النائب العام وحمدوك.. جدلية النفوذ والاستقلالية!
الخرطوم: أم سلمة العشا
أثار قرار رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب العام تاج السر علي الحبر بشأن أحداث مليونية رد الجميل في (20 فبراير) الماضي، ردة فعل غاضبة في أوساط القانونيين ووكلاء النيابة العامة، لجهة أن القرار صادر عن جهاز تنفيذي إلى سلطة مستقلة، وهي النيابة العامة، الخطوة لم تجد أي تبرير من الجهات متخذة القرار والمنفذة له حيث أن الأخيرة أبدت رضاها وقبولها التام والخضوع لتنفيذ قرار صادر من رئيس مجلس الوزراء دون الخوض في أية تفاصيل وفقاً للقانون.
خطوة غير موفقة
بحسب نص القانون والسلطات الممنوحة للنائب العام، أنه جهة مستقلة، ولا يستطيع أي كائن أن يزايد على ذلك، كما أنه من المعلوم أيضاً لا يجوز للسلطة التنفيذية توجيه سلطة مستقلة، غير أن الممكن والمحتمل ربما جرت مشاورات بشأن تشكيل اللجنة بين النائب العام وحمدوك، قادت إلى موافقة الأخير، كما أن قانونية القرار من عدمه بالنسبة لمجلس وزراء يقوده د. عبد الله حمدوك يبدو أنها غير مهمة، وإلا كانت استشارة رئيس الإدارة القانونية بمجلس الوزراء حاضرة في هذه الخطوة، وحسب مصادر تحدثت لـ(الصيحة) أن رئيس الإدارة القانونية لم تتم استشارته بشأن تشكيل اللجنة حتى يتمكن من إبداء رأيه القانوني حولها.
رؤية قانونية
ووفقاً للقانون لا يحق لرئيس مجلس الوزراء توجيه النائب العام ولا تشكيل لجنة برئاسته، هذه رؤية أجمع عليها بعض القانونيين بشأن اللجنة، وكانت على النحو التالي: قد (يصدر قرار من مجلس الوزراء بتكليف أي جهة، ولكن غير القانوني قبول ذلك التكليف من قبل النائب العام، ومن المفترض استشارة المستشار القانوني لمعرفة مدى قانونية القرار من عدمه، وهذه الخطوة محسوبة على الدولة). غير أن رئيس لجنة فض الاعتصام د. نبيل أديب قال لـ(الصيحة)، إن اللجنة التي شكّلها رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك ليست لها سلطة الاتهام الجنائي، وإنما تم تشكيلها وفقاً لقانون اللجان لسنة 1954، كما أن لجان التحقيق هي من سلطات النائب العام، وأوضح أديب أن لجنة حمدوك هي مجرد تحقيق ليست لها سلطة التحقيق الجنائي، غير أنه قال: كان من الأوفق ألا يكون فيها النائب العام، وبحسب أديب أن النائب العام لا يعمل في هذه اللجنة وفق سلطاته كنائب عام، وإنما اللجنة تم تشكيلها حسب قانون لجان التحقيق حيث لا يجوز استخدام أي بينة في أي محاسبة، وذكر أن رئيس مجلس الوزراء يأخذ قرارات سياسية في هذه اللجنة وليس جنائية، كما أن تشكيل اللجنة من منظور سياسي وليس جنائياً، وأضاف” أي زول فتح بلاغ في الأحداث التي حدثت تكون اللجنة جنائية ويجب تشكيلها من قبل النائب العام وليس تقصي حقائق، وأشار إلى أن رئيس مجلس الوزراء ربما هدف من تشكيل اللجنة لأخذ قرارات سياسية وليست جنائية.
ربكة داخل النيابة
وقد أحدث قرار تشكيل اللجنة برئاسة النائب العام ربكة داخل النيابة ما اعتبره بعض وكلاء النيابة بأنه خطأ كبير. ووجدت الخطوة عدم رضا وقبول كبير في أن يتم توجيه النائب العام من قبل رئيس مجلس الوزراء، وبحسب مصادر أن بعض وكلاء النيابة أبدوا غضبهم من تلك الخطوة، التي وصفت بأنها غير قانونية البتة، وبحسب المصادر لا يمكن لسلطة تنفيذية تشكيل لجنة تعمل وفق قانون الإجراءات الجنائية، وتأتي بالنائب العام رئيساً لها، واعتبرت الخطوة كأنما أراد حمدوك توجيه النائب العام ويرفع له تقريراً، وهذا في حد ذاته خطأ كبير، وأوضحت المصادر أن لجنة تقصي الحقائق من ناحية شكلية لا يكون رئيسها النائب العام، أما لجنة التحقيق فهي من اختصاصاتها فتح البلاغات وتوجيه التهمة وتحيلها للمحكمة، وهي سلطة مستقلة، وقالت المصادر إن تشكيل اللجنة من قبل حمدوك أدخل الناس في حرج كبير.
مشورة ورضا
في المقابل، لم تستبعد المصادر أن تكون خطوة تشكيل اللجنة من قبل الجهاز التنفيذي تمت بالمشاورة والرضا التام من قبل النائب العام، وفي هذه الحالة لا يكون هنالك أي توجيهات وتدخل في عمل النيابة، وقالت إن المسألة فيها تعقيدات ولجان التحقيق يتم تشكيلها وفق قانون الإجراءات الجنائية، يشكلها النائب العام ولديه سلطة القبض والتفتيش وفتح الدعوى الجنائية، أما اذا شُكلت اللجان بموجب التحقيق فهي لجان حقائق تختص بتجميع الحقائق للسلطة وليس فيها بينة ولا إثبات، أثارت ربكة وسط القانونيين، وأن الحبر قَبِل المسألة لجهة أن المصلحة واحدة. كما أن البعض وجد تبريرات لموافقة النائب العام بتوجيهات مجلس الوزراء ورأت مجموعة أن النائب العام مراعاة لتفكيره الثوري ربما لا يريد أن يفتح مواضيع تهز صورة الحكم، وبالتالي جاءت موافقته على أن كون رئيسًا للجنة.
رؤية مغايرة
ولعل رؤية مختلفة للخبير القانوني عبد العظيم حسن في حديثه لـ(الصيحة) وصف خطوة تشكيل اللجنة من قبل رئيس مجلس الوزراء بأنها سليمة وصحيحة، وفقاً لنصوص الوثيقة الدستورية، وقال إن المادة (3) من قانون لجان التحقيق يجوز لرئيس الجمهورية تشكيل لجان تحقيق، وكذلك المادة (74) من الوثيقة الدسترية منحت صلاحيات رئيس الجمهورية لرئيس مجلس الوزراء، وبالتالي حسب المادة (8/2) لقانون النيابة العامة لسنة 2017 يجوز بحكم أن رئيس الجمهورية هو المشرف على أعمال النيابة العامة يجوز لرئيس الجمهورية أن يكلف النائب العام وليس في ذلك مساس باستقلال النيابة، واعتبر عبد العظيم أن هذه النصوص متجانسة، ويجوز تشكيل لجنة تحقيق برئاسة النائب العام دون المساس باستقلال النيابة أو السيطرة عليها بأي وجه من الوجوه، ويجب مراجعة تلك النصوص التي أشارت الوثيقة الدستورية إليها، أو قانون النيابة العامة لسنة 2017 أو قانون لجان التحقيق لسنة 1954م.