(الصيحة) تكشف تجاوزات وفساد بمشروعات للاتحاد الأوربي (1-2)..
منظمات تعبث بأحلام الفقراء وتهدر أموال المانحين لصالح "موظفين" .
خبراء : غياب التقييم والمتابعة سبب رئيسي وراء فشل مشروع مياه السودان واستدامة سبل كسب العيش.
موطنون: وعدونا بالدجاج ولكن أرسلوا (رصيد على الهاتف)
زوجة مدير مشروع المياه “جو” حصلت على المال في سرية تامة و دون عقد.
الخرطوم : شوقي عبد العظيم
البداية كانت من اكتشاف مخالفة إدارية، ترقى إلى درجة تضارب المصالح، المخالفة كانت مشتركة بين إدارة التنمية الدولية البريطانية المعروفة بـ”ديفيد” ومنظمة خدمات العون العالمي الهولندية “زوا” المشرفة على تنفيذ مشروع مياه أرياف السودان “أكوا سودان”، والذي سنورد تفاصيله لاحقاً، المخالفة التي أشرنا إليها فتحت الباب أمام إكتشاف مخالفات إدارية أخرى، ثم تواترت المعلومات والمستندات والأدلة لتكشف عن فساد صريح وتلاعب بأموال دخلت البلاد باسم الفقراء والتنمية واستدامة المعيشة، واتضح كذلك أن الأموال التي ضختها جهات عديدة من بينها “ديفيد” البريطانية والاتحاد الأوروبي وتبلغ ملايين الدولارات تبددت بلا طائل، ولم تصل إلى مستحقيها وأن المشروع فشل، بسبب ذلك الفساد وقلة المراقبة وانعدام الشفافية والتجاوز في تطبيق المعايير وضعف كفاءة القائمين على تنفيذه .
مياه ومعيشة
الفساد وهدر المال الذي نحن بصدده وقع في مشروعات ممولة من إدارة التنمية البريطانية “ديفيد” التي تشرف عليها السفارة البريطانية في الخرطوم، ومشاريع أخرى ممولة من الاتحاد الأوروبي، المشروعات الممولة من ديفيد تتعلق بمشروع مياه أرياف السودان (أكوا سودان) والذي رصد له أكثر من (30) مليون جنيه استرليني، بينما مول الاتحاد الأوروبي مشاريع لاستدامة المعيشة، مستهدفة السكان في أحواض المياه، مشروع (أكوا سودان) الذي تموله “ديفيد” وتقوم سبع منظمات على تنفيذه، وهي براكتكال أكشن البريطانية وبلان انترناشيونال البريطانية والإغاثة الإسلامية البريطانية ومنظمة خدمات التنمية الدولية الأمريكية، ومنظمة زوا الهولندية ومنظمة ويرلد ريليف الأمريكية، ومنظمة إس أو إس السودانية، ولكن تنفرد منظمة “زوا” بإدارة الشراكة بين المنظمات الست والمانحين والإشراف على تنفيذ المشروع، الأمر الذي جعلها متنفذة أكثر من غيرها من المنظمات في إدارة المشروع، وهي التي تدير الشراكة وتكتب التقارير للجهات الممولة وتقع عليها مسئولية المراقبة.
أسباب الفشل.. غياب المتابعة
أجمع خبراء وموظفون في ديفيد والاتحاد الأروبي تحدثوا لـ(الصيحة) على أن غياب التقييم والمتابعة من قبل المانحين كان السبب الرئيسي وراء فشل مشروع مياه السودان واستدامة سبل كسب العيش، وقال موظف في ديفيد ــ طلب حجب اسمه “ديفيد تركت المشروع دون مراقبة ولا تقييم للتنفيذ ومنظمة زوا لم تتعامل بشفافية ومعظم تقاريرها لم تكن دقيقة”. وأضاف “مشروع الاتحاد الأوروبي أيضاً لم تتم متابعته، وسمعنا شكوى كثيرة من المواطنين الذين صرفت الأموال باسمهم”، الاستقصاء الميداني وإفادات المستفيدين من خدمات المشاريع أكدوا ما قاله الخبراء، المواطن بابكر مصطفى ـ يعمل تاجراً في سوق القضارف- من سكان قلع النحل “جمعوا السكان ووعدوهم بأشياء كثيرة ونشاهد عربات متحركة وأجانب يأتون من مرة لأخرى خلال السنوات الأربع الماضية ولكن لم يحدث شيء ملموس حتى اليوم”.
مشروع الدجاج.. تحويل رصيد
اهتم الاتحاد الأوروبي بمشاريع الأمن الغذائي واستدامة سبل كسب العيش من بينها مشروع تمليك المواطنين حظائر دجاج، وتم الاتفاق على حصول (40) مواطناً في قرى مختلفة بولاية القضارف على حظيرة دجاج، تحتوي كل حظيرة على 24 دجاجة، وبحسب موظفين في إحدى المنظمات الوطنية يعد المشروع نموذجاً أو تجريبياً يمكن التوسع فيه مستقبلاً حال حقق نتائج جيدة، وقال (م.س)-موظف في منظمة وطنية- ” مشروع الدواجن يعد تجريبياً ولكن الطريقة التي تم تنفيذه بها لم تحقق أي نتائج لأنها طريقة غير شفافة وتسببت في مشاكل للسكان المحليين بدلاً من دعمهم”.
