السوق المركزي.. مملكة السماسرة
الخرطوم ــ رشا التوم
تصويرــ محمد نور محكر
السُّوق المركزي شمبات أبرز ما يُميِّزه كثرة الوافدين إليه من بقاع مختلفة من أنحاء العاصمة كَافّة يجمعهم هم (قفة الملاح) التي استعصى على كثيرين الوفاء بمطلوباتها كَافّة بسبب الظروف المعيشية الحرجة نتيجة الأزمة الاقتصادية للبلاد، وبما أن الأسواق مصدر كسب العيش والتجارة، فمن الأولويات توفير السلع بأسعار معقولة بعيداً عن أيدي السماسرة والمُضاربين في قوت المُواطنين بجانب توفير المقومات البيئة والصحية والأمنية.
وفي جولة قامت بها “الصيحة” حاولنا تلمس المشكلات التي تجابه المنتج والمزارع الحقيقي وتعوق تسويه إنتاجه مباشرة للمُواطن دون المرور بحلقة التجار والسماسرة من أجل توفير سلعة جيدة بسعر مناسب مباشرة.
اتفاق بين طرفين
دلفت إلى السوق المركزي في وقت تزامن فيه وفود أعداد كبيرة من المواطنين لشراء احتياجاتهم المختلفة، وتوجهت إلى الناحية الغربية من السوق، بحيث رأيت أمامي مباشرة (بوكس) وعدداً من الصبية يقومون بإنزال (صفائح الطماطم) من العربة، فسألت من صاحبها وعلمت بأنها تتبع للتاجر حمد عيسى والذي مارس المهنة قرابة الـ30 عاماً، وابتدرت حديثي معه من أين جاءت هذه البضاعة؟ فأجاب وردت من الجيلي والطماطم أنواع محلية، ومنها الصيفي والشتوي من داخل الخرطوم وترد إلى السوق من مناطق الفاو والجبلين جنوب كوستي والجيلي وحطاب شرق النيل، وإنتاج الأقاليم يصل إلى السوق في وقت متأخر بعد الساعة 12 ليلاً، وقال إن مهمتهم استقبال الوارد من الطماطم على مدار اليوم، وجهت إليه سؤالاً يحمل اتهاماً مُباشرة، بوجود سماسرة في السوق يحتكرون الوارد من الخضروات وشرائه من المزارعين بأسعار محددة، فسرعان ما رد قائلاً: (ده كان زمان)، ولكن الوضع الآن مختلف، فالتاجر العامل في السوق قد تجده صاحب المشروع الزراعي أو مموله ويبيع الخضار وفقاً لعمولة مُعيّنة، مُشيراً إلى أنّ المزارع لا يأتي إلى السوق بنفسه، وإنما يبيع عبر وكيل متواجد في السوق ويأخذ الزكاة والضريبة منه للحكومة والعمولة متفق عليها بين الطرفين مثلاً على المائة جنيه ما بين (5 – 10) جنيهات، وكل صنف من الخضار له أشخاص بعينهم يشتغلون عليه.
والعربات الواردة إلى السوق تُؤخذ منها زكاة وضريبة عبر مُوظفين من الجهتين بصورة يومية، وعلى حسب الوارد، وهنالك متحصلون على الأبواب الشمالية والشرقية والغربية.
وتبلغ عتالة البوكس 150 إلى 200 جنيه، وسعر الصفيحة ما بين 120 إلى 130 جنيهاً والكيلو ما بين10 إلى 15 جنيهاً في الإجمالي، وتتفاوت أنواع الطماطم ما بين الكاستر والبلحة ونجارة وتيراب أبو حبة، ولفت إلى سداد إيجارات للمحلات بواقع 100 إلى 200 لليوم الواحد وضريبة سنوية تتجاوز 1300 جنيه في السنة وإيجارات رمزية للطبالي بمبالغ 100 إلى 120 و150 جنيهاً، منوهاً إلى مطالبهم المتمثله في أهمية توفير الأمن بصورة عاجلة، مُشيراً إلى مُشكلات طرأت على السوق سببها موقف شندي الجديد، وانتشار ظواهر سالبة وجرائم قتل وسرقات ليلاً، مُطالباً بتكثيف الوجود الشرطي.
