الفيروس العادل
فرض فيروس “كورونا” المستجد.. منطقه اللا منطقي على العالم من أقصاه إلى أدناه، بعد أن تَسيّد الموقف لأكثر من شهرين على ظهر هذا الكوكب بلا منازع، من خلال اتساع رقعة انتشاره الجغرافي المتنامي يوماً بعد يوم.
إذ تقول الإحصاءات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية بأن المرض أصاب 150 ألف شخص وامتد بأثره إلى 137 بلداً.
بل أن الوباء الذي لم تقتصر إصاباته على الأشخاص العاديين، كان قد أقلق حتى مضاجع الحكام في دول العالم المختلفة.. فقد أعلن طبيب البيت الأبيض أمس الأول السبت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير مصاب بمرض كورونا، كاشفاً عن نتائج الفحص الطبي الذي خضع له ترامب بعد تناوله العشاء مع أعضاء وفد برازيلي يُشتبه في إصابتهم بالفيروس، حيث قال طبيب البيت الأبيض شون كونلي: “تلقّيت هذا المساء تأكيداً بأنّ اختبار فيروس كورونا سلبيّ”. مؤكداً أن ترامب لم تظهر عليه أيّ أعراض”.
ذلك فضلاً عن إصابات طالت مسؤولين سياسيّين وزوجاتهم بفيروس”كوفيد 19″ منهم”بيغونيا غوميز” زوجة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز التي أصيبت بالفيروس.
كما تم الإعلان في الرباط عن إصابة وزير التجهيز والنقل المغربي، عبد القادر عمارة، بـفيروس “كورونا” عقب عودته من مهام رسمية في دول أوروبية.
وفي كندا، اكتفى رئيس الوزراء جاستن ترودو الذي أصيبت زوجته بالفيروس بممارسة أنشطته عبر الفيديو.
وفي إيران أُصيب عضو مجلس خبراء القيادة آية الله بطحائي كلبايكاني بالفيروس.
وقال مدير مكتب كلبايكاني إنه قد أدخل إلى غرفة العناية المركزة بمشفى “الشهيد بهشتي” في مدينة قم.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية إن العضو في اللجنة الحكومية الخاصة بمكافحة فيروس كورونا والخبيرة البارزة في الأمراض المعدية، مينو محرز قد أصيبت بالفيروس.
وكان (13) من الشخصيات المرموقة في مؤسسات الحكم الإيرانية قد توفوا بسبب الوباء، الذي أصاب 12 مسوؤلاً ايرانياً آخرين منذ تفشي الفيروس بالبلاد.
وبدا لافتاً أن فيروس”كوفيد 19″ قد أعيا إلى الآن على الأقل الباحثين عن إيجاد علاج ناجع وفعّال للمرض رغم إعلان وكالة “أنسا” الإيطالية السبت الماضي عن تطوير أول عقار ضد الفيروس، مؤكدة أن بحثاً يتعلق بالدواء الجديد نُشر على موقع “BioRxiv” من قبل فريق بجامعة أوتريخت الهولندية برئاسة الباحث شونيان وانغ.
غير أن باحثين قالوا لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إن الأمر سيستغرق شهوراً قبل أن يتوفر الدواء لأنه سيتعين اختباره للحصول على إجابات بشأن مدى سلامته وفعاليته.
المهم يبدو أن هذا الوباء قد مثّل أكبر تحدٍّ واختبار للعقل البشري المُفتَتن والمُستغرِق في حضارته المادية المعاصرة إلى حد الوله، وما يُشبه اليقين.
وبالتالي، فإن حقائق أخرى وراء الستار لابد أنها الآن تعمل خارج مدى الرؤية البعيد والقريب، فالذي عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.. ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس إلا عنده في كتاب مبين، هو بالقطع من وضع في بريد هذا العصر تلك الرسالة العميقة التي وضع سرَّها في هذا المخلوق الضعيف “كورونا”.
فسبحانه القائل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).
إن طبيعة مثل هذا الأخذ “أخذ العزيز المقتدر” تجعل العقول والأذهان حائرة تقف.. فالفيروسات من الأحياء الدقيقة التي هي في الحقيقة جند من جنود الله، شأنها شأن ما نرى من ذباب يقول عنه المولى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
إن مكافحة “كوفيد 19” لا تخرج ولا تختلف عن قانون ومعادلة تؤكد ضعف الطالب والمطلوب.