نقلُ الأعضاءِ.. التّجارة الرَّابِحة وجوازُ الفتوَى
وكيل صحة سابق: التغييرات السياسية نَسَفت إصدار قانون للتبرُّع بالأعضاء
عصام أحمد البشير: ضرورة اتِّساق الفتوى الفِقهية مع رأي الأطباء
قانوني: التبرُّع بالأعضاء تجارة رابِحة لعدم وجود قانون مُنظِّم
وزير الإرشاد السابق: المسألة تحتاجُ إلى توسيعِ دائرة الطب مقرونةً بالنّاحية الفِقهية
تحقيق: إبتسام حسن
في القهاوي المصرية ينشط كثيرٌ من السودانيين في سوق الاتجار بالأعضاء البشرية، ومنهم من يَعرِض جُزءاً من جسده بحثاً عن المال بعد أن أضناه الفقر ومنهم من يلهث باحثاً عن كلى لإنقاذ شخصٍ ما..
وفي الحياة السودانية نشاهد دائماً أن يتبرع أخ لأخيه بكليته لإنقاذ حياته، وهو يرى حياته مهددة أمامه لإصابته بالفشل الكلوي الحاد..
هذا الوضع دفع بعض الاختصاصيين السودانيين للشروع في تشريع قانون يتيح نقل الأعضاء، إلا أن المحاولة توقفت بسبب اندلاع الثورة في السودان..
ي اترى ما رأي السودانيين في موضوع نقل الأعضاء، وكيف ينظر اختصاصيو السودان للقضية، وهل يمكن أن نرى قانوناً يتيح نقل الأعضاء في السودان خلال الأيام القادمة؟
من الواقع
بدت الغبطة على الأسرة واضحة، وهي تبشر بحمل ابنتهم ذات الـ 26 ربيعاً وإحاطتها بالعناية الصحية اللازمة، إلى أن وصلت شهورها الأخيرة، بعدها أصيبت بضغط الجنين، ونقلت إلى المستشفى فى حالة يرثى لها، وشُخِّص مرضُها بحالة (كلبش) وشاءت الأقدار ــــ رغم تدخل الأطباء العلاجي ــ أن تتوفى المريضة دماغياً…. وقع الخبر على الأسرة كالصاعقة، وطالب الأطباء الأسرة أن تأذن لهم بسحب الأجهزة عن ابنتهم، وهذا الطلب أدخل أخاها الأكبر في حالة هستيرية واقتحم غرفة العناية المكثفة مهدداً الأطباء بإطلاق الرصاص عليهم، إذا تم نزع الأجهزة….
هذه ظروف يعمل فيها الأطباء في حالة إعلان الموت دماغياً ونزع أجهزة الإنعاش عن المريض، فكثير من الأسر لا تتقبل الموقف رغم أن الموت الحتمي هي نهاية المريض، ولاسيما أن بقاءه على الأجهزة لا يعيد له الحياة، وفقاً لإفادة الأطباء.. غير أن الأطباء يطمحون إلى ما هو أكثر من نزع الأجهزة من المريض المتوفى دماغياً، ولا سيما أنهم يعانون من ضغط نفسي كبير فى حالة مريض في حاجة إلى نقل عضو يتوفر عند الميت دماغياً، وهي أجزاء كثيرة إذا كانت كبداً أو كلية أو قرنية أو غيرها من الأعضاء البشرية، إلا أن الأطباء مكبلون بثقافات المجتمع والناحية القانونية، فضلًا عن النواحي الشرعية التي ربما تُحرّم نقل الأعضاء ولا سيما أنها محاطة بتقاطعات كثيرة مثل تعريف الموت في حد ذاته لدى الشرعيين.
قانون
فيما قال وكيل الصحة السابق د. سليمان عبد الجبار، إن وزارة الصحة كوّنت خلال الفترة القليلة الماضية لجنة طبية لبحث الامور المحيطة بنقل الأعضاء، وإن اللجنة وضعت مقترحاً لسن قانون يتيح نقل الأعضاء.
