تقرير: منال عبد الله
قرار التّوجُّه إلى مناطق التنقيب الأهلي عن الذهب، من القرارات الصعبة والمصيرية التي اتّخذها الكثيرون من مناطق مُختلفة من البلاد، ولكنهم اتّفقوا حول الهدف الأساسي وهو تحسين أوضاعهم الاقتصادية، ويحمل )الدّهّابة( بحسب المُعطيات هناك، أرواحهم في أكفهم باحتمال الموت تحت الأنقاض بسبب الاختناق وتكالب الصخور على رؤوسهم أو بسبب النهب والاشتباكات، إذ لا يختلف هذا النوع من الموت عن الذي يحدث في عرض البحار والمُحيطات بالهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية، إذ أنّه في الحالتين هو طريقٌ إلى الهلاك ولمُجازفة الأشخاص بأرواحهم وتعريضها للمخاطر لمُحاربة العوز، وتقع الحوادث في مناطق الذهب بصورةٍ مُستمرةٍ وأصبح لا يكترث لها الجميع.
غير أنّ تداعيات ما جرى في حفل الزواج الذي وقع بولاية نهر النيل السبت، وقيل إنّه نتاجٌ لـ(زواج مثليين) وأحداث العنف التي صاحبته، أعاد تسليط الأضواء إلى غياب القانون في مناطق التعدين الأهلي. (الصيحة) وضعت الحادثة تحت المجهر وتَحَصّلت على معلومات دقيقة حول واقع الحال بمناطق التنقيب بالبلاد، وحقيقة ما يحدث في الأماكن النائية وأبعاد الاستغلال غير الحميد للظروف الاقتصادية والتداعيات اللا أخلاقية لذلك!
تفاصيل ما حدث
قال مدير جهاز المخابرات الوطني بمحلية أبو حمد العقيد أمن فضل المولى لـ(الصيحة)، إن الظاهرة التي شهدها سوق الطواحين بأبي حمد من زواج أحد المثليين داخل نادٍ بالسوق، شاذة ودخيلة على المُجتمع السوداني، وأضاف: “أثارت حفيظة السكان الذين انتفضوا ضد هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعهم مما نتج عن ذلك أعمال شغب، استطاعت الشرطة احتواءها وفتح بلاغات في مُواجهة مُفتعليها”.
سبق إصرار
رصدت (الصيحة) عدداً ليس بالقليل من الحوادث المُؤلمة والمُتكرِّرة التي وقعت بمناطق مختلفة للتنقيب، بسبب انهيار آبار والتي تحدث بصورةٍ راتبةٍ بعددٍ من الولايات التي يتم فيها البحث عن المعدن الثمين بطُرقٍ عشوائيّةٍ وغير مُنظّمة قد تُؤدِّي إلى المَوت تحت الأنقاض بسبب الاختناق وتكالُب الصخور على رؤوس المُنقِّبين، حيث يحدث الموت هناك مع سبق الإصرار.
وأفادت المتابعات أنّ الكثير من الأشياء تَحدث في تلك المناطق النائية، لها أبعادها الأخلاقية والإنسانية والاستغلال غير المقبول للظروف الاقتصادية، بيد أنّ تداعيات مراسم زواج شابين لبعضهما، عَصَفَت بكل الصورة الذهنية للحوادث التي وقعت في الفترات السابقة، لكونها خرجت بوقائع غير مألوفة، الشئ الذي أكد عليه العقيد أمن فضل المولى، حينما دعا إلى تعزيز الثقافة القانونية ومُشاركة المُجتمع في نشر الوعي والتنديد بهذه الظواهر السَّالبة ومُراقبة الأندية والقهاوي وتنظيم أعمالها، وقال إنّ الأجهزة الأمنية والشرطية قادرةٌ على احتواء الشغب، ولكنها لوحدها لا تستطيع مُعالجة الظواهر السالبة مِمّا يستدعي تدخُّل المُجتمع وتفعيل دوره في نشر الوعي والثقافة المُجتمعية.
معلومات مُؤكّدة
وأشارت معلومات تَحَصّلت عليها (الصيحة) من عددٍ من (الدّهّابة) العائدين الى أنّ مواقع التنقيب العشوائي عن الذهب مرتعٌ خصبٌ لسماسرة الإتجار بالبشر، وأن منهم من يستغلون المُنقبين في الصحراء لأخذ أعضائهم الداخلية، إضافة إلى الأخطار التي يمكن أن يتعرّض لها المُنقِّبون عندما يقعون ضحايا للطمع والجشع الذي يُواجههم من قبل أشخاص يعملون في ذات المجال ومُحاولتهم الاستحواذ على كميات من الذهب بشتى الطرق من غيرهم ولو أدى ذلك إلى القتل، الأمر الذي يجعل كثيراً من الدّهّابة يسيرون في جماعات من أجل حماية بعضهم البعض، ولقطع الطريق أمام اللصوص وقطّاع الطُرق!
وأكّدت معلومات، مُمارسة منظمة للرذيلة تقودها نساء تحت مظلة تجارة المأكولات والمشروبات بالأسواق، المُنتشرة في مناطق التنقيب عن الذهب المُختلفة بالبلاد، إضافة إلى مُتاجرتهن بأنواع من المُخدّرات اُلمختلفة.
التقييد بالقانون
من جهته، أكد الفريق عمر جعفر الخبير القانوني والأمني، على أن عدم تقيُّد المُواطن في أيِّ حادثة باللجوء إلى القانون يؤدي إلى اتساع رقعة العنف، وحذّر من مَغَبّة استغلال هامش الحُريات الذي كفلته المرحلة الحالية بالبلاد لأخذ الأفراد للقانون باليد، وقال في إفادة لـ(الصيحة) على خلفية تداعيات أحداث أبو حمد إنّ احتواء أي أحداث عُنف نتيجة لأخذ القانون باليد يصعب احتواؤها وتصبح كلفتها كبيرة من حيث توفير الكادر الأمني البشري واللوجستي، ودعا إلى ضرورة أن تتوفر نقاط قانونية في أماكن التعدين الأهلي للذهب للحد من وُقُوع أيِّ حوادث مُميتة والتقليل من الخسائر، مُشيراً إلى أنّ أخذ القانون باليد يحدث دائماً في حالات الاستفزاز الشديد، وشدد على أهمية أن تتم مُكافحة الظواهر السالبة وفقاً لأعراف المُجتمع وبواسطة الأطباء في المجال النفسي والاجتماعي.