وقال إن بسط الأمن داخل الموقف ليس كافياً لحماية وتأمين الموقف والسوق معاً.
خسائر طائلة
مُضيفاً أنّ العمل الزراعي يحتاج إلى مقومات زراعية وتمويل لا يستطيع المزارع البسيط الوفاء بها لوحده، وهم بدورهم يخسرون أموالاً طائلة في توفير التيراب والأسمدة الزراعية، وفي المُقابل يأخذون عمولة رمزية متفق عليها دون تحميل المزارع فوق طاقته، لأن التاجر يخسر منذ بداية العمل الزراعي وحتى وصول المنتج إلى السوق، وقد تتجاوز خسارة التاجر 50 أو60 ألفاً، نافياً وجود سماسرة في السوق للمرة الثانية، وقال إنّها فترة وانتهت، وكانوا في السابق يُحدِّدون الأسعار خارج السوق، والآن الشغل علني، ونحرص على عدم رفع الأسعار للمواطن. والمشروع في بعض الأحيان يُموّل ما بين 700 إلى 800 ألف في حلفا ودنقلا نتيجة لبُعد المسافة عن الخرطوم.
ارتفاع الأسمدة والترحيل
صاحب مشروع زراعي يدعى خالد أتى بعربته (دفار) إلى السوق محملة بالطماطم فبادرت بالحديث معه حول أهم المشكلات التي تواجهه، فرد قائلاًك أهم مشكلة تواجهنا السماد والعمالة، فكيس السماد في بداية الموسم كان بواقع 1500 جنيه للجوال، وحالياً بلغ سعره 1800 جنيه، والعامل كان أجره لا يتجاوز 100 – 150 جنيهاً والآن 400 – 600 جنيه، والمبيدات الحشرية ارتفعت من 500 – 1500 جنيه، وهناك زيادة كبيرة في تكلفة الترحيل.
بما أن خالد منتج حقيقي للخضر كان لا بُدّ من الإلحاح عليه لمعرفة بكم يبيع صفيحة الطماطم إلى التجار داخل السوق، فقال إنه يبيع الصفيحة بما لا يتجاوز 110 – 115 جنيهاً ويقوم بسداد رسوم على البوابة تصل إلى 100 أو400 جنيه وفقاً لحمولة العربة والزكاة بواقع 200 جنيه، وعلى البطاطس 400 – 500 جنيه بإيصالات إلكترونية، وقال إنّ البيع من قبلهم يتم بالاتفاق مع العاملين في السوق من التجار وفقاً للأسعار في السوق ما بين الإجمالي والقطاعي، نافياً حدوث تلاعُبٍ، وقال: لا يُمكن إنزال الخضار بسعر أقل وبيعه بسعر أعلى دون علمنا، وهذا غير وارد، والإنتاج يحكم الأسعار ارتفاعاً وانخفاضاً، مُشيراً إلى أنّ الخُضر لا تحتمل التخزين أو تأخير بيعها خاصّةً الطماطم.
غش في التيراب
وشكا من الغش في التيراب من قبل الشركات العاملة وتدني نسبة الإنبات ما بين 50 – 30% والتلاعُب في تواريخ الصلاحية للتيراب، مؤكداً شراءهم السماد من التجار والذين يحتكرونه من الشركات ويحولون دون التواصُل المُباشر بين التاجر والشركة وتوزّع في المحلات مِمّا يحرم المزارع من مقاضاتهم في حال حُدُوث تلف في الإنتاج.
تلاعُب في الأسمدة
وكشف عن بيع السماد من قبل البنوك لأشخاصٍ لا يملكون أراضي زراعية على حساب المزارعين الحقيقيين وتسليمهم السماد بكميات كبيرة وتحقيق أرباح طائلة على حساب المزارع البسيط، وفي العام الماضي كان سعر جوال السماد في البنك بواقع 970 جنيهاً وفي التجاري 1400 تم بيعه من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالعمل الزراعي.
التاجر حماد محمد أحمد، شكا من ارتفاع تكلفة الترحيل، وقال إنّ الطماطم ترتفع أسعارها في بعض الأحيان نسبة لشح الوارد إلى الأسواق وتتراجع أسعارها في وقت الوفرة.
