التجارب المريرة في السابق الحد الأدنى للأجور مخالف لمؤشرات منظمة العمل الدولية.
*هل من نصائح للخروج من الوضع الحالي؟
نعم. العمل على إقناع أمريكا بشطب السودان من الدول الراعية للإرهاب، بدون هذه، فإن رفع العقوبات الاقتصادية لا يعني شيئاً، المطلوب تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل ودعم المشروعات التنموية في البلاد (معدل البطالة الرسمي 20٪) ولكن تدفق الاستثمارات الى الداخل يتطلب مؤشرات اقتصادية موجبة، خاصة إصلاح سياسة سعر الصرف واستقراره، وخفض معدلات التضخحم (الرسمي 70٪)، أما فيما يرتبط بالسلع الاستراتيجية خاصة القمح والدقيق وصناعة وتسويق الخبز فتحتاج الى عمل كبير لمراجعة هذه السلعة من الاستيراد إلى الاستهلاك، حيث نشأت مافيا كبيرة ارتبطت بهذه السلعة خاصة في عمليات توزيع الدقيق وصناعة الخبز، (طبقة هامشية كبيرة جدًا في المتاجرة والتكسب من بيع الخبز بأسعار مضاعفة أعلى، وآخرون لتهريب الدقيق وخلق ندرة في الخبز). إن امتلاك أفراد محدودينمئات الأفران وفي نفس الوقت حصولهم على توكيلات نقل وتوزيع الدقيق ساعد في خلق المشكلة وتفاقمها. وبنفس القدر بل أكبر نجد مافيا محترفة ساعدت في تهريب البترول وبيعه في كل الطرق السريعة في السودان وبأسعار أعلى. هذا بخلاف التهريب عبر الحدود، حيث ساعدت السياسات النقدية الخاطئة في جعل البترول السوداني هو الأرخص للأجانب مع انهيار قيمة الجنيه السوداني. حيث اكتوى برفع سعره المواطن السوداني، حيث يؤثر رفع السعر على النقل والترحيل وعلى أسعار كل السلع. والمافيا الأخرى هي المسيطرة على احتكار تجارة السكر نحتاج إلى ثورة كاملة لهيكلة وتصحيح الأوضاع وإنهاء كل عقود واحتكار الفساد والمحسوبية، وهنا لا بد من مراجعة كل عقود التعدين عن الذهب وربط تراخيص التصدير بالإنتاح أو عبر شركة مساهمة عامة، وقف المضاربات والتهريب.
أقول لوزارة المالية والبنك المركزي، إن الاستمرار والإصرار على تنفيذ سياسات مالية ونقدية طبقت عشرات المرات وأثبتت فشلها الذريع يعتبر مغامرة خاسرة بنسبة عالية جداً وفقاً للتحليل الفني. (وهذا يعني مزيداً من الانهيار الاقتصادي ومن ثم ترسيخ الفقر والبؤس).
* تأثير كورونا على الوضع الاقتصادي العالمي والمحلي؟
سيكون بكل تأكيد كبير سيعيد ترتيب الدول اقتصاديًا، وذلك لتأثير كورونا السلبي على كثير من القطاعات، وسيكون لها تأثير إيجابي على تطوير البحوث خاصة في مجال الأدوية والعقاقير الوقائية، وتطوير برامج التعليم الإلكتروني والعمل من المنزل، وتطوير العمل المصرفى الإلكتروني عن بعد، وكل ما يحقق الحكومة الإلكترونية، أما تأثيرها على الوضع الاقتصادي المحلي، بكل تأكيد لها تأثير واضح على خفض حجم الإنتاج ومعدلات الإنتاجية ورفع معدلات البطالة بشكل أوسع.