الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة عثمان شيبة في حوار لـ”الصيحة”
كارثة كبيرة تُحيط بأطفال السودان
مليونا طفل يعانون من مشكلة التقزّم
ثلاثة ملايين وستمائة ألف طفل خارج نظام التعليم
37% من المتزوّجات قاصرات..
1685 جريمة اغتصاب و506 جريمة زنا و5006 جريمة سرقة و4605 جريمة أذى جسيم
قانون الطفل لم يتمكن من تحريم تشويه الأعضاء التناسلية
في أول حوار له لصحيفة سودانية، كشف الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة القومي عثمان شيبة أبو فاطمة، معلومات صادمة عن واقع الطفولة في السودان.
وأشار إلى وجود نحو 3,6 مليون طفل خارج نظام التعليم ونحو 2 مليون طفل يعانون من مشكلة التقزُّم..
وقال إن 37% من المتزوجات قاصرات.. كما أوضح أن الأطفال في السودان يمثلون نسبة 51% من عدد السكان.
حوار: محيي الدين شجر
*حدثنا عن واقع الأطفال في السودان؟
هذا سؤال كبير ومعقد، لأن الأطفال يوجدون في سياقات متعددة، وكل سياق فيه مشكلة، وإذا تحدثت عن التعليم فنجد حسب الأحصائيات هنالك 3.6 مليون طفل خارج نظام التعليم، إضافة إلى أن التعليم ذاته وجودته والمناهج الحالية المستخدمة في التعليم أيضاً والعنف بين الأقران في المدارس كلها من التحديات الكبيرة التي تواجه الأطفال في التعليم .
المدرسة نفسها غير جاذبة ولا تروق للأطفال، فضلاً عن الكلفة الباهظة للتعليم والعبء الكبير الواقع على الآباء فيما يتعلق بتعليم أبنائهم وهي واحدة من السياقات التي تواجه الفترة الانتقالية وحكومتها.
وفي غير التعليم، هنالك مشكلة كبيرة تتعلق بتكاليف العلاج الباهظة، وهذا أدى إلى ارتفاع في وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات
*هل هنالك دراسات علمية؟
أجريت دراسة حديثة من المسح العنقودي المتعدد المؤشرات أشار إلى معلومات مزعجة جداً عن وضع تغذية الأطفال، حيث وجد أن هنالك حوالي 2 مليون طفل أقل من خمس سنوات من 9 ملايين طفل يعاني من مشكلة التقزم الناتج عن سوء التغذية والجوع .
وأشارت الدراسة إلى أن تأثير التقزم على الناتج القومي يصل إلى ٢،٥، وقالت الدراسة إن معظم أطفال التقزم تواجههم مشاكل، بحيث لا يستطيعون الاستمرار في التعليم، كما أن نمو الطفل البدني والعقلي والاجتماعي يتحدد في فترة ما قبل الخمس سنوات .
وكل هذا جاء نتيجة لغياب سياسة واضحة من قبل النظام البائد أدت إلى هدر كبير في قدرات الاقتصاد وإلى تدنٍّ في كل شيء
ولا يعقل أن يكون نصيب التعليم والصحة طوال فترة النظام البائد فقط 1% من الناتج القومي، وهي جريمة لا تغتفر، لأن أي إنفاق في التعليم يكون أثره كبيراً في كل المناحي لا على الاقتصاد وحده، بل على الأمن وفي مكافحة الجريمة، وهي نقاط تجاوزها النظام البائد وأصبح يصرف على أجهزة لم تستطع حمايته.
وهذا الواقع أدى إلى إضعاف القدرة التنافسية للخريجين السودانيين في سوق العمل العالمي، والتعليم واحد من تحديات الفترة الانتقالية ليقوم على أسس جديدة لإحداث تغيير اقتصادي واجتماعي في السودان.
*كم عدد الأطفال في السودان؟
الأطفال أقل من 18 عاماً يمثلون 51% من السكان في تقديرات عام 2008م، والأمة السودانية أمة ناشئة، وهي ميزة جيدة، لأن كثيراً من الأمم هي أمم تعاني من أنها تشيخ، ولهذا هي ميزة تتطلب تحديات، لأن تلك النسبة تعني أن 51% من السكان غير منتجين ويحتاجون إلى خدمات، وبالعلم والأسس والتدابير العلمية، يمكن أن نصبح أمة عندها قدرة تنافسية مهولة في العالم، ورسالتنا في المجلس تتركز على هذه النقطة.
