الخرطوم : جيلي أنا
تصوير محمد نور محكر
عادت الخرطوم إلى بدايات الثورة اشتعلت طرقاتها بالإطارات المُحترقة وغطى سماءها الدخان، واختنق فضاؤها بعبوات الغاز المُسيل للدموع “البمبان”، ومن ثم تكررت مشاهد “الكر” و”الفر” بين الشرطة والثوار في مليونية “رد الجميل” التي أعادت عقارب “الثورة للوراء”، تطاولت “المتاريس” مجدداً وأحكمت قبضتها على الطرقات وتمددت في المساء إلى الأحياء في أم درمان وبحري والخرطوم، تصاعد الغبن وسط الثوار بعد أن تم فض المواكب السلمية بالقوة من قبل الشرطة ما خلف عدداً كبيراً من الإصابات بلغت “19” حالة بينها إصابة بالرصاص الحي في البطن، وإصابات أخرى للشباب الثائر وقوبل العنف بعنف مُضاد ولحقت الإصابات صفوف أفراد الشرطة المُدججين بالهراوات.
شرخ
تداعيات مليونية “رد الجميل” خلقت واقعاً مؤسفاً أعادت المواجهة بين حكومة “الثورة” وثوارها وعمقت الشرخ الموجود أصلاً في جدار الثقة بين الشارع والحكومة الانتقالية التي يمثل أضلاعها المدنيون والعسكريون.
ومن ثم تعالت الأصوات المُنادية بإقالة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة، ومدير عام شرطة ولاية الخرطوم، وسارع تجمع المهنيين السودانيين إلى التنديد وإدانة ما لحق بالثوار من عنف مُفرط، واعتبر أن ما حدث سقطة كبيرة قال إنها تكشف عن استمرار توجه قيادات الشرطة وعملها بذات عقيدة النظام البائد، وميل السلطة “القائمة” لمصادرة حق التعبير بالطرق الوحشية، وأشار إلى أنها ممارسات تشبه الحملات الانتقامية، وقال إنه تم التلويح بها مسبقاً في تصريحات عديدة من عناصر في المجلس السيادي ومجلس الوزراء تحت دعاوى تنظيم التظاهر.
وأعلن تجمع المهنيين وقوفه إلى صفوف الثوار ونوه إلى أنهم أوصلوا هذه الحكومة الانتقالية لمقاعدها، ويستطيعون اقتلاعها كما اقتلعوا نظام البشير، وطالب التجمع مجلس الوزراء المدني بالتدخل الآن وفوراً لوقف ممارسات جهاز الشرطة ووصفها بالقمعية ضد الثوار.
مطالب
خرجت المواكب الهادرة تحت عنوان (مليونية تتويج الأبطال) و(رد الجميل) لرفض إحالة الملازم أول محمد صديق وعدد من الضباط إلى التقاعد، واتجهت الجموع إلى القصر الجمهوري، وردد المحتجون هتافات (معليش معليش.. شرفاء الجيش) ورفعوا شعار (الرهيفة التنقد)، ومن ثم عادت المتاريس أمام الحركة في عدد من الشوارع وتجددت ظاهرة الانتشار الكثيف لقوات الشرطة وتمددت الأسلاك الشائكة في بعض الطرقات، منعا لدخولها أو المرور عبرها، إلى أن تم فض المليونية بالقوة ووقوع عدد من الإصابات وسط الثوار، ما خلق حالة من الغبن أدت إلى ارتفاع عدد من أصوات الشباب بالتصعيد، وتحولت صفحة تجمع “المهنيين السودانيين” على “فيس بوك” إلى بركان يغلي بالتصعيد ودعا الشاب “هاني عثمان” التجمع إلى الرجوع إلى حضن الشارع والضغط على الحكومة وقال “أتمنى أن ترجعوا لأرض الواقع وحضن الشارع حتى لا تتسع الفجوة بينا وبينكم أكتر مما هي عليه” وأشار إلى أن الحماس لمنشورات تجمع المهنيين تراجع قُبيل أن يصف بياناته الحالية بالهزيلة، واختتم تعليقه بــ : “أرجعوا للثورة”.
مفارقة
على عكس الآراء الغالبة التى حمّلت الشرطة مسؤولية ما حدث من إصابات ومواجهة موكب مليونية “رد الجميل” بالقوة المُفرطة، يرى أحمد محمد آدم بلال، أن أخطاء مواكب أمس الأول كثيرة وتتحمل قوى الحرية والتغيير مسؤوليتها، وشدد على أن قوى الحرية والتغيير كان ينبغي عليها أن تُنسق مع الحكومة والجهات المعنية قبل خروج الموكب حتى يلتزم جميع الأطراف بالمحافظة على المواكب ، مع إلتزام الثوار بمسارات محددة ومطالب واضحة والابتعاد عن حرق الإطارات وقفل الطرق، وتلتزم الشرطة أيضاً بحماية الثوار والبعد عن العنف، وأضاف : “يجب أن نفرق ما بين المظاهرات في العهد الدكتاتوري ومظاهرات التحول الديمقراطي”.
النيابة
علقت النيابة على تداعيات موكب “رد الجميل” وأكدت على حق الجماهير فى التعبير السلمى وفق ما ورد فى وثيقة الحقوق الأساسية ونوهت إلى أن الوثيقة تضمنت الإشاره بوضوح إلى العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتى صادق عليها السودان، وشددت النيابة في بيان صحفي أمس تحصلت “الصيحة” على نسخة منه، على أنه فى حالة تعارض أي نص قانونى مع ما هو وارد فى الوثيقة الدستوريه تسرى أحكامها إلى المدى الذى يزيل ذلك التعارض، وأكدت النيابة أن الوثيقه الدستورية ألزمت جميع أجهزة الدولة بالالتزام بما ورد فيها من أحكام.
وأعلن البيان أن النائب العام أصدر تعميماً وجه فيه جميع النيابات بمراعاة الحقوق الأساسيه ومصاحبة قوات الشرطة فى أي تظاهرات وحماية الحقوق الأساسية وحق التظاهر السلمى ومنع استخدام القوة المفرطة في فض المواكب.