توجيهات مفرح.. أكثر من رأي!
تقرير: عبد الله عبد الرحيم
انسجاماً مع الوضع العام وتمشّياً مع موقف وزارة الصحة، والتزاماً بتوصياتها، دعت وزارة الشئون الدينية والأوقاف الأئمة بالبلاد لتقصير المدة التي يقضيها المصلون في المساجد تفادياً للازدحام ومنعاً لانتشار جائحة كورونا. وأصدرت الوزارة تسعة توجيهات جديدة لمنع انتشار فايروس كورونا، تضمنت تقليص الوقت بين الأذان والإقامة والصلاة بقصار السور والإيجاز في خطب الجمعة والتخلي عن إقامة سرادق العزاء تجنباً للأزدحام.
وقال وزير الشئون الدينية والأوقاف نصرالدين مفرح إن على الأئمة التقصير في الصلوات وذلك الاكتفاء بما تيسر من القرآن الكريم، وإن على المصلين المباعدة بين الصفوف لما يزيد عن المتر ونصف المتر، حيث ثبت علمياً أن انتقال الفايروس يكون في مسافة المتر بين المصاب والضحية. كما دعا قادة الكنائس إلى التسريع في الصلوات وفي الكنائس والمعابد منعاً للازدحام والتجمعات، وأن على الآباء والمطارنة الأرثوذكس الاجتهاد في كيفية تفادي طقوس التناول في صلواتهم تحوطاً من انتقال العدوى.
هذا التداعي من قبل وزارة الشئون الدينية والذي يأتي في إطار مكافحة فايروس كورونا، فتح الباب على مصراعيه أمام مغالطات دينية وثوابت يرى البعض أن تصريحات السيد الوزير خرجت عن مألوفها باجتهادات جديدة على الساحة فهل يتطور الفهم الديني من خلال التطور الذي شاب حتى فايروس وجائحة كورونا؟ أم إن اجتهادات الوزير قد يصدها النص فتقعد الوزارة عن التماشي واللحاق بركب وزارة الصحة المستحدثة بتطور الحياة؟.
لا تعارض
اتفق د. محمد نوح أستاذ الطب بالجامعات السودانية مع ما ذهب إليه السيد الوزير وأكد لـ(الصيحة) إن الطب لا يتعارض مع الشرائع الدينية، وقال إن صحة المؤمن وحياته مقدمة على العبادة، وذلك لأن العبادة لا تقوم إلا بالصحة. وأرجع نوح إفادة السيد الوزير إلى أنه أخذها من الأطباء ومشورتهم، وأشار إلى أن الطب جاء لخدمة الفرد كما أن الدين لخدمة الفرد وأن الطبيب مسؤول أمام الله بما يقدمه من إفادات وتوصيات، وقال إن روح الإنسان أفضل عند الله من هدم الكعبة. وأشار نوح إلى أن الامام مالك قالك لا يوجد علم أفضل للإنسان من علم الأديان وعلم الأبدان. لذا فإن رأي الطبيب دومًا يأتي مقروناً بمشروعية الدين وعلاقة ذلك بالإنسان.
منافية للشرع
بينما يرى مولانا محمد إبراهيم عضو مجمع الفقه لـ(الصيحة)، تصريحات وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح ودعوته للأئمة، بأنها لا تتماشى مع الفهم الديني لأداء الصلاة، وقال: ما قاله الوزير أخطاء متركمة ومتداخلة، وأنه لا يمكنه التدخل في شأن يخص الصلاة بهذه الطريقة، وزاد: إن طريقة أداء صلاة الجماعة إن (الرِجل مع الرِجل والكتف مع الكتف)، والصلاة بغير هذه الطريقة تعد باطلة، وطالب الأئمة والدعاة بعدم تنفيذ دعوة الوزير ورأيه. وترك إبراهيم أمر ترك الصلاة كخيار أمام دعوة الوزير لأدائها بتلك الطريقة، وقال إن الوزير قصد من تلك الدعوة الابتعاد عن التجمعات، وتساءل: هل هناك تجمعات أكثر من صفوف الرغيف وصفوف البنزين والجازولين وحتى الغاز معتبراً ما قاله الوزير بأنه لا يقبل لا من منطلق ديني ولا عقلي .
التضرع لله
وأكد إبراهيم، إن الكون كله بيد الله، وأن الله هو من أمر عباده بالصلاة، وأن الأمراض والكرونا ابتلاء ومواجهتها يأتي بمرضاة الله سبحانه وتعالى، وليس بتلك الطريقة التي تتدخل في شأن عبادة الله. وأكد أن الابتلاء له قواعد وضعها الله، حينما قال (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ). وقال: لا توجد مصلحة عامة تقتضي التنازل عن الصلاة وآدابها ويغض الطرف عن الآلاف من الناس وهم يصطفون لأجل الخبز والمحروقات من بنزين وجازولين وغاز؛ وزاد: هذا أمر غير متوازن لأنه تناول تجمعات الناس فيما يختص بأداء العبادات وترك تجمعاتهم فيما يختص بأمر الدنيا في المواصلات وغيرها. وأكد أن على الوزير كان يكون قد أصاب لو دعا للتضرع إلى الله لرفع الوباء بدلاً من دعوته الممجوجة هذه، وقال إن صلاة الجماعة لا تسقط لأي سبب وحتى في الحرب قال إن الله شرع صلاة الخوف بطريقتها التي لا تتنازل عن التقارب في الصفوف وكيفية أدائها. وقال إن ما قاله الوزير يؤدي إلى ضعف العقيدة، وأكد أن مجمع الفقه الإسلامي، لا يتدخل ويصدر فتواه، إلا إذا ما تُقدِّم له بمسألة حول هذا الشأن، فيقوم بالرد عليها من خلال إصدار فتوى تجوّز أو تحرّم الموضوع.
صفوف وصفوف
رغم أن جائحة كورونا قد فتحت الأبواب أمام المسؤولين للعمل على محاربتها، إلا أن دعوات وزير الإرشاد فتحت بدورها الباب واسعاً أمام الحالة السودانية التي تتطلب أكثر من موقف وفتوى خاصة فيما يتعلق بأمر الصفوف والازدحام، وفيما تطرق مفرح إلى صفوف الصلاة والازدحام في المعابد والتقليل منه، ينتظر البعض ورود فتوى وقرار من شأنه أن يحد من الصفوف الأخرى فيما يخص الخبز والبنزين والمواصلات والغاز؟