وكشف عن وجود خلاف في مسألة نقل الأعضاء في الرأي الفقهي، إذ أنه لم يكن هناك اتفاق فقهي يبيح نقل الأعضاء، وقال عبد الجبار في تصريح لـ(الصيحة)، إن هناك ثقافات في عدد من الدول إيجابية، إذ أن الأسر تسمح بالتبرع بالأعضاء في حالات مرضية بعينها، مثل الموت السريري الذي لا يزال فيه القلب يعمل، وقالك في هذه الحالة تُحسَم مسألة نقل الأعضاء من منطلق طبي، وقال إن التطورات الأخيرة بالبلاد والتي استدعت تغييرات في الوزراء والوكلاء وعدد من الإدارات، دعت إلى وقف سن القانون بعد تكوين لجنة في هذا الشأن برئاسة د. عبد الرحمن عبد الوهاب، وعضوية مدير المركز القومي لعلاج وجراحة الكلى د. محمد السابق.
ويقول عبد الجبار إن اللجنة كانت ناشطة، وفي اتصال مباشر مع هيئة علماء السودان بغرض صدور فتوى تُشرّع نقل الأعضاء، وإنها كانت ساعية للوصول إلى إجماع مع العلماء لا يتعارض مع النصوص الشرعية، إلا أنهم لم يصلوا إلى قرار حتى تمت التغييرات الأخيرة التي طرأت في الصحة .
آراء إيجابية
ومضى عبد الجبار في حديثه لـ(الصيحة)، واصفاً الآراء التي كانت تمضي في اللجنة بالإيجابية، وقال: كانت اللجنة تتحاور مع هيئة علماء السودان حتى يتم إقناع العلماء لإصدار فتوى تُجيز نقل الأعضاء، بحيث لا تتعارض مع النصوص القرآنية والفقهية، وشدّد على أن الآراء الدينية تخلق مشاكل في المجتمع، وتحتاج إلى إجماع من العلماء.
وقطع عبد الجبار بعدم وجود إحصائيات دقيقة فيما يختص بعدد المرضى الذين يحتاجون إلى نقل الأعضاء، فيما عدا عدد معلوم لمركز الكلى حول الحالات التي تجري عمليات غسيل الكلى، وأخرى تحتاج إلى نقل كبد، مؤكداً وجود 5 مراكز مؤهلة لإجراء عمليات زراعة الكلى منها الخرطوم وأحمد قاسم، ومركز الشهيدة سلمى، والسلاح الطبي، ومركز أطفال في مدني، ومركز في مستشفى ابن سيناء.
وقال إن وزارة المالية صدّقت بمبلغ 40 مليون جنيه لخطة لإنشاء مراكز لنقل الكلى في الولايات، وقال إن حالات الفشل الكلوي في زيادة تتناسب طردياً مع الأمراض غير السارية. وقال إن وزارة الصحة، كانت قد شرعت في تحضيرات لإنشاء المركز القومي لزراعة الكبد، ولكنهم جوبهوا بمسائل فنية، وشدّد على أن زراعة الكبد لم تُجرَ حتى الآن، واعتبر مسألة نقل الأعضاء تطلّعات موجودة من قبل الاختصاصيين، إلا أنها لم تنفذ حتى الآن، وأرجع السبب لعدم إصدار قانون في مسألة نقل الأعضاء حتى الآن.