مشروع الدجاج تم تمويله بمبلغ يقارب (150) ألف يورو من الاتحاد الأوروبي كما ذكرنا سابقاً، ومنظمة (زوا) من أشرفت على تنفيذه، وفرقها اختارت المستفيدين في القرى المختلفة ووعدتهم بالتدريب على تربية الدجاج والاستفادة منه اقتصادياً، ولكن عدداً من السكان المحليين قالوا إنها لم تقم بتدريبهم وانتقدوا اختيارها للمستفيدين من المشروع ووصفوا المشروع بالفاشل، وأنه تسبب لهم في مشاكل عديدة، وهذا ما أكدته الزيارة الميدانية لـ(الصيحة).
مواطن بقرية “الحويجا” محلية قلع النحل اسمه أبكر محمد ـ مزارع- قال لـ(الصيحة) “حدث تلاعب كبير في مشروع الدجاج”، ومضى قائلاً “لا يدري أحد كيف تم اختيار المستفيدين من المشروع ولم تلتزم المنظمة بالاتفاق” ومضى قائلاً “مندوبة منظمة زوا واسمها سيدة قالت لنا المستفيد سيستلم (24) دجاجة وقفصاً وأدوات أكل وشرب تخصص الدجاج وجوال علف، وسيتم تدريب المستفيدين على تطوير المشروع، ولكن ما حدث كان مخالفاً لما وعدونا به”.
رصيد” بدلاً من الدجاج
عدد من المستفيدين قالوا إنهم استلموا أقفاصاً وأكالات وشرابات الدجاج وعلفاً، ولكن استلم بعضهم ست دجاجات فقط، وبعضهم استلم مبالغ مالية بدلاً من الدجاج وبعضهم أرسل له رصيد على الهاتف حتى يشتري به دجاج .
قال عدد من المواطنين مدينة (كرتوت) في ولاية القضارف إن المشروع لم تتم فيه متابعة من المنظمات المنفذة، وإن المسئولين عنه كانوا يدفعون لهم مبالغ مالية بعد أن وعدوهم بتسليمهم دجاجاً، واشتكوا من أن المبالغ المالية المدفوعة لهم زهيدة لا تتناسب والأرقام المعلنة في المشروع، وفي مرات كان الدفع عن طريق الهاتف ـ تحويل رصيد- وقال أحمد من قرية كرتوت ” أحضروا قفصاً للدجاج وأكالات ودفع لي مزمل من منظمة “التواكي” مبلغ (1000) جنيه فقط لشراء الدجاج وهو مبلغ لا يوفر ثلاث دجاجات”.
وقال عدد من المواطنين من قرية (الطرفة) من محلية قلع النحل إن اللجنة المسئولة من توزيع الدجاج طلبت منهم تحديد الشخص المستفيد، وبعد أن أرسلوا اسم امرأة كبيرة في السن تحسن تربية الدجاج لم يحضروه لها، الأمر الذي تسبب في إحباط لها وظلت تلاحقهم تسأل عن الدجاج الذي وعدوها به، وقال أحد المواطنين إن مزمل برر عدم تسليمهم الدجاج بأن درجة الحرارة مرتفعة في الصيف ووعدهم بإحضاره في الشتاء ولكنه لم يف بوعده.
وقال آخرون إن المنظمة وعدتهم بالتدريب على تربية الدواجن، وكيفية الاستفادة منها اقتصادياً ولكنها لم تلتزم بذلك مع عدد كبير منهم.
وقال المواطن سليمان أحمد من قرية الحويجة لـ(الصيحة) “قالوا هناك تدريب ولكن لم يفعلوا فقط أرسلوا مبلغ (1500) جنيه عبر تحويل رصيد، وهي موجودة، وقالوا سوف يتم تعويضنا المبلغ المتبقي لشراء الدجاج ونحن في الانتظار”.
كارثة.. الدجاج مريض
مشكلة الدجاج لم تنته مع عدم المتابعة وخداع المواطنين وإحباطهم بأن المنظمة منحت بعضهم (24) دجاجة، والبعض الآخر ست دجاجات وآخرون أموالاً عبر تحويل الرصيد، ولكن الدجاج الذي أحضرته “سيدة” والمسئولون في منظمة (زوا) كان مريضاً ونفق جميعه، وأكثر من ذلك تسبب في موت دجاج الأهالي في عدد من القرى، مواطن من قرية “كرتوت” قال إنه استلم (6) دجاجات فقط، ومع ذلك كانت صغيرة ومريضة ونفقت خلال أيام قليلة.