*هنالك تناقضات بين قانون الطفل وبين القانون الجنائي ما رأيكم؟
*فعلاً توجد تناقضات كبيرة جداً بين قانون الطفل وبين القانون الجنائي، وبين القانون الجنائي وبين القوانين الجنائية في العالم، القانون الجنائي لا يزال يُعرّف الطفل على النهج البدني 15 عاماً، والقانون الدولي يتخذ معيار السن 18 عاماً.
والقانون الجنائي يتضمن عقوبات بدنية على الأطفال كالجلد مخالفاً للقانون الدولي وقانون الطفل، وهنالك حالات لأطفال تم الحكم عليهم بالإعدام مع وجود نص صريح في قانون الطفل يمنع إعدام الأطفال أقل من 18 سنة، لكن القانون الجنائي يسمح وحالياً تم الحكم على خمسة أطفال بالإعدام ووصل حتى المحكمة الدستورية.
*وهل سيتم تتفيذ الحكم؟
الحكم صدر، ولكن تنفيذ الحكم موقوف، ولا نعلم موقوف إلى متى.
الوثيقة الدستورية قيّدت كذلك إعدام الأطفال أقل من 18 عاماً بل حتى دستور 2005م قيد إعدامهم، ولكن المشكلة تبقى في الممارسة.
*زواج القاصرات برز من خلال الخلاف بين قانوني الطفل والجنائي ما رأيك؟
نعم، زواج القاصرات يشكل مشكلة مجتمعية عرفية قبل أن تكون قانونية، ولنا دراسة أشارت إلى أن 37% من المتزوجات قاصرات أقل من 18 عاماً، والمشكلة في القانون وفي العُرف اللذين يسمحان بزواج القاصرة، وهما تحديان كبيران يواجهان الإصلاحات القانونية الجارية الآن في الدولة، ومؤكد ستتم معالجتها ضمن نصوص قانون الأحوال الشخصية ضمن استراتيجية قومية للتعامل الجيد مع موضوع الأعراف الاجتماعية في زواج القاصرات، ومؤكد حاليًا أن الأجهزة العدلية تتعامل بصورة جيدة مع ممارسة الجنس مع أقل من 18 سنة، وتوجد عقوبات في جرائم الاغتصاب وممارسة الجنس مع قاصرات له نفس النتائج في ممارسة الجنس مع قاصرات متزوجات، ومن باب أولى نعمل على معالجة المسألة واستهجان ممارسة الجنس مع القاصرات.
*عدد الاعتداءات على الطفل هل تملكون إحصائية؟
أرقام غير مريحة أشارت إليها الإحصاءات.
*حدثنا عن تلك الغحصاءات؟
تقول دراسة صدرت عام 2018 إن ( 108651) طفلاً استفادوا من خدمات إدارة شرطة حماية الأسرة والطفل 45439 إناث و63212 ذكور، وبلغ عدد الأطفال الذين هم في تماس مع القانون كجانحين 2607 من أصل 6346 طفلاً، وإنه في الفترة ما بين 2010 وحتى 2016 هنالك 18289 قضية طفل تم الحكم فيها, منها 1685 جريمة اغتصاب و506 جريمة زنا و5006 جريمة سرقة و4605 جريمة أذى وجراح و2388 جريمة سكر وخمر و859 أفعال فاضحة و189 مخدرات وحشيش و184 قتل عمد وغير عمد وقضايا أخرى 1943 جريمة .
وهنالك عمل جيد من وحدة حماية الأسرة والطفل بنشر الوعي وسط الأسر والمجتمع مع تضافر جهودنا يمكن أن نصل إلى نتائج جيدة فيما يتعلق بوضع الأطفال في السودان.
والتعاطي مع تلك القضايا يحتاج إلى قليل من الجهود، لأن التعامل معها بعد حصولها نتائجه باهظة وآثارها مع الطفل والأسر ممتدة ومستمرة .
وإذا لم يتم التعامل مع هؤلاء الأطفال بصورة واعية يمكن أن يشكلوا خطرًا على المجتمع .
*جرائم المحارم لها مكان في أروقة المحاكم؟
صحيح، توجد جرائم محارم، وهنالك بلاغات مدونة وتمت أحكام ضدها، وهي من أصعب الجرائم تجاه الأطفال لأنه لا يوجد مكان آمن للطفل إلا أسرته وبيته، وهذا الموضوع يحتاج إلى مناقشة شفافة والتحديات التي تواجه الطفل الذي يتعرض للاعتداء تحديات جسيمة وتحتاج إلى تعامل خاص ونوعي .
