الأسعار غير المعقولة..!!
* بعد الإعلان عن موعد الإضراب (أمس)، تراجع السادة باللجنة التمهيدية لاتحاد الصاغة والمعدنين، ورفعوا إضرابهم.. ولغضب السادة أسباب، منها ما أسموه باحتكار وزارة المالية سوق الذهب لشركة الفاخر، وهذا الغضب مشروع، إذ لا يجوز احتكار الأسواق للشركات.. ثم أغضبهم شراء شركة الفاخر للذهب من المعدنين بأسعار وصفوها بـ (غير المعقولة)، مما أدى لارتفاع أسعار الذهب، والغضب لهذا السبب غير مشروع..!!
* نعم، لقد أخطأت وزارة المالية بمحاباة شركة الفاخر.. ولكن أصابت شركة الفاخر عندما اشترت الذهب – من المعدنين وغيرهم – بأسعار غالية، أو بالأسعار غير المعقولة، حسب وصف السادة باللجنة التمهيدية لاتحاد الصاغة والمعدنين .. لماذا يغضبون؟، ولماذ يحسدون البائع على الأسعار العالية؟.. تحفيز المنتج – وهو الذي يقضي ليله ونهاره في فيافي التعدين الأهلي – بالأسعار المُحفزة على الإنتاج، يجب ألا يغضب السادة باللجنة التمهيدية لاتحاد الصاغة والمعدنين..!!
* وبالمناسبة، كما نرفض احتكار الذهب لشركة الفاخر، يجب أن نرفض أيضاً تحكّم الأسر والبيوتات في أسعار الذهب.. أسواق الذهب ليست حُرّة كما يتوهّم البعض، وليست شركة الفاخر وحدها هي التي تحتكر هذه الأسواق، بل هناك أُسر وبيوتات – معروفة للقاصي – هي التي تفرض أسعارها وتمتص عرق الكادحين، وهذا ما يجب أن نرفضه أيضاً.. ولا فرق بين تحالف المالية والفاخر وتحالف أولاد العمومة، إذ كلاهما تحالف ضد المنافسة الحُرة والشريفة..!!
* وبمناسبة التحالُفات غير المشروعة، قبل سقوط النظام بعام، فتح بنك السودان باب صادر الذهب لأربع شركات، على أن تعود الحصائل إليه، فتساءلت: لماذا أربع شركات؟ وما هي الشركات الأربع؟ ومَن يملك أسهمها؟ وهل هي من شركات القطاع الخاص أم العام؟ وما مزاياها بحيث تُمنح ما حُرمت منه الأخريات؟.. و.. و.. وكثيرة كانت الأسئلة ذات الصلة بالشركات الأربع، وأخطرها هل هي البديل لبنك السودان..؟؟
* نعم، فالشاهد أن بنك السودان يحتكر شراء وتصدير الذهب، وهذا هو الخطأ الفادح، وبحاجة إلى قرار شجاع .. فالكل توقّع – بعد نجاح الثورة، وتشكيل حكومتها – قراراً يقضي بخروج بنك السودان من سوق الذهب (نهائياً)، ويكتفي بالرقابة ووضع السياسات والتشريعات، وفتح أبواب السوق للبنوك التجارية بالتمويل وللشركات بالشراء والتصدير، أو كما كان الوضع قبل فرض نهج الاحتكار في كل مناحي الحياة .. وللأسف، هذا ما لم يحدُث حتى الآن.. !!
* نفهم أن يمنع البنك المركزي البنوك التجارية عن تمويل تجارة السلاح والمخدرات وغيرها من الممنوعات، وهذا المنع يتّسق مع دستور البلد وقوانين البلد ويستوعبه العقل البشري.. ولكن، كيف نفهم أن يمنع البنك المركزي البنوك التجارية عن تمويل تجارة الذهب؟.. هذا المنع غير طبيعي ولا يستوعبه أي عقل يعرف أبجديات الاقتصاد.. ثم، بجانب القوانين التي تبيح مثل هذه التجارة المشروعة، فالبلاد لم تستفد من احتكار بنك السودان لسوق الذهب غير التضخم والتهريب ..!!
* فالفائدة الاقتصادية في سياسة التحرير.. أي في توفير مناخ المنافسة للمصارف والشركات لتنافس بعضها بالجودة والسعر.. ولكن للأسف، نجح بنك السودان في أن يكتم أنفاس المنافسة في أسواق الذهب بقبضة الاحتكار.. وقبل قبضة الاحتكار التي انتهجها النظام المخلوع وسارت عليها حكومة الثورة، كانت بالسودان (13 شركة) وليست الفاخر فقط .. وكلها كانت تعمل في سوق الذهب بمنافسة شريفة، وعبر قنوات الدولة، وتأتي بالعائد إلى البلد قبل تصدير الذهب، أي بنظام (الدفع المقدم)..!!
* وكانت الشركات – عبر البنوك التجارية – تأتي بقيمة الصادر دولاراً، ثم تشتري الذهب من شركات التنقيب والأهالي بالمنافسة ذات الفائدة للمنتج، ثم تصدره – عبر القنوات الرسمية – بعد سداد ما عليها من رسوم وضرائب .. وكانت الحكومة تستخدم حصيلة الصادر في تغطية بنود الأدوية والسلع الضرورية.. هكذا كانت فوائد الإنتاج والتصدير للمنتجين والشركات والناس والبلد، ولم يكن هناك تهريب (ولا فاخر).. فالمنافسة الشريفة – في عمليات الشراء والتصدير – هي النار التي تحرق عمليات التهريب..!!
* ولكن منذ أن فرض بنك السودان سياسة الاحتكار، منذ عهد صابر محمد الحسن وحتى زمان إبراهيم البدوي، لم تعد تعمل في سوق الذهب بالبلاد الشركات بتلك المنافسة الحميدة.. لقد دمرت سياسة بنك السودان المنافسة الحميدة في أسواق الذهب، ليحل محلها (الجوكية) و(المهرباتية)، ثم من سماهم بنك السودان – ذات عام – بالوكلاء، وهم خمس شركات تأسست لتحتكر، أي كما تفعل شركة الفاخر اليوم ..!!
* وعالمياً، لم يحدث أن تدخّل بنك مركزي في الأسواق بغرض التجارة، كما يفعل بنك السودان الذي وصل به الحال لفتح مكتب في مجمع الذهب، مثل أي صائغ.. صلاحيات البنوك المركزية – في طول الدنيا وعرضها – لا تتجاوز الرقابة وإعداد السياسات العامة، وليس منافسة البنوك والشركات والتُجار في التجارة .. وعليه، للقضاء على كل أنواع الاحتكار، فاخراً كان أو بيوتات وأولاد عمومة، يجب تأسيس شركات مساهمة عامة، ثم توفير مناخ المنافسة، لتنافس الشركات بعضها لصالح (المُنتج والبلد)..!!