وقال وليد شعيب من قرية الحويجة “الدجاج الذي أحضرته المنظمة كان مريضاً، نفق فوراً وتسبب في نقل المرض للدجاج في المنطقة ورمينا آلاف الدجاج في الخور أحرقناه بالنار”.
وقال أحد العاملين في منظمة “زوا” القضارف لـ(الصيحة ) ” مشروع الدجاج والأغنام جميعاً لم يحقق الغرض المطلوب، وكانت فاشلة بسبب سوء الإدارة وعدم المتابعة من المانحين وانعدام الشفافية لدى الجهات المسئولة من التنفيذ”.
وأنفق الاتحاد الأوروبي أكثر من مائة وخمسين ألف يورو في مشروع الدجاج وأنفق مبالغ كبيرة في تحسين سلالات الأغنام، ولكن الأهالي قالوا إنهم لم يستفيدوا من المشروع بل وتسبب في مشاكل من بينها أن فقد كثير منهم حظيرة دجاج كاملة.
تضارب مصالح
مدير قطاع المياه والبيئة بالسودان بإدارة التنمية الدولية (فيل أوترام) المسئول المباشر عن مشروع مياه أرياف السودان (أكوا سودان) وقبل أن يغادر السودان وعبر رسالة إلكترونية شكر خلالها العاملين في “ديفيد” والمشرفين عليها في السفارة البريطانية بالسودان وطلب منهم “الالتزام بمعايير النزاهة والشفافية التي وضعتها ديفيد” غير أن المفاجأة التي كانت تنتظر من بلغتهم رسالة “فيل” أنه هو شخصياً لم يلتزم بهذه المعايير، وذلك بعد أن كشفت مصادر من “ديفيد” عبر مستندات حصلت عليها (الصيحة)، أن “فيل” وافق على تعيين زوجته بمنظمة ” زوا” الهولندية، وهي المنظمة المشرفة على تنفيذ مشروع مياه أرياف السودان الذي يشرف عليه “فيل” شخصياً، أي أن “جو” زوجته كانت تحصل على أموال من المنظمة التي يشرف عليها زوجها ومن أموال مشروع “أكوا سودان” نفسه، المخالفة لم تنته عند هذا الحد لأن “جو” تحصل على المال في سرية تامة، لأنها لم تحصل على عقد مع “زوا” يمكنها من الحصول على المال، وقال مصدر”زوجته حصلت على مال من المشروع الذي يشرف عليه دون عقد، ومن المحتمل أن زوا كانت تدفع لها من حسابها الرئيسي في هولندا من أموال الشراكة”. وأشار مصدر آخر إلى أن ” جو ” كانت تقوم بالتحرير والتدقيق اللغوي للتقارير الصادرة، وأنها سبق أن أوكل لها مهمة تدريب عاملين في منظمة “زوا” وحصلت على مقابل مالي دون التحقق على مقدرتها على التدريب، “فيل وجو أوترام” غادرا السودان قبل أسابيع للعمل في بلد أفريقي آخر.
وأوردت صحيفة الراكوبة ـ أشهر صحيفة إلكترونية سودانية- أخباراً عن الفساد الإداري وتضارب المصالح بين منظمة ” زوا” ومنظمة ” ديفيد” البريطانية الشهر الماضي، ولم تنف أي من المنظمتين الحادثة وتدثروا بالصمت خوفاً من التناول الإعلامي.
وقال مصدر مطلع من منظمة ديفيد لـ(الصيحة): مديرة الشراكة في مشروع المياه للسودان “إيزالين تاونير” استغلت صلاحياتها في توظيف زوجة مدير مشروع المياه للسودان في وظيفة مستشار لمراجعة تقارير المشروع تحريرياً ولغوياً دون عقد وبطريقة غير معلنة، وقال المصدر “إيزالين استغلت صلاحياتها كمديرة للشراكة بين المنظمات السبع وقامت بتوظيف زوجة مدير المشروع فيل أوترام حتى تكسب رضاه ولم تراع أصول التوظيف والتعاقد”.
وقال خبير في التعاقدات لـ(الصيحة)، إن مديرة الشراكة “إيزالين” مسؤولة عن تعيين زوجة مدير مشروع المياه من “ديفيد”، وهو يعرف بتبادل المنفعة، وقال “تعيين زوجة ممثل المانح في المشروع تبادل منفعة لاستمرار التمويل أو ربما ليكون راضياً عنها، وهو أيضاً وقع في تضارب مصالح لسماحه بأن تحصل زوجته على أموال من المشروع الذي يشرف عليه”، وأشار الخبير إلى أن استخدام شخص دون عقد واضح ويحصل على أموال خطأ كبير.
وقالت المصادر أن أوترام تحصل على أتعابها المادية من حساب المشروع الرئيسي في هولندا التابع لمنظمة زوا الهولندية.
ولكن هل اقتصر تضارب المصالح بين الأزواج في “ديفيد” والزوجات في “زوا” على “فيل” و”جو” فقط ؟