لجان التحقيق بحكومة حمدوك… دواعي التأسيس!
الخرطوم: أم سلمة العشا
ينتظر الرأي العام، حسب المدة المقررة نتائج لجان التحقيق التي شُكلت جراء الأحداث وفقاً لتوجيهات صادرة عن المسؤولين في الحكومة الانتقالية، ومع طول الانتظار والترقب لم تكن هنالك أي نتائج معلنة، كما أن لجان التحقيق تبعتها لجان أخرى، وهكذا يستمر المسلسل دون التوصل للهدف الذي اُنشئت بموجبه تلك اللجان، فقد أسرفت الحكومة في تشكيل اللجان، رغم وجود جهات مختصة منوط بها ما يحدث من أحداث يمكن أن تفصل فيما حدث وفقاً لدواعي الاختصاص، ومن هنا يبرز السؤال، ما هو الغرض من تشكيل اللجان؟
دواعٍ وتأسيس
منذ التغيير، تم تشكيل نحو خمس لجان، من قِبل مسؤولين في حكومة الفترة الانتقالية على رأسهم رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، شملت (اللجنة الوطنية المستقلة لأحداث فض الاعتصام برئاسة نبيل أديب، إزالة التمكين، المفصولين تعسفياً، لجنة أحداث الاعتداءات على المواكب، وكذلك لجنة الاعتداء على المتظاهرين السلميين من قبل الشرطة.
تفاعل واضح وتسارع الخطى من قبل المسؤلين في إصدار قرارات بتشكيل لجان للوقوف على الأحداث التي جرت، غير أنه في الغالب الأعم، يأتي القرار في قضايا رأي عام بغرض امتصاص الآثار السياسية، وتخفيض سخونة التناول الإعلامي، ومن ثم إخماد ذلك في صمت تام دون ضوضاء، أو يتواصل العمل بتكوين لجان تحقيق أخرى، ولا نتائج هنا ولا مقررات هنالك، وربما تم تقييد كل الأخطاء والجرائم ضد مجهول. وبحسب رؤية المحامي بحزب المؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق لـ(الصيحة): هنالك عدة دواعٍ لإنشاء اللجان أحيانا لقتل المواضيع وتضييعها وذر الرماد في وجه الرأي العام عبر إجراء نسيانها بعد قليل، وما أن تمرّ موجة الغضب وتتراجع الآثار، تموت الأوراق في الأدراج وتُصبح القضية طيِّ النسيان.
وأوضح عبد الرازق أن إحدى دواعي تشكيل اللجان أنها محاولة للاعتداء على اختصاصات الوزارات والمؤسسات، وتجاوز القوانين المنظمة للخدمة العامة فيما يتعلق بالاختصاصات الإدارية وصناعة قانون خاص.
ظنون وشكوك
كثير من القضايا والحوادث، تمَّ تشكيل لجان تحقيق لها، في عهد النظام السابق (الإنقاذ)، وفي غالب تلك اللجان لم تكن هناك نهايات معلنة أو معروفة، وكانت النتائج واضحة، إما التوقف في البداية أو منتصف الطريق لعمل تلك اللجان، نتيجة التدخل السافر من قبل مسؤولين نافذين في الدولة، أو بعض اللجان أحاطت ختام أعمالها بطوق من السرية والكتمان دون أن ترى النور، أما معظم النتائج التي أريد تمليك معلومات عنها للرأي العام، فكانت توصيات معممة، يبدو أن إرثاً واضحاً ورثته الحكومة الانتقالية في تشكيل اللجان، دون الإفصاح عما يدور في دهاليز عملها، فكلما كثرت القرارات بتشكيل لجان التحقيق أحاطت الظنون بالرأي العام وحامت حولها الشكوك في التأخر عن أية معلومات تفيد عن عمل تلك اللجان. ولتوضيح حيثيات الإرث قال عبد الرازق إن الدستور هو الذي يحدد طبيعة الوزارات الموجودة والتوصيف الوظيفي لمهامها واختصاصاتها، والوضع الطبيعي بالقيام بمهامها بمفردها وحتى إن كانت هنالك لجان ينبغي أن تكون محدودة داخل المؤسسة وفقًا للوائح والقوانين لإنجاز أعمالها، واعتبر تشكيل اللجان بمثابة محاولة لتحقيق الأهداف، التي منها ذر الرماد على العيون، الاعتداء على قضية العدالة واختصاصات آخرين، وقتل المواضيع، وتجاوز للأحداث دواعي سياسية، وأضاف” النظام يستمد شرطه السياسي من نظام الإنقاذ”، وأوضح أن الثورة جاءت لتحقيق السلام والعدالة، كما أن الممارسة الآن ضد ذلك تماماً، وليس غريباً أن تكون نتائج وآثار اللجان هي ذات نتائج وآثار النظام السابق.
