الخرطوم/ ناصر بابكر
1
أجمع كل من شاهده بملاعب شندي أو رفقة المنتخب الوطني، وكل من تابع تلك الحقبة أنه أحد أمهر اللاعبين الذين أنجبتهم كرة القدم السودانية، ويذهب البعض أبعد من ذلك ويؤكد أن العالم لم يعرف لاعب كرة قدم أعلى موهبة منه، ولو قدر له في ذلك الوقت الظهور خارج الحدود لكان العالم حتى يومنا هذا يتناقل سيرته كأحد الأساطير الذين داعبوا الساحرة المستديرة وأمتعوا عشاقها بفنهم ومهاراتهم التي لا تصدق.
2
قد لا يصدق البعض، أن من شاهدوه بعد الاعتزال في الكرنفالات والمهرجانات التي يشارك فيها توصلوا لذات القناعة.. وما لا تعرفه الأجيال اللاحقة لحقبته، أن موهبته وسحره أجبر في سبعينات القرن الماضي والثمانينات الكثيرين على تحمل وعورة السفر براً وبـ(اللواري) في طرق ليست معبدة لمشاهدته على الطبيعة ومتابعة الطريقة التي يداعب بها كرة القدم ويأسر بها قلوب المتابعين، حيث كان (الخواجة) في ذلك الوقت أحد عوامل جذب الجماهير إلى ملعب شندي، وكان من اللاعبين القلائل ويكاد يكون الأوحد الذي يحضر لتشجيعه والاستمتاع بفنونه المنافسون قبل أنصار فريقه أنفسهم.
3
تقول حكاية (درة شندي) أنه لم يعرف ارتداء ألوان فريق غير (ساردية) الذي انضم له منذ أن كان يحمل اسم (الشعلة) قبل تحويل اسم الفريق لاحقاً، ليسير على خطى أشقائه الأكبر الذين لعبوا لذات الفريق وكانوا جميعاً يتخذون من (الهجوم) مركزاً مفضلاً لهم، غير أن ما قدمه (الخواجة) وضعه في المقدمة فيما تصنيف الأعلى موهبة ليس في تاريخ شندي فحسب، بل في تاريخ الكرة السودانية.. مع التنويه إلى أن موهبته الفذة امتزجت بأخلاق قلّ أن يجود الزمان بمثلها وما حكاية وفائه لمنطقته وأهله وناديه ورفضه عروضاً تسيل لها اللعاب من القمة وأبرزها شيك على بياض من الهلال، إلا دليل على معدنه النفيس دون أن ننسى التنويه إلى أن أسطورة ساردية لم ينل طوال مشواره الكروي سواء مع ناديه أو المنتخب أي بطاقة ملونة سواء صفراء أو حمراء بل ظل طوال حياته مضرب مثل في الأخلاق والصفات الإنسانية.
4
لعل أبرز محطات حياته الكروية حينما قاد فريقه ساردية للفوز على الهلال الذي كان في أوج قوته وليس مرة واحدة بل اثنتين الأولى بثنائية نظيفة في خواتيم السبعينات والثانية في مطلع الثمانينات في عهد المدرب البرازيلي ناغويرا الذي طلب من إدارة الأزرق وقتها التعاقد مع اللاعب بأي ثمن دون أن يدري أن ارتباط (الخواجة) بأهله وناديه ومنطقته لا يشترى بالمال.. ويشير سفر التاريخ إلى أن (درة شندي) لعب للمنتخب الوطني اعتباراً من العام 1980 رفقة كمال عبد الوهاب والدحيش ومجموعة من عمالقة تلك الحقبة، وكان اختياره برهانًا على عظم موهبته في ظل صعوبة الحصول على مكان في توليفة المنتخب في تلك الفترة سيما بالنسبة للاعب ولائي.
5
إلى جانب تلك الموهبة المدهشة، عرف (درة شندي) كمعلم للغة العربية ومربياً للأجيال التي تكن له قدراً من الاحترام والتقدير والتبجيل يليق بما ظل يقدمه من دروس في الأخلاق والحياة والتربية قبل التعليم.. كما كان فنه وموهبته وما زال معلماً بارزاً في مشافي ومدارس ومرافق مدينة شندي، إذ كان رساماً مدهشاً وخطاطاً لا يشق له غبار يجيد بقلمه وريشته رسم أجمل اللوحات واللافتات التي تقف حتى يومنا هذا شاهدة على إبداع وفن وموهبة باتت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ مدينة شندي وإرثها ومعالهما بل وكنوزها سواء في ملاعب كرة القدم أو فصول الدراسة أو طرقات الحياة.
6
عرف بـ(الخواجة) و(درة شندي) و(الأسطورة) وقديماً قيل إن كثرة الأسماء تدل على عظمة المسمى وهو ما ينطبق على عبد المحمود يس أبوشريعة الذي وافته المنية بالأمس بعد صراع طويل ومرير مع المرض ومعاناة من فقدان الذاكرة لتودع البلاد عامة وشندي بشكل خاص أحد أمهر من داعبت أقدامهم الجلد المدور وأحد أبرز معالم الفن والموهبة والأخلاق بعد أن خلف سيرة عطرة وذكرى يصعب أن تمحى من ذاكرة من عايشوه لاعباً فذاً ومعلماً مربياً ومعلما بارزاً من معالم شندي ومنارة للأخلاق والتواضع.