تقرير: نيازي أبوعلي
على نحو غير معتاد، شوهدت بعض القيادات السياسية ورؤساء لجان رسمية حكومية أو مختصة، وهم يمارسون انفعالات بصورة أدهشت الكثير من المتابعين، وتجد هذه الانفعالات طريقها للانتشار والتداول بصورة كبيرة عبر القنوات المعروفة ووسائط الاتصال المتداولة. بينما لم يُبدِ أي من هؤلاء “المنفعلين” أية اعتذارات.
وقريباً تداول نشطاء، انفعالات لبعض المسؤولين على نحو واسع، ولكن أشهرهم هو تفاعل النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه عند انفصال الجنوب وقوله المشهور بـ(اضرب لتقتل) وما أعقبه من بكاء وذرف إبراهيم غندور للدموع، بيد أن صُراخ رئيس لجنة تقصي الحقائق نبيل أديب في وجه إحدى الفتيات، كان هو اللافت للأنظار، ودفعنا هذا لطرق هذه القضية العابرة، لمعرفة أسباب ودواعي هذه الانفعالات التي تخرج من أشخاص نحسبهم غير عاديين في الوقت الذي يرى فيه بعض المراقبين ضرورة توفر ميزات وشروط معينة لمن يتولون شأناً عاماً ومقدرة تمكنهم من امتصاص المواقف الصعبة وتخرجهم من الحرج، وهل تلك الانفعالات عادية أم إن السياسي والشخص العام ينبغي أن يكون متحلياً بصفات مختلفة عن الأشخاص العاديين، وما هي صحته النفسية، وهو يرتكب مثل تلك الانفعالات التي تخرجه من كونه شخصية (سوبرمان) وتحوّله إلى شخص أكثر من عادي في نظر من يُبدي أمامهم تلك الانفعالات؟ أم إن الأمر بناء للتحليل النفسي أمر عادي لا يستحق كل هذه الوقفات؟
غير مؤهلين
أستاذ الطب النفسي البروفيسور علي بلدو قال لـ(الصيحة)، إن معظم رؤساء اللجان والسياسيين في السودان في العصر الحالي والمنصرم غير مؤهلين نفسياً واجتماعيا لقيادة دفة الأمور، والتحكم في الانفعالات من ناحية عدم وجود التأهيل الكافي، وكذلك عدم الإلمام بالثقافة المحلية، وثقافة المجتمع وطبيعة وذهنية المتلقي أياً كان سواء في المجلس أو اللجنة أو في الشارع العام أو اجتماعات رسمية مما يؤثر سلباً على ظهوره الإعلامي، وعلى مستوى الخطاب لديهم، وأضاف: يمكن أن نصفه بخطاب غير مطابق للمواصفات المعروفة. وأوضح بلدو أن الانفعالات الكثيرة التي تبرز هنا وهناك من هؤلاء القادة ورؤساء اللجان، وعدم التحكم في العبارات والإخفاق في لغة الجسد، وعدم التناغم اللحظي والخطي ما بين الرؤية والكلمة والتواصل مع الآخرين، تعبر بصورة واضحة عن العجز البائن في المقدرات، وكذلك عدم القدرة على كبح جماح الانفعالات والغضب والتوتر، وتبرز بصورة كبيرة أن السياسي السوداني ورئيس اللجنة والزعيم وأياً كان، لديه قابلية عالية للإيحاء، ويمكن بسهولة جداً استدراجه إلى تعبير مستفز أو إلى انفعال أمام الإعلام والكاميرات عن طريق سؤال أو تلميح أو تعليق، وبالتالي يشكلون تربة خصبة ومادة دسمة للإعلانات، وتكون مثل هذه الكلمات الانفعالية والانفعالات مادة تاريخية تحفظ في السجل الأسود لهذا السياسي أو المسؤول.
آلة تعويضية
وحول صفات ومواصفات هؤلاء السياسيين والمنفعلين، يرى بلدو أن هذه الشخصيات من رؤساء اللجان تنقصهم بصورة خاصة القدرة على استيعاب الواقع وما يسمى بمهارة الثبات والتدفق العصبي والإخفاق في مواد البرمجة العصبية اللغوية مما يؤدي إلى محاولة التغطية على كل هذه الأمور بمثل هذه الكلمات وضعف المردود وانعدام الرؤية لدي الكثيرين، حيث يكون الانفعال والغضب والصراخ ودق الترابيز والتآمر والخروج من الاجتماعات غاضباً وإغلاق الهاتف وما شابه ذلك بمثابة آليات تعويضية نفسية لتغطية مركب النقص الذي يعاني منه معظم القادة السودانيين دون فرز.
ضغوط سياسية
وحول تأثيرات تسارُع الأحداث اليومية وتأثيراتها على من يتولون مهام خاصة وعامة، يرى بلدو أن هذه الانفعالات والتوترات والاشتباكات اللفظية والبدنية والهاتفية والإسفيرية هي في سبيلها للتصاعد في الواقع الحالي نتيجة لتوفر البيئة المناسبة من الضغوط السياسية والاقتصادية المختلفة، وأن معظم الأشخاص يعبرون عن حالة عدم التوازن النفسي والمشاكل الشخصية وعدم الفصل بين العام والخاص، وبالتالي تكون أعمال السياسيين ورؤساء اللجان بمثابة “شمطات” ليس إلا، ما لم يتم تأهيلهم نفسياً وإعطاؤهم أسس التحكم في لحظة الغضب، والتي أظن أنها تمتد لتشمل كافة أفراد المجتمع.
استفزاز المواقف
فيما قال المحلل السياسي د. الفاتح عثمان محجوب لـ(الصيحة)، إن السياسيين كبشر يعتبرون أكثر عرضة للانفعالات، وذلك نتيجة للوقوع في المواقف المستفزة أو التي تكون ذات أبعاد محرجة أو حصيلة للمفاجأة، فالقليل منهم من يحتفظ بالسكينة والهدوء في مثل هذه المواقف والحالات، وهي مختلفة ومتعددة على حسب الشخصية نفسها.
وكشف دكتور عثمان عن أن أشهر الانفعالات هي انفعالات نائب رئيس الجمهورية في النظام البائد علي عثمان محمد طه عند انفصال جنوب السودان وخاصة وقف مرور النفط عبر شمال السودان واحتلال هجليج وتصريحه الغاضب للعسكريين بقوله: (اضرب للقتل)، هي مثال لقرارات الانفعال، رغم أن الرجل يمتلك شخصية باردة جداً ولا ينفعل، ولكن يعتبر تصرف قضية الجنوب يخرج عن المنطق والعقلانية.
الأقدر على التراجع
ولم يجد محجوب، بداً من أن يصف انفعالات السياسيين بشكل عام بمثل الانفعالات الشخصية لكل شخص، ولكنه قال: ليس لها أي تأثيرات، خاصة أن السياسيين يمثلون أكثر الفئات قدرة على التراجع عن الإفصاح عن قراراتهم، ويرون أنها خرجت في ساعة غضب، أو عن طريق خطأ غير مدروس، وأحياناً يرمون بوابل من السهام على الصحفيين أو الناقلين لها ويكشفون أن الصحفي نقلها أو كتبها عن طريق الخطأ، خاصة عند التراجع عند دخولهم في مواقف ضيقة، وضرب مثلاً لتلك الانفعالات كالتي تحدث الآن نجد بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين.