تقرير: حسن أدروب
آخر عهدي بميناء سواكن يعود لسنة 2018م، حين ذهبنا في نوفمبر من ذلك العام لتغطية الزيارة التي قام بها وفد تركي رفيع بقيادة وزير الدفاع التركي، وذلك للوقوف على سير العمل في إعادة تأهيل وصيانة جزيرة سواكن وترميمها بما يعيد للمدينة التاريخية سيرتها الأولى، ويجعل لها دوراً أساسياً في الجذب السياحي من داخل وخارج السودان.
تلك كانت الزيارة الأخيرة لكاتب هذه السطور، وقد مرت بخاطري حين سمعت بالأمس الأول نبأ الاحتجاجات التي قام بها عمال اليوميات بميناء سواكن، وذلك للتعبير عن معاناتهم بسبب القرار الذي أصدرته الهيئة العامة للجمارك والقاضي بتحويل الحاويات والطرود التي ترد إلى الميناء العتيق لتتم إجراءات تخليصها وتفتيشها بمنطقة سوبا بولاية الخرطوم..
مسببات القرار
يقول الدكتور عثمان فقراي وهو خبير في الأمن البحري، إن إدارة الجمارك أبلغتهم بأن قرار نقل الحاويات ليتم تفتيشها بمنطقة سوبا مرده اتساع دائرة المخدرات وللحد من هذه الظاهرة تم نقل الحاويات التي ترد إلى ميناء سواكن ليجري تفتيشها بسوبا, ثم أصدرت الجمارك بالأمس الأول قراراً آخر حول الطرود التي ترد إلى الميناء ليتم تفتيشها في منطقة سوبا..
احتجاج مبرر
عن احتجاج العمال، يقول الدكتور عثمان فقراي، إنه احتجاج مبرر، بالنظر إلى تجفيف الميناء من أي نفع يعود لهذه الفئة من شريحة العمال، لأنهم يعتمدون في معاشهم اليومي على العمل في الميناء “رزق اليوم باليوم”، وذلك من خلال إنزال الطرود التي تأتي بصحبة راكب أو بدونه، ثم توصيلها إلى خارج الميناء نظير أجر زهيد، أضف إلى ذلك أن ميناء سواكن مخصص فقط لاستقبال السيارات والطرود التي يطلقون عليها اسم “الطبالي” والأولى – أي السيارات – لا تعود على عمال اليوميات بأي فائدة، حيث يتم إنزالها من البواخر في حوش مخصص لتخليصها من إدارة الميناء، أما “الطبالي” أو الطرود فهذه هي التي يهتم بها العمال من خلال العمل اليومي في الميناء، لذلك نرى أن احتجاجهم مبرر وغضبهم مشروع إزاء تجفيف الميناء من أي نفع يعود للناس الذين ارتبطت حياتهم بالبحر..
حكومة الولاية
هذا الأسبوع كانت مدينة سواكن محط اهتمام كبير من قبل الآلة الإعلامية نتيجة للمخاوف التي تسبب فيها احتجاج العمال بميناء سواكن وشروعهم في إغلاق الطريق المؤدي إلى الميناء العتيق مما جعل والي ولاية البحر الأحمر اللواء ركن حافظ التاج مكي وأعضاء حكومته يسارعون لإحتواء الأزمة، حيث عقد الوالي اجتماعاً عاجلاً بعمدة مدينة سواكن ولجنة مصغرة من العمال، وذلك للوصول إلى حل للأزمة يرضي العمال ويحقق الاستقرار المنشود لإنسان الولاية.
لست وحدك!
أما أبناء الشرق بالعاصمة القومية وقياداتهم، فقد كانوا يتابعون تداعيات الأزمة عن كثب لمعرفتهم بأن قضية نقل الحاويات والطرود من ميناء “سواكن” إلى منطقة “سوبا” ليست في يد الوالي وحده، بل هي من آثار القرار الذي أصدرته الهيئة العامة للجمارك، لذلك بادر أبناء الشرق بالخرطوم بإجراء الاتصالات اللازمة بجميع الأطراف ذات الصلة بالأزمة.. وعن هذه المبادرة يقول الدكتور عثمان فقراي: اجتمعنا بإدارة الجمارك، فنحن نتفهم أن قرارها يأتي في سياق إحكام القبضة على عملية تهريب المخدرات، مما قضى بترحيل كل الحاويات إلى منطقة “سوبا” ليتم تفتيشها هنا بعيداً عن ميناء “سواكن” مما حرم عمال اليوميات من ممارسة أي عمل في هذا الجانب. ثم أصدرت الجمارك قراراً آخر حول الطرود المسماة “طبالي” ليتم تفتيشها أيضاً في “سوبا”، وهو القرار الذي تسبب في “ربكة” كبيرة في أوساط شريحة العمال، فتحرك اللواء ركن حافظ التاج في إطار مسئولياته على مستوى الولاية، وجلس مع عمدة سواكن ولجنة مصغرة من العمال للخروج برؤية لمعالجة الأزمة، فقلنا له لست وحدك ولدعم جهوده الولائية قمنا بمقابلة مدير الجمارك..
حل عاجل للأزمة
يقول الدكتور عثمان فقراي، إن جهودهم لحل الأزمة، تكللت بالنجاح نتيجة للروح التي سادت اللقاء الذي جمعهم بقيادة هيئة الجمارك، حيث تقرر منح عمال اليوميات خمسة وأربعين يوماً يمارسون فيها عملهم المعتاد في ميناء سواكن، على أن ينتظموا في اتحاد يلتزم بالمحافظة على وحدة العمال بما يعين على إخراج اللصوص الذين ينتهزون العشوائية التي تسود في أوساط العمال حين يكونوا خارج إطار المؤسسية التي تحفظ لهم حقوقهم وتحفظ لهيئة الجمارك حقها في الإشراف على الطرود والمحافظة عليها في أمان ريثما يتم تسليمها لمستحقيها.
خلاصة الموضوع
انتهت الأزمة عبر حل، ولكنه مؤقت، فلماذا لا نبحث عن حل جذري وناجع لهذه الشريحة من العمال التي تجابد في مشاق الحياة من أجل البقاء والحصول على المعاش اليومي الذي شاءت إرادة الله أن يكون في البحر، لذلك نأمل أن تقوم الجهات المكلفة بمكافحة تهريب المخدرات بمهامها وتنفيذ القانون وضبط المخالفات دون أن يضار أحد من العمال، فقد أضر نقل الحاويات إلى “سوبا” بعمال الشحن والتفريغ أيما ضرر، وجاء قرار نقل الطرود ليزيد الطين بلة، وليس له مثيل في كل الدول الملتزمة باتفاق “بروكسل” الذي يُلزم الموقعين عليه بتسليم الحاويات “من الباب إلى الباب” والباب المقصود هنا هو ميناء الوصول وسوبا ليست بميناء..!!