طوفان التحوُّلات
- منذ أن صرفت اللجنة الأمنية لنظام (الإخوان) في أبريل الماضي رأس سلطتها المُتباهي بقدرته الفذّة على صرف (البركاوي) لرسل القارة العجوز.. ظل السودان يتقلّب أطواراً تنحو إلى انتقال كبير وشامل، لا رَيبَ فيه.
- انتقال يمثل في الحقيقة انقلاباً كاملاً، لا يساورني أدنى شك في أنه سيبلغ أقصى ما يمكن تصوُّره على أيّة حال.
- فالتجليات المُثيرة للتحوُّل المُذهل في العلاقة مع إسرائيل لن تقف بالطبع عند حدود تحليق الطيران الإسرائيلي عابراً للأجواء السودانية في رحلاته من وإلى المطارات الأفريقية.
- وبالطبع، فإنّ انغماس المُنافحين عن الرئيس المعزول في جدلٍ بيزنطي حول سيناريوهات تبدو نظرياً مُختلفة، لن يمنع بالضرورة مثول المخلوع البشير بين يدي قضاة المحكمة الجنائية الدولية.. جاءوه بلاهاي ذاتها إلى عقر داره، أو ذهبوا به إليها إنفاذاً لأمر قبض.
- إذ يظل الأمر في النهاية سيّاناً، طالما أن السودان كدولة، تجاوز عملياً مربع رفضه المُطلق للتعاون مع محكمة الجنايات الدولية التي ألّب نظام الخرطوم المُباد القارة السمراء برمتها ضدها.. مُعتبراً أنها محكمة أقامها الأوروبيون البيض لترويض المارقين من قادة أفريقيا السوداء.
- المهم، فإنّ تفاصيل صغيرةً كثيرة كهذه من شأنها أن ترسم صُورةً دقيقةً لمدى حجم وعُمق ونوع التحوُّلات.. التي انطلق بالفعل قطار التغيير صوبها بإرادةٍ مُوحّدةٍ، قويةٍ، ونافذة.
- إنّ مُجازفة سلطة الانتقال بركوب مثل هذه الصعاب والمخاطر السياسية الكبيرة.. بلا تردُّد ودُون وجلٍ، يعد بحد ذاته مُؤشِّراً لأنّ السودان قد دخل مُنعطفاً لا بُدّ أن يقوده إلى فضاءً جديدً، مُختلف تماماً، بعد أن حرق قادة هذه المرحلة سفن العودة إلى الوراء.
- المهم، فإنّ طوفان التحوُّلات الجارية الآن.. طوفان جارف، يصعب إيقاف تقدُّمه وجريانه، بمثلما تصعب كذلك السباحة عكس تياره القوي الذي تظاهره رياح دولية عاتية.
- رغم أنّ كسر أطواق التاريخ، وتحطيم أوثان السياسة، ليس نزهة سهلة.. فمن يقترب من كل سماء مُلئت حرساً شديداً وشُهباً.. لا بُدّ أن ينال منها شهاباً رصداً.
- لكن أقدار التاريخ الكبرى.. لا يصنعها في العادة سوى قادة أقوياء، يمتلكون القدرة على اتّخاذ أصعب القرارات، وعلى مُجابهة التحديات التي تصاحب تنفيذ هذه القرارات بعزيمة وصبر.
- أتصوّر أنّ هؤلاء القادة الذين حلوا بعد ثورة عظيمة قد أجادوا فنون التمرحل كَافّة نحو الانتقال.. وكأن قائلهم قال بقول من قال:
(كلما جاء الأمس، قلت له: ليس موعدنا اليوم، فلنبتعد وتعال غداً).
لقد أضنى هذا السؤال المُزدوج ذهني وأنا أطالع حظ أيامي على كف الوطن:
(ترانا هل نحتاج إلى وطنٍ جديدٍ، أم تراه وطننا يحتاج إلى شعب جديد).
ثم يحدوني الأمل مردداً مع شاعري الأثير درويش:
(سنكون يوماً ما نُريد، لا الرحلة ابتدأت ولا الدرب انتهى).