* المواكِب من التعابير السياسية المشروعة، وهي ليست مصدر توجُّس أو إزعاج ما لم تَحِدْ عن أهداف الثورة الواضحة (الحرية والسلام والعدالة).. ورغم الوضع الاقتصادي الذي بات يُرهق الشعب الصابر، فإن الوضعَ السياسيَّ في بلادنا بخير، ويُبشّر بغدٍ أجمل لو (صبرنا وأنتجنا).. وما يحدُث – من شد وجذب – بين بعض القِوى السياسية والحكومة، أو بين مكونات الحكومة، ظاهرة صحية و(دليل عافية)..!!
* إنها الديمقراطية، وهي لا تعني أن يبقى الشعبُ قابعاً كالأنعام في (حظيرة الوطن)، ولا تعني أن يكون المواطن في حالات السكون والجمود أو أن يبصُم – بالعشرة – على كل القرارات الصادِرة عن أجهزة الدولة التنفيذية، أو كما كان يفعل تحت لظى النظام المخلوع.. لقد مضى عهدُ الإجماع السكوتي إلى مزبلة التاريخ ومقبرته، وما عاد الشعبُ يخضع لكل قرارات الحكومة بالسمع والطاعة.!!
* المواكب المليونية، طالما هي سِلمية ومُنظّمة وذات أهدافٍ ومطالب مشروعة، فهي بعضُ ملامحِ الدولة المدنية المُرتجاة، وعلى الشرطة حمايتها بدلاً عن ضربها بالهراوات والغاز المسيل للدموع.. وكما تعلمون، فهي دولة تختلف عن نقيضتها تلك – كشفنا سرها واستسغْنا مرّها – بتسابُق الرأي والرأي الآخر في مضمار العمل العام بوضوح وبكل الوسائل المشروعة، وليس في هذا السباق الشريف ما يُزعِج.. !!
* وكل المطلوب هو التزام الأطراف السياسية بقواعد السباق الشريف.. ثم تقوية المؤسسية على مستوى الدولة، بحيث لا يكون أن تُحكَم الدولة بقوانين (بيوت العزابة).. من قوانين (بيوت العزابة)، أول من يستيقظ يقوم بتجهيز الشاي وكنس الحوش وغسيل العدة وإحضار الرغيف والفول و(توضيب الفتة)، ثم يجمع المبلغ من رفاقه ويذهب إلى السوق ويُجهّز (حلة الغداء)، أي يصبح هو سيد البيت..!!
* إدارة الدولةُ تختلِف عن إدارة (بيوت العزابة)، بحيث يجب أن يكون العمل جماعياً.. ولا يكون العمل جماعياً ما لم يكن مُؤسّسياً.. والمفقود حالياً هو العمل المؤسسي.. وكما نُطالب الشرطة بحماية المسيرات، نُطالب أيضاً أن تكون المسيرات مُنظّمة، بحيث يعرف الشعبُ والسُلطات (الجهة المُنظِّمة)، وتُحدّد الشرطة مساراتها وتوقيتها.. كما لك حق التعبير بالتظاهُرة، فلغيرك حق السير في الطّرُق الآمنة بلا متاريس.. المؤسسية هي التي تنهض بالشعوب، وليست الانفعالات الثورية..!!
* وما لم تحِل المؤسسية – محل الانفعالات الثورية – في الحواضن السياسية لحكومة حمدوك، فلن تنجح هذه الحكومة في إصلاح ما أفسده النظام المخلوع.. ولغياب روح المؤسسية في التحالف الحاكم (قوى الحرية)، فإن حال الدولة اليوم كحال (بيوت العزابة)، بحيث من يصحو باكراً يحشد الشباب ويخرًج بهم في مواكب.. وعلى سبيل المثال، مواكب الخميس الفائت، من يقف وراءها؟، وأخرجَها ضد مَن؟، وماذا يرُيد بها؟.. لم تكن الإجابات واضحة قبل خروج المواكب، ولم يُعلِن عنها أي مُكوّن من مُكوّنات قوى الحرية، ولكن تبنّتها واحتفت بها كل المُكوّنات بعد خروجها إلى الشوارع..!!
* لم يُعلن تجمّع المهنيين عن هذه المواكب، ولكن دعمها بعد الخروج.. وكذلك لم تُعلِن عنها قوى الحرية، ومع ذلك احتفت بها- لحدِّ التبنِّي – بعد النجاح.. نخشى أن تصبح المواكِب في بلادنا كما العمليات الاستشهادية في بلاد العرب، يصمُت عنها الجميع وينكرونها (إذا فشلت)، ويتبنّونها جميعاً ويحتفون بها (إذا نجحت).. المهم .. ثمة نصيحة لمن يُضعفون حكومتهم المدنية ويُربِكونها بالمزايدات السياسية والانفعالات الثورية، مفادها بالنص: خيرٌ لكم أن تحموا هذه المرحلة الحسّاسة بالحِكمة السياسية ومناخ الإنتاج، وليس بمناخ الانقلاب..!!