حكايا سودانية
اعداد : عوض عدلان _ صفاء الفحل
الطيب شاب سوداني يحول التبلدي والدوم إلى مربة
داخل منزله بمنطقة الثورة، يقوم الطيب عبد الرحمن بتصنيع أنواع مختلفة من المربة يعتمد فيها تماماً على المنتجات المحلية السودانية من الدوم والتبلدي والقضيم والعديد من المنتجات السودانية الخالصة في انتظار من يأخذ بيده لتطوير هذا العمل الفردي ليأخذ موقعه بين المنتجات المحلية السودانية الخالصة.
يقول إن هذه المنتجات تمتاز بأنها طبيعية وخالية من المواد الحافظة والألوان ومكسبات الطعم والرائحة والنكهات بالإضافة إلى فوائدها الصحية العالية، ولكن عندما تنتج تجارياً لابد من إضافة مادة حافظة لظروف التخزين المختلفة ولمدة أطول ولكنها مجازة لمرضى حساسية القمح وهي خالية من الجلوتين وتمتلك شهادة تثبت ذلك من مركز بحوث الأغذية.
ويواصل بأنه يقوم بالتصنيع داخل المنزل وبراعي فيها الجانب الصحي وعوامل الجودة والسلامة، وهي مطابقة للشروط القياسية لتصنيع المربات، ويتم العمل بدون ماكينات حالياً، ولكنه يحلم بأن يتمكن من إنتاج كميات تجارية تساهم في التصدير للخارج ليعرف الغالم هذه المنتجات السودانية الخالصة وتستفيد البلاد من عائد الصادر وأن يتوفر في المحلات التجارية وسوبر ماركت ويدخل كل منزل سوداني.
ويقول غن طرح المنتج حالياً كعمل تجاري غير مجدٍ مادياً فالسعر غالٍ نوعاً ما، فهو يشتري مدخلات الإنتاج بالقطاعي من الأسواق، ولكن إذا ما تطور الأمر الى التصنيع بكميات كبيرة فإن هذه المنتجات يمكن أن تأتي من مناطق الإنتاج وهي متوفرة جداً في بعض المناطق بالبلاد، وبأسعار زهيدة وسيقلل الأمر من سعر التكلفة، ويصبح بالتالي مناسباً وأن أكثر المتعاملين معه اليوم من خارج السودان بصورة فردية لا تجارية، ولكنه يحلم بتوسيع العمل مستقبلاً كما يمكن استخلاص زيوت مفيدة للشعر والبشرة أفضل من الكثير من المنتجات العالمية، إذا ما تحول الأمر إلى التصنيع.
وتمنى الطيب عبد الرحمن الذي ترك وظيفته بالدولة وتفرغ لإجراء بحوث حول إمكانية الاستفادة من المنتجات المحلية أن تنتبه الدولة لمثل هذه المنتجات للاستفادة من الموارد المحلية المتوفرة، وهو يفكر في التعاقد مع مصنع لزيادة الكميات وتوسيع رقعة العمل من خلال مصنع متخصص في مثل هذه المنتجات إن شاء الله.
/////////////////////////////////////////
ليت أيام الصفاء تعود
بعض الأحداث تبقى محفورة في الذاكرة لما تحمله من معاني الحب والاخاء الصادق، وقد مرت من خلال حياتي المهنية أحداث لا يمكن نسيانها رغم أنني أحياناً لم أكن جزءاً منها لكنها كانت تعني بالنسبة لنا عبرة ودروساً لمدى التسامح وجميل التعامل بلا حقد أو غضب في ذلك الزمان, تعودنا في نهاية الثمانينات، ونحن نلتمس خطانا في صحيفة (صوت الشارع) التي أسسها الأستاذ المرحوم حسن عز الدين بشراكة مع الأستاذ محمد أحمد دسوقي أطال الله عمره، أن نتناول وجبة الإفطار خلال شهر رمضان المعظم كل يوم في منزل أحد الزملاء في برنامج معروف طوال الثلاثين يوماً ليكون ذلك منبراً للترويح ومزيداً من التعاضد والتماسك.
