*أذكر جيداً ونحن صغار “سن” وطبعاً كان هذا الصغر قبل مجيء الإنقاذ للحكم، لم نكن نعرف مصطلح رجال الأعمال ولكننا كنا ندرك أن بعض الأسماء “ثرية”، وأذكر من الأسماء التي عرفت في تلك الفترة برجال الأعمال الوطنيين، وكان على رأسهم الشيخ مصطفى الأمين والنفيدي وعلي دنقلا وأولاد البرير، والعشي وأبوالعلا وأولاد ملاح، وقائمة من الشخصيات التى عرفت بالجد والاجتهاد والوطنية الخالصة.
*وإن نظرنا إلى سنوات الإنقاذ الثلاثين سنجد أن الكثير من هذه الأسماء اختفت “قسراً” لتظهر أسماء جديدة لم يعرفها جيلنا ولا الأجيال التي سبقتنا لتظهر في الواجهة كرجال أعمال، ولكن كما يقول المثل “الصمغ في الشجر الكبار”، فان شجر رجال الأعمال “الكبار” تظل مثمرة حتى بعد رحيلهم ليصبح أبناؤهم هم من يواصلون المسيرة.
*قال لي أحد الذين عاصروا الراحل الشيخ مصطفى الأمين وعمل معه لسنوات عديدة، إنه في أحد أيام “العسرة” لحكومة نميري، نضب الوقود ولم يكن هناك مال لشراء وقود، فما كان من الشيخ مصطفى الأمين إلا أن أشترى باخرة وقود بثلاثة ملايين دولار ربطت في الميناء لتحل مشكلة المواطنين، لم يتباهى بهذا العمل ولم يعلنه في أجهزة الإعلام، وهكذا كان هذا الرجل الخير “نسأل الله له الرحمة والمغفرة”، وهكذا كذلك يسير أبناؤه على دربه في عمل الخير والأعمال الوطنية التي لا تخرج إلا من بذرة طيبة غرست لتفيد كل الناس.
*ما دعاني لتذكر كل تلك المقدمة هو المشروع الضخم “اسماً ومعني” الذي بدأ الأسبوع المنصرم في المدينة الساحلية بورتسودان، بوضع حجر الأساس لمنطقة النيلين أفريقيا الحرة، والتي تعتبر من المشروعات القومية الاستراتيجية.
*خلال حفل وضع حجر الأساس قال رئيس مجلس إدارة شركة النيلين الأمين الشيخ إن استرداد عائد المناطق الحرة يحتاج دوماً الى فترة زمنية تتراوح بين العشرة إلى عشرين عاماً، إلا أنهم ورغم ذلك قبلوا هذا التحدي احترامًا وتقديرًا لرسالة والده “عليه الرحمة والمغفرة” التي تهدف إلى خدمة البلاد وخاصة المناطق المهمشة، أما المفاجأة التي أذهلت الحضور فكانت إعلان الأمين الشيخ بأن المشروع سيكون مساهمة عامة وأن الأسبقية ستكون لأبناء الثغر، وطالب الحكومتين المركزية والولائية بالإسهام في تذليل كافة الصعاب حتى يتحول الحلم إلى واقع.
*حسناً أن حضور ابني الراحل الشيخ مصطفى الأمين “الأمين وبشير” وأحفادهما إلى هذه المناسبة يؤكد مدى اهتمام هذه الأسرة بالمشروع وإصرارها على مواصلة مسيرة مؤسس هذه الامبراطورية الاقتصادية الضخمة التي واجهت الكثير من الحروب والظلم والضرب “تحت الحزام” في فترة حكم الإنقاذ، ومن المعروف أن الشيخ مصطفي الأمين كانت بداياته الاقتصادية الفعلية بغرب السودان في بدايات القرن الماضي، ثم انتقلت إلى بورتسودان في العام 1934م.
* العام 1960 كان هو عام توسع أعماله بإنشاء مصانع ومطاحن وقشارات، ولكن تم الاعتداء عليه لاحقاً من قبل نظام الإنقاذ دون وجه حق، والآن بعد رحيل الإنقاذ بدأ أبناء الراحل في الحفاظ على هذا الإرث الضخم واختاروا تنفيذ مشروع منطقة النيلين الحرة في مساحة ستة وتسعين ألف متر مربع، تم تأهيلها وتحويلها من أرض مغطاة بالمياه إلى صالحة لأن تشيد فيها المرافق المختلفة تمشياً مع برنامج الكوميسا والاتحاد الأفريقي لربط الدول الحبيسة بالعالم بالاتفاق.