الخرطوم: جمعة عبد الله
يسود الغموض والضبابية مستقبل جولات التفاوض بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة الأثيوبي، بعد فشل اجتماع كان من المقرر عقده في واشنطن نهاية الأسبوع المنصرم “الخميس والجمعة” الماضيين، بين الأطراف الثلاثة “السودان ومصر وأثيوبيا”، ولم يرِد أي توضيح عن موعد جديد لعقد الاجتماع، ولم تعلق وزارة الري والموارد المائية على إرهاصات وأسباب تأجيل الاجتماع كما لم يصدر بيان يوضح الموقف الرسمي للسودان، رغم تحرك الطرفين الآخرين بتأكيد أثيوبيا انسحابها من الجولة الأخيرة، وإعلان مصر التزامها بالمشاركة.
واستبقت اثيوبيا خلال الاجتماع المؤجل مؤخرًا وأعلنت بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل في السد، وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سليشي بقلي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الإثيوبي غدو اندرجاتشاو، إن بلاده ستبدأ في موسم الأمطار القادم في يوليو بعملية تخزين المياه وسيليها اختبار توليد الطاقة في مارس 2021، وتابع أن نسبة أعمال البناء في سد النهضة بلغت 71٪، موضحاً أن بلاده تمارس حقها الطبيعي وفق المبادئ في الاستفادة الكاملة من مواردها المائية، مع التزامها بعدم إحداث أي ضرر على دول المصب.
وكان وزير الري والموارد المائية بروفيسر ياسر عباس، قد أكد في تصريح مقتضب لـ “الصيحة”، أن هناك “تفاصيل فنية كثيرة” عرقلت التوصل لاتفاق حول جزئية ملء وتشغيل السد، وهي نقطة الخلاف الرئيسية.
وأكد الوزير في مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم منتصف الأسبوع المنصرم، أن المفاوضات حول الملء الأول والتشغيل السنوي تسير بصورة طيبة مراعية مصالح الدول الثلاث وفق قواعد القانون الدولي المتعلق “بالاستخدام المنصف والمعقول من غير إحداث ضرر ذي شأن على الآخرين”، ولكن هذه المفاوضات لا تعني البتة توزيع حصص المياه بين الدول أو تسليفها، مشيراً إلى بذل السودان جهودًا كبيرة في كل مستويات التفاوض للحفاظ على حقوقه المائية والوصول إلى اتفاق يعزز المصلحة الوطنية أولاً، وفي نفس الوقت لا يُحدِث ضرراً ذا شأن على الآخرين “وفق قواعد القانون الدولي”، وذلك من خلال الاستفادة من الدراسات الفنية والقانونية التي أعدتها وزارة الري والموارد المائية بالتعاون مع المراكز البحثية والجامعات المتخصصة في البلاد.
وكان الجانب الأثيوبي قد تقدم للولايات المتحدة ـ مستضيفة الاجتماع- بطلب لتأجيل الجولة الأخيرة من المحادثات المتعلقة بالسد، وبررت أديس أبابا ـ حسب بيان لوزارة الطاقة والري الأثيوبية- طلبها بأنها بحاجة “لمزيد من الوقت للتشاور”، دون تفصيل.
وفي شمال الوادي، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أن القاهرة ملتزمة بالمسار التفاوضي لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، وأكدت أنها ستشارك بوزيرين في اجتماع واشنطن الذي كان مقرراً له “الخميس”.
وجاء في بيان للمتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ – رداً على الموقف الإثيوبي- أن مصر ملتزمة بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي، خاصة أن الهدف من الاجتماع الراهن في واشنطن – وفق ما سبق أن اتفقت عليه الدول الثلاث- هو وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، وأكد حافظ أن الجانب الأميركي والبنك الدولي، قاما ببلورة الاتفاق على ضوء جولات المفاوضات التي أجريت بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، منذ اجتماع واشنطن الأول الذي عقد في 6 نوفمبر 2019
وأشار المتحدث باسم الخارجية المصرية إلى أن وزيري الخارجية والموارد المائية والري، سوف يشاركان في الاجتماع الوزاري الذي دعت إليه الإدارة الأميركية، وذلك تقديرًا للدور البناء الذي اضطلعت به الأخيرة على مدار الأشهر الماضية، في مساعدة الدول الثلاث للتوصل إلى الاتفاق المنشود.
وسيسهم تشغيل السد في تنظيم جريان النيل الأزرق الذي يساهم بحوالي 60% من إيراد النيل مما يعني توفير المياه بصورة منتظمة طول العام وزيادة التوليد الكهربائي بخزانات الروصيرص ومروي كما يساهم في تعزيز الاستفادة من كامل حصة السودان من المياه في مشروعات الري المختلفة، كذلك من فوائد السد المرتقبة تحسين الملاحة النهرية بالنيل الأزرق والنيل الرئيسي بزيادة غاطس السفن والبواخر النيلية، كما أن تنظيم جريان النهر يعمل على تخفيف أو منع الفيضانات المدمرة كالتي حدثت في عامي 1988م و1946م، ومن إيجابيات السد الأثيوبي أيضاً حجز كميات مهولة من الأطماء التي تترسب في بحيرات الخزانات وقنوات الري ومداخل الطلمبات قبل وصولها إلى الحقول، إذ تمثل إزالة الإطماء حالياً نصف التكلفة التشغيلية لشبكة الري.
لكن من الآثار السالبة المحتملة للسد النهضة تقليص مساحات الري الفيضي “الجروف” بمقدار النصف، فاتحاً في ذات الوقت الفرصة لتحويلها إلى ري مستديم وزيادة رقعتها الزراعية، بالتالي يمكننا القول إجمالاً إن فوائد سد النهضة تفوق آثاره ومخاطره السالبة.