ادعاءات كاذبة
لجنة وطنية قومية، منحت سلطات النائب العام، بغرض التحقيق في أحداث فض الاعتصام الذي حدث في الثالث من يونيو الماضي، بالرغم من أن جهة مستقلة تمتلك كافة الصلاحيات المتعلقة بفتح الدعوى والتحري والتحقيق والتفتيش والاحالة للمحكمة، إلا أن الوثيقة الدستورية نصت على تشكيل لجنة وطنية قومية مستقلة، وحسب ما ذكره أبو بكر عبد الرازق أن النائب العام لا يستطيع أن يحقق مع المكون العسكري، لارتباطه بالحصانة، كما أن رفعها مرتبط برئيس المجلس السيادي، وبالتالي أي تكوين للجنة لتحقيق مع عسكري في ظل عدم رضا القطاع العسكري هذه اللجنة ليست لها قيمة، وقال إن العساكر كونوا لجنة للتحقيق في فض الاعتصام من النائب العام وخرجت بنتائج تم نشرها للرأي العام بغض النظر عن إيمان الرأي العام بها أو لا، وبحسب عبد الرازق فإنهم لن يسمحوا بتكوين لجنة جديدة للتحقيق مع العسكر، وكل ذلك مرتبط بالحصانات، كما أن الوثيقة الدستورية حافظت على هذه الحصانات ومكنتها أكثر مما كان تحت ادعاءات كذوبة بأنها حصانات إجرائية، والحصانات كلها إجرائية، مرتبطة بجهة يجب رفعها عن طريقها. وكذلك تم تكوين لجنة للتحقيق في الاعتداء على المتظاهرين السلميين من قبل الشرطة، واعتبر عبد الرازق أن لجنة الشرطة كونها وزير الداخلية وهو يتبع لمجلس الوزراء ولكن تعيينه وإقالته يتبع الممثل العسكري في مجلس السيادة، أما فيما يتعلق بالتحقيق في أحداث الاعتداءات على المواكب التي شهدتها البلاد فبراير الماضي، احتجاجاً على إحالة ضباط بالجيش دعموا الثورة الشعبية ضد نظام المعزول البشير للتقاعد، وحدد لها «فترة أسبوع» لتقدم تقريرها، لكن الكثيرين يشككون في وصول هذه اللجنة أسوة بغيرها لنتائج قريباً، ولعل ما يؤكد ذلك، اعتذار النائب العام عن المهلة المحددة لتسليم التقرير لرئيس مجلس الوزراء، عن الموعد المحدد بـ(7) أيام، ومن ثم التسليم عقب ما أثير في الصحف بشأن ذلك ليأتي التصريح خجولاً دون الإفصاح عن المتورطين في الأحداث.
جدل كثيف
لجنة أثارت جدلاً لدى الرأي العام تم تكوينها بقرار من مجلس السيادة لجنة أطلق عليها «لجنة تفكيك نظام الإنقاذ»، ومهمتها تتلخص في إنهاء تمكين الإسلاميين، ومحاربة الفساد، واسترداد الأموال، وبدورها كونت لجاناً فرعية عددها 48 لجنة فرعية، حيث وصف أبو بكر عبد الرازق قانون إزالة التمكين بأنه أسوأ قانون في تاريخ البشرية ولا يتسق مع المشروعية القانونية ولا يتناسب مع المشروع والمقبول بالمعيار الاجتماعي السائد الذي يوطن مسائل العدالة، وهو محاولة للتحايل على قوانين الخدمة المدنية فيما يتعلق باختصاصات الوزارات، ومحاولة للتمرد على النظم القضائية كما أنه محاولة للظلم المقنن، هذا القانون أقرب إلى قانون الطوارئ يستصحب مشروعية استثنائية، وهي صناعة لمراكز قوى، وهي مسألة غير طبيعية مرفوضة تماماً وفيها تجاوز للقوانين سارية المفعول واعتداء على اختصاص الجهات المختصة بنظم الدستور والقانون وكذلك توطين للظلم ومجافاة للعدالة.
خلاصة مهمة
تأكيد قاطع من قبل المحامي أبو بكر عبد الرازق عن مخرجات تلك اللجان حيث، قال: وضع طبيعي أن لا تخرج هذه اللجان بنتائج، فالهدف ليس نتيجة ومعرفة الآثار المترتبة أو تحقيق لظلم، وإنما الهدف ليس العدالة ولا تمثيل إثار ظاهرة للمواطنين وأن اللجان هي محاولة لتحقيق الأهداف، منها ذر الرماد على العيون، الاعتداء على قضية العدالة واختصاصات آخرين، قتل للمواضيع، وتجاوز للأحداث.