انتشار (النيقروز) والسرقات
وقال إنّ السوق مهيأ بالخدمات المطلوبة كافّة، ولكن هناك نواقص في نقل النفايات من المحلات بالسوق رغم سداد رسوم 140 جنيهاً للمحل الكبير، وأقل من ذلك للمحل الصغير، مؤكداً انعدام الأمن ليلاً مِمّا يُعرِّض حياة التُّجّار والمُقيمين في السوق إلى الخطر، واستدل بحادثة مقتل أحد التجار في السوق قبل فترة، وأشار إلى انتشار ظاهرة (النيقروز) بأسلحة بيضاء وانتشارهم داخل السوق دون مُراقبة أو مُساءلة من أي جهة!!!! وقال إنهم تحدثوا إلى الضابط التنفيذي للسوق، مُطالبين بتوفير شرطة فرد بأن لا استطاعة لذلك إلا بسداد رسوم للشرطة!!! وتوجد عربة واحدة فقط وهي خارج السوق وليس داخله لحفظ الأمن، مُشيراً إلى عدم وجود لجنة تسيير للسوق لحفظ الحقوق والواجبات، لافتاً إلى انتشار ظاهرة البيع في الطرق الرئيسية بالسوق مِمّا يعوق حركة المرور!
احتكار وسماسرة
تاجر قطاعي سيف الدين آدم إسماعيل، قال إنه يقوم بشراء الخضروات بأنواعها كافّة من تجار الإجمالي بالسوق المركزي، مشيراً إلى وجود سماسرة مُختصين يقومون باستلام الخُضر من المُنتجين الحقيقيين، واستبعد إمكانية تجاوز السماسرة بالنسبة للوافدين الجدد إلى السوق وهم يعملون في حلقة مُتواصلة وتربطهم روابط أسرية وقبلية، فمن يبيعون العجور مثلاً يحتكرون البيع والمورد الأساسي ينتمي إليهم في الأصل، وكذلك الطماطم والبطاطس يعملون في شبكة واحدة!!
وقال سيف إنه يقوم بشراء كرتونة الطماطم بـ800 إلى 850 جنيهاً ويباع الكيلو الواحد بـ30 جنيهاً للمواطن، والأسود بواقع الجوالين بـ600 جنيه، ويُباع الكيلو ما بين20 – 30 جنيهاً، والبصل الأخضر الربطة الكبيرة بـ60 جنيهاً، والبطاطس الجوال بـ1700 والكيلو يُباع بـ50 جنيهاً، والخيار الكيس عبوة 10 كيلو بـ300 جنيه، والبامية الكيس بـ1500 جنيه والكيلو بواقع 100 جنيه للمواطن، والقرع الكبيرة بـ300 جنيه والمتوسطة 100 والكيلو ما بين 30 – 35 جنيهاً، والرِّجلة أسعارها معقولة فالربطة الكبيرة 60 جنيهاً وللمواطن بـ20 جنيهاً، والكوسا الكيس 450 والكيلو ما بين 30 – 40 جنيهاً.. وأكد أنّ إحدى المشكلات التي تواجهه عدم الشراء مباشرة من المنتجين الحقيقيين دون المرور بالوسطاء، فأصحاب الإنتاج أنفسهم أتوا من أجل البيع.. فجوال العجور اليوم وصل لـ1200 جنيه وفي المزارع لا يتجاوز 400 جنيه، والليمون يباع 10 جنيهات للحبتين والكيلو بواقع 120 جنيهاً، والشطة الخضراء الجوال بـ2500 جنيه.. وقال إن السوق المركزي إذا تم تحريره فمن الممكن البيع والشراء بحرية تامة ويجب أن لا يقتصر العمل على عائلات وقبائل بعينها وتصل عمولاتهم إلى 50 – 60 ألف جنيه!!
الوفرة هي الفيصل
إبراهيم العركي قال، إنّ غالبية الوارد إلى السوق خلال الموسم الشتوي من مزارع ولاية الخرطوم من مناطق الجيلي والسقاي والفكي هاشم وواوسي دبك، والسوق تحكمه الوفرة، ومتى ما توافرت الخضروات تتراجع تلقائياً الأسعار والعكس صحيح، مبيناً أنه يتاجر في الخيار المنتج من البيوت المحمية، بجانب الكوسا ويبلغ سعر كيس الخيار وزن 10 كيلو 300 جنيه، والفاصوليا الخضراء والبسلة ترد من مزارع غرب الخرطوم والسليت والأسعار غير مستقرة، وهناك تقلبات بالنسبة لإنتاج البيوت المحمية نتيجة تبايُن الجو وقطوعات الكهرباء مِمّا يُؤثِّر في كميات الإنتاج.