كان ذلك اليوم هو اليوم المخصص للأستاذ دسوقي بمنزل أسرته بالموردة، تناولنا وجبة الإفطار، ونحن نتبادل القفشات ونعيد شريط اللحظات الضاحكة في مشوار اليوم، وبعد الانتهاء وقبل المغادرة، تناول الأستاذ طلحة الشفيع أطال الله عمره كرسياً وجلس خلف الحائط الفاصل بين مجلسنا وأسرة الدسوقي، وبدأ يتحدث بصوت عالٍ موجهاً حديثه للمضيف.. لو قلته لينا ماعندك سكر كنا جبنا معنا سكرنا بدل مانشرب المويه مسيخة .. بعدين دي عصيدة شنو المسيخه دي .. وملاح ماينبلع .. ولم يتوقف عن لوم صديقه الحميم حتى لحظة مغادرتنا ودسوقي لا يرد حتى بكلمة واحدة، بل يبتسم فقط .
تمضي أيام الشهر الفضيل ليأتي اليوم المخصص للأستاذ طلحة الشفيع وينتهز الأستاذ دسوقي الفرصة بإعلان بالصحيفة (اليوم مهرجان المأكولات والمشويات بمنزل الزميل طلحة الشفيع)، ويقدم الدعوة عامة لكل الصحفيين ويستأجر حافلتين لنقل المشاركين بالإضافة للعربات الخاصة, وما أن تصل العربات إلى مدخل الحاج يوسف حتى وضع طلحة الشفيع يده على رأسه ويصيح (الله ينعلك يا دسوقي جبت لي السودان كلو أنا عازم الصحفيين مش القراء)، ولكن فزعة أهل السودان أنقذته فقد تحرك كل سكان الحي معه في خدمة الضيوف, ورغم أن الأمر قد انتهى بسلام بعد الذبائح وألواح الثلج، إلا أن الأستاذ دسوقي رد له الصاع صاعين وحمل كرسيه وجلس على مدخل المنزل وهو يصيح (لو مابتقدرو علي العزومه عازمين الناس ليه) ودا أكل شنو المقصر دا وسط الضحكات والتعليقات.
في صباح اليوم التالي جلس الأستاذان يسترجعان شريط الأحداث وهم يضحكان في روح طيبة دون أحقاد أو ضغائن. وهكذا كانت الروح الطيبة تسود الجميع.. وليت أيام الصفاء تعود.
//////////////////////////////////////////
عصب الشارع
صفاء الفحل
ما بين الحلال والحرام شعرة..
أمر مخيف بالنسبة للفتيات ما قالته لي موظفة بإحصاء مستشفى الدايات بأم درمان بأن نسبة ولادة الذكور للإناث اثنين إلى عشرة، فمقابل ولادة عشر من الفتيات تتم ولادة اثنين فقط من الذكور، ويبدو أن هذه الإحصائية دفعت بعض الأسر لسرعة التخلص من بناتها حتى تحولت جلسات التعارف إلى (عقد قران) عديل كده بين خجل أهل العريس وتسرع أهل البنت, نعم الزواج بصورة عامة يعتمد على إرضاءات متعددة أولها الرضا والقبول لإرضاء النفس أو (اختيار شريك الحياة)، ثم المهر لإرضاء العروس وأهلها كأمر شرعي ملزم, ثم عقد النكاح الديني الشرعي لإرضاء الرب, وأخيراً الاحتفالات والولائم (الدخلة) كإشهار ولإرضاء الناس أو المجتمع كمرحلة أخيرة.
هذه الإرضاءت قد تأتي حسب المقدرة المالية والظروف المحيطة على دفعات فيتم دفع المهر وإكمال عقد القران وتأجيل عملية العزومة أو الاحتفال أو الدخلة أو الإشهار كما يقول الدين إلي وقت آخر, وغالباً يكون الانتظار إلى حين تحسن الأحوال المادية للعريس أو لظروف أخرى مرتبطة بعمل الزوج خارج الوطن أو خلافه.
ولكن، فإن الفترة ما بين عقد القران والدخلة من الفترات الحساسة في حياة كل فتاة، ففي هذه الفترة تكون محللة لزوجها (دينياً) محرمة عليه (اجتماعياً)، في بلد يسود فيه العرف دائماً ويكون أقوى من الدين أحياناً, هذه الفترة تخللتها حكايات لفتيات وأسر ومشاكل كان حسن النوايا فيها هو السائد غالبا لهروب الزوج قبل اكتمال المرحلة الأخيرة والهامة اجتماعياً, وقد تكون الفتاة قد استسلمت لزوجها (شرعاً) خلال هذه الفترة, وقد يهرب هذا الزوج ويترك زوجته المفترضة تواجه مصيرها وحدها وهي (حبلى) ليكون الطفل الوليد محللاً شرعاً محرماً اجتماعياً.