الناحية الفقهية
أما وزير الإرشاد والأوقاف الأسبق د. عمار ميرغني، فذكر أن نقل الأعضاء من فقه النوازل أو المستجدات التي تطرأ فى الحياة، والتي تحتاج إلى حكم شرعي، وقال لـ(الصيحة): توجد اجتهادات في هذا الشأن، منها ما تم الاتفاق عليه في ظل شروط، إذا توفّرت فإنه يجوز النقل مثل نقل عضو من جسم إنسان إلى جزء آخر من جسم ذات الإنسان، وأكد أن هذه الجزئية لا يوجد فيها خلاف النوع الثاني ــ حسب ميرغني ــ فهي عملية نقل العضو من الميت إلى حي بشروط، وهي أن يتم إعلامه قبل أن يموت، وقال إن هذا النوع لا يوجد شك في صحته بشرط موافقة الميت حال حياته، والشرط الثاني أن يتم نقل العضو بعد التأكد من حالة الوفاة تماماً، كما يشترط التأكّد في هذا الوضع من سلامة الأعضاء والاستفادة منها للشخص الذي يتم النقل إليه، وأضاف: لا يجوز تقطيع الأجزاء بدون التأكد من سلامتها لجهة أن فيه حرمة للشخص الميت. وصنّف ميرغني حالة ثالثة لنقل الأعضاء، وهي نقل العضو من شخص حي إلى شخص حي ثانٍ، وقال: في هذه الحالة يشترط أن يكون العضو المُتبرَّع به من الأعضاء المزدوجة مثل الكلى، وأن يكون المُتبرِّع في حالة نفسية مستقرة.
وقطع ميرغني بعدم جواز بيع الأعضاء بأي حال من الأحوال، كما أنه قطع بعدم جواز نقل الأعضاء من الأشخاص غير الصحيين طبياً، وألا يكون الشخص المُتبرِّع يتأذَّى من نقل العضو، وقال إن عمل نقل الأعضاء عمل مُتداخِل مع عددٍ من الجهات منها اشتراط الفحوصات الطبية لجهة إن الفتوى تحتاج إلى محل تنزل فيه على حد تعبيره، وقال إن هناك بعض الدول جوَّزوا مسألة نقل القرنية في حال وفاة الشخص من غير إذنه إذا توقفت عليه حياة شخص أو إعادة البصر لإنسان حي، وأكد أن مسألة نقل الأعضاء في السودان تحتاج إلى توسيع دائرة الطب مقرونة بالناحية الفقهية.
لا يوجد قانون
الخبير القانوني وأستاذ القانون بجامعة النيلين د. فضل عطا، أفتى لـ (الصيحة) في موضوع نقل الأعضاء في السودان، بقوله: لا يوجد قانون في السودان يُجوِّز نقل الأعضاء، مضيفاً: المسألة من نواحٍ أخلاقية تدخل فيها قصة تجارة البشر، وأكد أن التبرُّع بالأعضاء أصبح تجارة لعدم وجود قانون يُنظِّم المسألة، وقال إن هناك استغلالاً للبشر وخطفه من منطقة إلى أخرى بغرض الاتجار بأعضائه، وقال في هذا الصدد يُستَهدَف المهاجرون غير الشرعيين.
وأضاف: في هذه الحالة، تخرج المسألة من حالة التبرُّع الطوعي إلى استغلال حاجة صاحب العضو المُحدّد، لأن حاجته دفعته لبيع كلية مثلاً، وقال إن الأمر يختلف عند وصول الحالات إلى الكادر الطبي، إذ أنه ربما يتمسّك بأخلاقيات المهنة، وقال إن مسألة التبرُّع بالأعضاء تدخل في المادة 131 من القانون الجنائي وبه يتم تحويل القتل من قتل عمد إلى قتل شبه عمد والجروح العمد إلى جروح شبه عمد، وأكد أنه لا يجوز بيع الأعضاء من نواحٍ أخلاقية كما يُمنَع التبرُّع للحاجة التي تؤدي إلى تهلكة صاحب العضو.
تعريف الموت
رئيس محكمة سابق، بابكر الصائم بابكر، كان قد أفتى في وقت سابق بأنه وفقاً لدستور السودان للعام 2005 لا يجوز حرمة أي شخص من الحياة تعسفاً، أضاف أنه لا يوجد نص في القوانين السودانية يُعرِّف الموت، وأن النص الوحيد في قانون الأحوال الشخصية هو تعريف مرض الموت.