لوبيات في الأسواق المركزية
عبد الرحمن صلاح الدين بشير، أحد المنتجين الحقيقيين يزرع أكثر من 60 فدان طماطم بمدينة سنار، إضافة إلى الكوسا والخيار والفلفلية وفي أم درمان يزرع حوالي 30 فداناً أخرى بنفس المنتجات، قال في حديثه لـ(الصيحة): هناك جشع واضح من قبل التجار في الأسواق المركزية ويربحون أكثر من المزارع نفسه، ويتسلمون المنتج من المزُارعين وبيعه لصغار التجار والمُوزّعين في الأحياء السكنية المختلفة والذين يأتون للشراء من الأسواق المركزية في أوقات متباينة، وأشار إلى قيامه بتجربة أن يبيع لغير التجار المعنيين باستلام الخضر في الأسواق، ولكنه وجد صعوبة كبيرة في الأمر مِمّا أجبرهم على الوقوف خارج السوق، وألمح إلى اتفاق خفي بين التجار ومن يقفون على البوّابات لتوزيع الإنتاج لأشخاص محددين، وأكد أن الخضروات تأتي من المزارع بأسعار رخيصة، ودعا إلى منح أصحاب المزارع مواقع داخل الأسواق للبيع المباشر للمستهلكين بدلاً عن البيع للتجار مما يؤثر على الأسعار ويخفف العبء على المواطن، وأقر بمُمارسة السماسرة ضغوط على المنتجين مما أجبرهم على البيع بأقل الأسعار نسبة لأن الإنتاج يتأثّر لا يحتمل الانتظار لوقت طويل واقترح منح وزارة الزراعة تصاديق من المحليات لعربات النقل المُبرّدة للبيع المباشر للمواطن ولكنه سرعان ما استدرك قائلاً: (المشكلة هناك لوبيات تمارس) ضد من يريد البيع مباشرة للمواطن والسوق يوجد به فطاحلة.
شكاوى من ضعف الوارد
أحد التجار شكا من ارتفاع تكلفة الترحيل، فالدفار القادم من النيل الأبيض تبلغ تكلفته 16 مليوناً والمحلي ما بين 2 – 3 ملايين، وقال إن السبب الزيادات في الجازولين والبنزين، وتوقّع مزيداً من الزيادات لتكلفة الترحيل والتي يسددها المواطن، مُشيراً إلى أن جوال الشطة الخضراء وصل إلى 3 ملايين جنيه والعجور إنتاجه ضعيف هذا الموسم!
وأضاف التاجر عبد الحي عبد الرحيم، أن كيس الفلفلية بواقع 150 جنيهاً، والعجور الكيس زنة 10 كيلو 300 جنيه، والكوسا 25 جنيهاً.
من ناحيته، أكد التاجر عادل الزاكي من ملجة الخضار بالمركزي أن البطاطس سعر الإجمالي 40 جنيهاً للكيلو وتأتي من الجيلي وواوسي والبصل الجوال 1300 جنيه والربع 100 جنيه، مُشيراً إلى انعدام الشطة الخضراء وارتفاع أسعارها، حيث بلغ سعر الجوال 3 ملايين، والليمون الجوال 3500 جنيه، وقال إنّ الغلاء ظاهرة عامة وليست حصراً على المركزي وتفرض رسوم على الدفار بواقع 500 – 600 جنيه والبوكس 300 جنيه، بجانب رسوم المحلية الرخصة التجارية 2 مليون جنيه، والنفايات ما بين 300 – 400 جنيه في السنة!
وقال تاجر الخضروات الورقية آدم عبد الرحيم إن سعر ربطة الخضرة الكبيرة 300 جنيه والصغيرة 3 ربطات بمبلغ 50 جنيهاً، وجَوّال الأسود 250 جنيهاً.