مواقف صعبة عاشتها فتيات وأسر شهيرة، بسبب ذلك الأأمر وصلت أحياناً إلى القتل والنفي والانتحار من بعض ضعاف النفوس أو الفضيحة على أقل تقدير ..
ويظل ما بين الحلال والحرام في الزواج شعرة, لا تشدوها حتي تنقطع ولا ترخوها حتي لا يقع الفأس في الرأس, واحذروا في اختيار الزوج لبناتكم ولا ترموهن خوف العنوسة فمصير التسرع قد يكون أنكى وأمر.
/////////////////////////////////////////////////
هذه حكايتي
وضاع شرفي في سبيل أحلامي
لا تتصورو أبداً بأنني بذلك السوء، ولكن الظروف هي التي وضعتني في هذا الموقف.. فأنا أحب التعليم جداً رغم ظروف أسرتي الصعبة، وعندما تم قبولي بإحدى الجامعات الكبيرة بالعاصمة بعد حصولي على مجموع ممتاز في امتحانات الشهادة السودانية، كانت سعادتي لا توصف رغم أنني كنت أعلم بأن سعادتي لن تكتمل لظروف أسرتي التي كنت أعرفها فلم يكن باستطاعة والدي العامل البسيط الصرف على تعليمي الجامعي، بالإضافة إلى تحمله أعباء الصرف على إخوتي.
ولكنه وافق علي مضض بعد توسلاتي ودموعي ووعدي بأنني سأبحث عن عمل أثناء فترة الدراسة حتى أتحمل جزءاً من مسئولية تعليمي وسأحاول عدم تحميله ما لا طاقة له به خاصة أنني سأكون في داخلية للطالبات على مسئولية الدولة. ولا يمكن أن أصف لكم شعوري، وهو يوافق بعد تردد طويل وعن لحظات وصولي العاصمة والتحاقي بالداخلية، وأنا أحلم بأبواب الحياة التي فتحت ذراعيها لي والمستقبل الكبير الذي ينتظرني عند تخرجي ، وقد قررت بيني ونفسي أن أكافح وأعمل بكل طاقتي لتحقيق هذا الحلم الصعب.
ولكن لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، فقد كانت المصاريف التي يرسلها والدي لا تكفي لأسبوع واحد، رغم أنني أتناول وجبتين فقط خلال اليوم، وأتنازل عن كل شيء حتى صرت هزيلة، وقل تركيزي وأنا أشاهد زميلاتي في السكن يأكلن أشهى المأكولات وتشتري كل واحدة ما تريد وعندما أطلب منهن شيئاً يكون ردهن هي أخرجي معنا فأرفض حتى تغير الأمر تماماً.
في ذلك اليوم، كنت لم أذق طعم الأكل، فخرجت من الداخلية وفي الطريق سقطت من الإعياء ولم أفق إلا داخل المستشفى وبجواري ذلك الرجل كنتُ لا أعرفه فعرفني بنفسه وبدأ يسألني لماذا لم أتناول الطعام منذ فترة، ولم يكن أمامي إلا أن أقص عليه كامل حكايتي، فتعهد بأن يتكفل بكل مصاريفي حتى التخرج، وللحقيقة فقد كان كريمًا معي يمر يومياً وأخرج معه لتناول الطعام ويعطيني بعض المصاريف لليوم التالي، استمر الحال لفترة طويلة دون أن يطلب شيئاً، لذلك عندما طلب مني أن نقضي الليل معاً في منزل صديق له لم أستطع أن أرفض .. وحدث ما حدث وصرت عشيقته بمرور الأيام.
ولكنه اختفى فجأة دون سابق إنذار وبحثت عنه طويلاً دون جدوى، ولم أستطع العودة إلى حياة الفقر مرة أخرى، وصرت أخرج مع بعض صديقاتي في السكن..
