كانوا ثقيلين جداً..
فلم نر أثقل منهم دماً…ووزناً…وجيباً ؛ من بين كل مسؤولي أنظمتنا منذ الاستقلال..
ففشلهم تشهد عليه ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم..
ورغم ذلك لا تُحدث أحدهم نفسه بأدب الاستقالة ؛ بل يرون (الكنكشة) عبادة..
أو كما قالها هكذا – علناً – أحدهم ذات مرة..
فرددت عليه – في سياق كلمة لي – بعبارة شعبية نصها (أريتها عبادة السرور)..
وكلما قلنا لهم أمشو خلاص قالوا لنا : وما البديل؟..
أو قالوا لنا : نخشى عليكم من مثل مصير كلٍّ من سوريا…وليبيا…واليمن..
أو قالوا لنا : اللي زارعنا غير ربنا يجي يقلعنا..
أو كادوا أن يقولوا لنا : نمشي وين؟…تمشوا أنتم إذا الوضع ده مش عاجبكم..
وجسدوا هذه المقولة تمكيناً – فعلياً – على الأرض..
فتمدد الموالون في كل مفصل من مفاصل الدولة…وفي كل بقعة من بقاع البلاد..
فحيثما نولي وجوهنا فثمة (كوز) رابض وراء واجهة..
حتى وإن كانت واجهات هلامية مضحكة من قبيل (مجلس الذكر والذاكرين)..
يعني باختصار كانوا يظنون أنفسهم محصنين ضد القلع..
وظلوا على ظنهم هذا – رغم فشلهم وفسادهم – إلى أن اقتلعهم ربنا بثورة شعبية..
وقد كانوا يقولون إن ربنا هذا وحده هو القادر على اقتلاعنا..
ولم يكن قولاً من منطلق التسليم المطلق بإرادة الرب ؛ بل من باب التعجيز لنا..
بمعنى أقنعوا بس…واعتبرونا قدراً محتوماً..
ثم جاءت الثورة – وحكومتها – فاستبشرنا خيراً من بعد عنتٍ لم نشهد أسوأ منه..
لا نحن…ولا الأجيال السابقة ؛ منذ نيلنا استقلالنا..
أو هكذا كنا نظن ؛ إلى أن أحسسنا بحالة استبشارنا تلك تتلاشى رويداً رويداً..
بل وتنقلب الآن إلى سخط جماعي بعد نحو عام فقط..
فالفشل صار أسوأ…والثرثرة أكثر…والأسعار أعلى…وجروح الخاطر أنكأ..
أما جنيهنا فلا أدري لم لا نشيعه إلى مثواه الأخير..
وكأنما حمدوك نثر كنانته فلم يجد إلا ألينها عوداً ليرمي بها في وجوهنا…و الكراسي..
وإذا بظاهرة التمكين تطل علينا بوجه جديد…غير ذي لحية..
وإذا بالأقارب…والصحاب…والأحباب…ورفقاء المساء ؛ ينتشرون في المناصب..
وإذا بأحدهم يُذكِّرنا بابن الإنقاذ المدلل العبيد مروح..
فذاك كان أميناً لمجلس الصحافة…وسفيراً…وكاتبا صحفياً…وناطقاً باسم الخارجية..
وأشياء أخرى من وراء حجاب..
وهذا – وهو الرشيد سعيد – لا يقل عنه تعدداً مناصبياً…حتى سميته الرشيد مروح..
ثم – وكما أهل الإنقاذ تماماً – لا أحد منهم يستقيل..
وإن كانوا يظنون إننا سنسكت عن فشلهم – من أجل عيون الثورة – فهم مخطئون..
وقد بذلنا لهم النصح متدرجاً ؛ من اللطف…إلى الغلظة..
ولم يعد لدينا الآن سوى صرخة واحدة نزأر بها يأساً بعد أن بلغ الصبر الزبى..
بالله عليكم أمشوا !!.