وخلص الصائم إلى أنه وفقاً للقانون، فإن رفع الجهاز من مريض لا يزال على قيد الحياة يترتب عليه الموت يعتبر قتلاً عمداً، وأنه من واجب الطبيب هو إحياء المرضى ليس قتلهم، بالتالي فإن القانون يقتص من الطبيب، الأمر الذي اعتبره مشكلة تُجابه الأطباء، ويقول: بالتالي فإنه إلى حين وصول القانون لتعريف الموت بصورة واضحة يظل القانون يتحدث عن أن إزالة الجهاز عن المريض لا تُعفي الطبيب من أمرين، إما عفو ذوي المريض، أو المشنقة، وقال الصائم، إنهم أول ما يطالبون به في المحكمة هو التقرير الطبي لمعرفة ما إذا كان المريض كان متوفياً عند إزالة الأجهزة أم أزيلت عنه الأجهزة وهو على قيد الحياة.
مبررات ذوي الاختصاص
وقال رئيس مجلس الفقه الإسلامى السابق د. عصام أحمد البشير، خلال مخاطبته ندوة، إن هناك علامات تعرف بها كون أن الإنسان قد فارق الحياة أم لا، وقال إن فتوى ذوي الشرع تتوقف على أهل الذكر، وهم الأطباء وأن تنزيل الحكم الشرعي يتوقف على مبررات ذوي الاختصاص، ويضيف أن المجامع الفقهية الإسلامية اضطربت في هذه المسألة، فإن مجامع قطرية أصدرت فتاوى تؤكد جدوى وفائدة الأعضاء للميتين إكلينيكياً، غير أن بقاء الأجهزة على المرضى ينبني عليه صرف كثير من الأموال وتأخير ما ينتفع بمن هم أكثر حاجة لتلك الأجهزة، وقال إن المجامع تدرّجت في أحكام المسألة، لكنه لابد أن يكون هناك اتساق بين الفتوى الفقهية مع رأي الأطباء لتعديل القانون بعد أن يعقد مجمع الفقه ندوة للتدارُس حول المسألة، ويخاطب الجهة المنوط بها تعديل القانون وتخصيص جلسة لذلك .
نزع الأجهزة
ويقول عصام ، إن عدداً من العلماء اتفقوا على أن تُنزع الأجهزة بعد قطع اليقين التام أن جذع الدماغ قد تعطّل، بعدها تُجرَى كافة الأحكام الشرعية المُترتِّبة على الموت. وخلص عصام إلى فتواه بأن المريض الذي حكم الأطباء بأن جذع دماغه قد بدأ في التحلل يجوز رفع أجهزة الدماغ عنه، وأن تُوجَّه هذه الأجهزة إلى من تُرجَى حياته، وبالتالي اعتبر أن الموت قد تحقّق وتُبنى عليه كافة الأحكام الشرعية المُترتِّبة على الوفاة من احكام الوراثة وغيرها، ووجّه بأن الفتوى معنية بتعديل القانون ليفسح للأطباء أداء واجبهم الطبي، وأكد أن الاطباء حريصون على حفظ النفس الإنسانية وبقائها.
سماسرة
وتحدث لـ(الصيحة) مصدر مطلع ــ رفض ذكر اسمه ــ عن تفشِّي تجارة البشر بين بعض السودانيين، وقال إنه يشهد على لجوء كثير منهم لبيع أعضائهم مقابل المال بخاصة في دولة مصر، وأشار إلى وجود سماسرة سودانيين ينشطون بالقاهرة لتسويق الأعضاء يستقبلون المُتبرِّعين ويشرفون على إسكانهم.
وأضاف أن تجارة أعضاء البشر تتم في دول كثيرة باعتبار أنها تؤدي إلى علاج كثير من الأمراض..