جاء أبي بعد أن قرر تزويجي لابن أخيه لإعادتي إلى قريتنا، ورفض أن أكمل دراستي التي ضحيت من أجلها حتى بأعز ما أملك… ولا أدري هل أعود معه وأضحي بأحلامي وحتى ولو تم ذلك كيف يمكنني مواحهة ابن عمي لو أنه اكتشف كل شيء، صدقاً أنا لا أدري ماذا أفعل…؟
///////////////////////////////
الأناشيد الوطنية تخليد لذكرى الثورات
تعتبر ثورة أكتوبر المجيدة التي قادها الشعب السوداني ضد حكم الفريق إبراهيم عبود من أكثر الثورات السودانية التي نالت حظها من التخليد من خلال القصاىد والأناشيد الوطنية حيث تسابق غالبية الفنانين والمبدعين من الشعراء في التغني لها وتخليدها. حيث قدم الفنان محمد الأمين والمجموعة من كلمات المبدع هاشم صديق أجمل وسام لهذا التخليد من خلال (الملحمة) أو قصة ثورة، كما يحلو للبعض تسميتها كأكبر عمل أوبريتي على مستوى الوطن العربي، وربما العالم يخلد ويحكي قصة ثورة عظيمة انتزع من خلالها الشعب الحكم من براثن الحكم العسكري
لما الليل الظالم طول
فجر النور من عينه تحول
قلنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا القلعو الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي
وبالإضافة إلى الملحمة، قدم محمد الأمين العديد من الروائع الأخرى (أكتوبر واحد وعشرين)
يا ثائر فجر بركانك
حرر سلاحك إيمانك
من وهج الطلقة النارية
أشعل نيران الحرية
وغيرها، كما قدم فنان أفريقيا الأول المبدع الراحل محمد وردي
أصبح الصبح
ولا السجن ولا السجان باقي
وإذا الفجر الذي أغرق هاتيك المآقي
والذي شد وثاقاً لوثاقي
والذي بعثرنا في وادي
والكثير من الإبداعات الأخرى في وصف تلك الثورة العظيمة، وكان الأكثر إنتاجاً في تخليدها، كما قدم المبدع أبوعركي البخيت وعثمان مصطفى وصلاح مصطفى وزكي عبد الكريم وغيرهم العديد من الأناشيد التي أظهرت روح الثورة الإبداعية ومازالت خالدة في ذاكرة الأمة.
يعد الانقلاب الذي قاده جعفر نميري في مايو من العام 1969 حاول النميري التغطية على إبداعات ثورة أكتوبر بإجبار الفنانين والشعراء لتمجيد مايو والتغني لها من خلال الإغراء أحياناً والتهديد أحياناً أخرى، وبرزت بعض الأناشيد التي تمجد الانقلاب المايوي خاصة في سنوات الانقلاب الأولى ومحاولة مزج ذلك بالروح الوطنية مع بروز الثنائي الوطني، وكان الفنان الراحل سيد خليفة الأبراز في تمجيد مايو وجعفر النميري في شخصه وقدمه كالقائد الملهم
نقولة نعم .. وألف نعم
ليك يا القائد الملهم
نقوله من الضمير والفم
نقولة نعم عشان أولادنا تتعلم
إلا أن ثورة أبريل التي اقتلعت جذور ذلك النظام المايوي الدكتاتوري، لم تجد حظها من تمجيد الأناشيد الوطنية لها، إلا قليلاً ولا يرقى إلى ما وجدته ثورة أكتوبر ولا حتى الانقلاب المايوي حتى، حيث ظهرت بعض الإبداعات القليلة التي تمجد تلك الثورة مع عظمتها، وربما كانت الفترة الزمنية التي عاشتها هي السبب في ذلك.
ولما لم يجد الانقلاب الإنقاذي من يمجده من خلال الأناشيد الوطنية الصادقة سوى بعض المغمورين والذين سرعان ما توقفوا عندما لم يجدوا آذاناً صاغية، ومن خلال ما حاولت الإنقاذ إعلان أسلمتها في محاولة السيطرة الروحية على البسطاء واستخدام الأناشيد لغسل العقول وتحولت إلى مجال المدائح والتمجيد الديني، فظهرت بعض الفرق والجماعات وتحولت الكثير من كلمات وألحان الأغاني القديمة إلى كلمات هي أبعد من الدين وأقرب للتراتيل في عقم واضح للتجديد والإبداع.
ومن المؤسف أنه خلال الفترة الماضية من عمر ثورة سبتمبر المجيدة لم يقدم الشعراء والمبدعون ما يخلد هذه الذكرى العظيمة من خلال الأناشيد، الأمر الذي فتح المجال أمام بعض الأعمال الهابطة لتحتل واجهة المد الثوري بعيداً عن الإبداع الحقيقي، بالرغم من جود العديد من القصائد القوية والمعبرة التي يتغنى بها الثوار دون أن تجد حظها من الألحان إلا القليل، وربما يعود ذلك لانزواء الفنانين المخضرمين وعدم بروز مبدعين وطنيين جدد حتى الآن.. فهل ستعود الأناشيد الوطنية إلى مكانتها في إلهام الشعب خلال الفترة القادمة.