وموضوع المحارم يحتاج إلى معالجات والعائلات متساهلة ولابد من الاحتراس واتباع سياسة منضبطة والتفريق بين الأولاد والبنات في النوم وتعليم الأبناء في سن مبكرة بتلك المخاطر، ولابد أن نحذر الأبناء كيف يحمون أجسادهم .
*أطفال الشوارع؟
لا توجد إحصائية عن أعداد أطفال الشوارع، ولكن المشكلة الواضحة أن سبب وجودهم في الشارع نتيجة لفشل التعليم وللتدهور الاقتصادي، ومعالجة أوضاع أطفال الشوارع يحتاج إلى حماية مجتمعية للأسر الضعيفة..
*ماذا عن عمالة الأطفال؟
عمالة الأطفال مدخل لعمل هامشي في الشارع وينتهي الأمر إلى الاستيطان في الشارع، وكل ذلك بسبب مشاكل الحرب والنزوح، والسلام مدخل لمعالجة مشاكل كثيرة، لأن معظم أطفال الشوارع من مناطق متأثرة بالحروب ..
وعمالة الأطفال من المشاكل الكبيرة التي تواجه الأطفال، وناتجة أيضًا من المشكلة الاقتصادية والفقر، فتدفع الأسر بأبنائها لسوق العمل وعمل الطفل في حد ذاته لا مشكلة فيه إذا كان تحت إشراف العائلة، لكنهم يعملون في أعمال مصنفة حسب اتفاقية منظمة العمل الدولية 82 أعمالاً خطرة، كما ظهر عملهم في حقول التعدين الأهلي وأعمال كثيرة تصنف خطرة على الصحة وعلى الأخلاق وعمالة الأطفال تعد من مؤشرات فشل النظام البائد، وعدم العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاستجابة لها معقدة جدًا وتحتاج إلى إصحاح في هياكل الاقتصاد والتعليم، خاصة وأن معظم عمالة الأطفال نجدها في قطاع غير منظم .
*ماذا عن تجنيد الأطفال ؟
من مشكلات عمالة الأطفال إذا ذهبوا للتجنيد برضائهم أو بغير رضائهم والسبب كما ذكرت لك بسبب عدم وجود فرص للعمل تُنافس الفرص التي يوفرها التجنيد، ونحن نعمل على الحد منها مع أجهزة مختلفة عبر برامج مشتركة مع القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ومكتب اليونسيف، ونتمنى أن تضمن في اتفاقية السلام بتسريح ودمج الأطفال المجندين .
*كيف تنظر إلى قانون الطفل؟
قانون الطفل جيد إلى حد كبير، ويعتبر متقدماً على معظم قوانين البلد ومتوافقاً إلى حد كبير مع القوانين الدولية، لكنه في المقابل منذ البداية لم يتمكن من تحريم تشويه الأعضاء التناسلية ولم يحرم زواج القاصرات، كما ظل يعاني من مسألة سيطرة القانون الجنائي والمحاكم الجنائية على البيئة القانونية كما أن القانون يحتاج إلى تمويل وآليات لتنفيذه، حيث لم توفر الأموال الكافية، لأن الأطفال أصلا خلال 30 عاماً لم يكونوا أولوية للدولة، والقانون لا ينفذ بالتمنيات والأشواق .
*ماذا عن الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية؟
تشير البيانات التي تم جمعها عبر مجالس رعاية الطفولة الولائية في يناير 2019 بأن ولاية الخرطوم بها دار المايقوما وعدد الأطفال بها 555 طفلًا 324 ذكوراً و231 إناثاً منهم 9 ذوو إعاقة وعدد الوفيات 219 منهم 151 ذكوراً و68 إناثاً وتوجد بالولاية الشمالية دار واحدة ويوجد بها 4 ذكور و4 إناث وبنهر النيل توجد دار واحدة وعدد الأطفال بها 30 طفلاً وبالقضارف دار واحدة مشتركة مع المسنين وبها 18 طفلاً وفي كسلا يقيمون بمستشفى كسلا، ويبلغ عددهم 8 ذكور و10 إناث وبولاية النيل الأبيض 7 أطفال، وهنالك ولايات مثل البحر الأحمر والجزيرة والنيل الأزرق وجنوب دارفور ووسط دارفور وشرق دارفور وجنوب كردفان لا تتوفر إحصاءات عن عدد الإطفال فاقدي الأبوين.
كلمة أخيرة؟
المسؤولية كبيرة على عاتقنا، لأن النظام السابق كان يستعذب الصمت في قضايا الطفولة، ويحب الصامتين، وحينما توليت هذا المنصب اكتشفت حجم الخراب والدمار في ملف الطفولة..