الخرطوم وسد النهضة.. انتهى عهد الوصاية!!
تقرير- مريم أبشر
منذ أن تفجّرت ثورة التاسع عشر من سبتمبر المجيدة، وتولّت الحكومة الانتقالية زمام تسيير دفّة الحكم، وإرساء هياكل دولة رشيدة، وضعت نصب أعينها مصلحة السودان أولاً وأخيراً، بعيداً عن التحالُفات ومُحاولات جرِّه لاتّخاذ مواقف لإرضاء الآخرين بعيداً عن مصالحه الخاصّة، الأمر الذي أكسب السودان استقلاليته الحقيقيّة والبحث عن مصالحه بعيداً عن التكتلات والمحاور التي لا تخدم له غرضاً.
استقلالية
نهاية الأسبوع المُنصرم، اتّخذ السودان موقفاً متحفظاً تجاه مشروع قرار اتّخذته الجامعة العربية بشأن سد النهضة الإثيوبي، يرى أنه لا يخدم مصالحه.
لغطٌ كثيفٌ ونقدٌ عنيفٌ في العديد من الدوائر الخارجية، وبخاصة في الإعلام العربي، بدأ يتمحور حول موقف السودان الذي تحفّظ فيه على قرار من جامعة الدول العربية حول سد النهضة الإثيوبي، حيث وصف الموقف بأنّه تخذيلٌ للشقيقة مصر وانحياز للشقيقة إثيوبيا.. في المُقابل ظهر موقف محترم وموضوعي من إثيوبيا ومفوض الاتحاد الأفريقي موسى فكي الذي صدرت عنه تصريحات مُتّزنة وموضوعية في ختام زيارته للخرطوم.
جرّ الخرطوم
وقد أفادت مصادر مطلعة تحدّثت لـ(الصيحة) أمس بأن الأمر ليس كما تم تصويره وظهر في الوسائط الإعلامية خاصّة المصرية، وأوضحت ذات المصادر أنّ الأمر يتعلّق بتقديم قرار تُساند فيه الدول العربية (موقف مصر والسودان) فيما يتعلّق بسد النهضة الإثيوبي، ولفتت إلى أنّ السودان ومصر هما طرفا تفاوض مُتساويين، وأن الطرف الثالث معهما هو إثيوبيا، ومضت المصادر، موضحة أنّ السودان لم يقدم طلباً بأن تتم مُساندته فيما يجري من مُفاوضات لها مجرياتها وديناميكيتها التي تسير بين ثلاثة أطراف مُتساوية، خَاصّةً وأنّ مشروع القرار يمثل أكثر ما يمثل وجهة نظر المصرية تحديداً، وفق ما أوضحت المصادر المطلعة، واعتبرت المصادر وثيقة الصلة بالملف أن أيِّ تحالف مصري سوداني قد يُوغر صدر إثيوبيا ويدفعها لمزيدٍ من التعنُّت واتّخاذ المواقف المُتشدِّدة، فهو مُضرٌ أكثر مِمّا هو مفيدٌ، فَضْلاً عن مصر خالفت بطرحها للمشروع، القواعد الإجرائية للجامعة العربية، إذ كان ينبغي أن تطرح مشروع القرار قبل وقتٍ كافٍ لتتم دراسته واتّخاذ قرار سوداني بشأنه، والأهم من ذلك أنّها لم تُشاور السودان ولم تستشره، بل أقحمت اسمه إقحاماً.
وجهة مصرية
ووفقاً للمصادر، فإنّ مشروع القرار بشكله الذي قدّمته مصر وتحفّظ عليه السودان، يمثل بامتياز وجهة نظر مصر، وأن الخرطوم لا ترى ما يبرر جرّها لتبني وجهة النظر المصرية، فضلاً عن ذلك فلدى السودان تصوراته التي تحفظ مصالحه والتي قد تتعارض أو لا تتوافق مع تَصوُّرات مصر! وتعتقد المصادر أنّ التحرُّك في إطار الجامعة العربية ربما يدفع إثيوبيا للبحث عن أُطر إقليمية مُناصرة لها مثل دول حوض النيل أو الاتّحاد الأفريقي مِمّا سيضر بالمُفاوضات الحالية التي قطعت شوطاً مقدراً، أضف إلى ذلك أنّ السودان، وكذلك عالمه العربي وعالمه الأفريقي، في غنىً عن خلق توتُّر إقليمي واصطفاف وتصنيف لا مبرّر له، إضافة إلى ذلك أن تدخل الجامعة قد يفضي إلى تعدُّد مسارات التفاوُض ويطيل أمد المُفاوضات وهذا ليس في مصلحة السودان ولا مصر.
انسحاب
وبحسب متابعين، فإنّ السودان بنى استراتيجيته على ضرورة التواصل مع الطرف المصري لإثنائه عن تقديم مشروع القرار باعتبار أنّه لا يخدم أهداف الطرفين ويضع السودان في مواجهة ثنائية إجبارية وغير مرغوبة مع إثيوبيا، بيد أن الجانب المصري أصر، فلم يَبقَ أمام السودان سوى طلب سحب اسمه من المشروع ومن ثَمّ تسجيل التحفظ عليه.
سلامة موقف
السفير والناطق الرسمي السابق بوزارة الخارجية جمال محمد إبراهيم وصف الموقف الذي اتّخذه السودان حيال مشروع القرار المصري بالسليم والطبيعي، وقال لـ(الصيحة) أمس إنّ الموقف الطبيعي والجغرافي للسودان بوصفة دولة عبور تتوسط دولتي المنبع والمصب، وأن عليه أن يكون وسيطاً بين الطرفين، ويضيف: الولايات المتحدة تعرف الموقف الوسطي للسودان، لافتاً إلى أن التصعيد ليس من مصلحة مسار التفاوُض حول سد النهضه الذي تسعى الإدارة الأمريكية لمواصلة المشوار فيه حتى النهاية.