أقلام رصاص..!

 

“آثار الذكاء تعيش أكثر من آثار القُوة”.. فرانسيس بيكون..!

 (1)

سِيَر الحضارات والممالك مثل سِيَر الأشخاص تماماً، بعضها يحييه الاحتفاء ويخلِّده الذكر، وبعضها يطمسه التجاهُل في ظل غياب “الوجيع” الذي يهيئ لها الأسباب لكي تكتب في أضابير التاريخ.. في كتاب رحلة ابن بطوطة يذكر الرجل مدينة “عيذاب” في شرق السودان وشُهوده الهزيمة التي ألحقها ملك البجا “الحدربي” بالأتراك وفرارهم أمامه.. أمّا اليوم فكلمة “بجا” لا تذكر – في السودان – إلا ضمن دعوات بعض المنادين بوجوب انتهاء تهميش منطقة أحفاد الحدربي.. ليس الأشخاص وحدهم، بل حتى الحضارات تحتاج من يحرس سيرتها، وليس مُدهشاً أن يكون مُقابل الحراسة عائد اقتصادي، كحراسة جيراننا المصريين لسيرة الفراعنة وآثارهم، وتكسُّبهم المستمر من تلك الحراسة.. فهم بوصايتهم وبقائهم (عَشَرة) على تلك الآثار لم يكسبوا احترام العالم فقط، بل اعتمدوا في مُعظم عائداتهم الاقتصادية من السياحة على آثار الفراعنة..!

(2)

أصبح الناس يسألون عن أحكام بعض الأمور التافهة ويتركون أساسيات دينية كثيرة يَجهلونها وهي أولى بالسؤال دُونما إجابة.. ومن ذلك (هل المرأة مُلزمة شرعاً بخدمة زوجها)؟!.. أما الإجابة فقد كانت على غرار (إنّ المرأة غير مُلزمة شرعاً بخدمة زوجها من إعداد للطعام ونظافة وترتيب للمنزل …إلخ.. إن هي فعلت خير وبركة وإن لا.. فلا إثم عليها إطلاقاً).. هذه الفتوى – المُثيرة للقلاقل والفتن – تتنافى مع الراجح من أقوال أهل العلم من أنّ خدمة المرأة لزوجها واجبٌ عليها، وقد دلّت على ذلك نُصُوص قرآنية منها قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) فالفهم المنطقي لهذه الآية يدل على وجوب قيام المرأة بأعباء وشؤون بيتها، كما أن على الرجل الخدمة خارجه للإنفاق على المرأة، أما العلاقة الزوجية فهي حق مشترك بينهما.. وكفى..!

(3)

الشعوب العربية والأفريقية – كما تعلم – ترضع الخوف من السلطة مع حليب الأمهات، لذلك يشب أبناء أُسرها الحاكمة – ملكية كانت أم جمهورية – عن الطوق، وهُم يُخاطبون الكون بصيغ آمرة واجبة النفاذ، وإلا!.. في مُجتمعنا المحلي تَفَاقَمت ظاهرة أبناء المسؤولين الذين كادوا يشبهون أحفاد ملوك النفط لفرط دلالهم على الشعب، وبفضل تعاقُب آبائهم على ذات الكراسي نشأ مُعظمهم منذ الصغر على مبدأ التمييز المفروغ من وجوبه.. من الروضة.. إلى المدرسة.. إلى الجامعة.. إلى سُوق العمل.. فَعَاث بعضهم في الأرض فساداً!.. تُرى كيف يُفَكِّر اليوم خلفاء حكم الإنقاذ لاجتناب ظُلم ذوي القُربى؟!.. مع الأخذ في الاعتبار أنّ العدالة الاجتماعية ليست صكوك براءة أو عقود احتكار.. ولا هي – أيضاً – سندات ملكية تُباع في سوق الأوراق المالية.. أليس كذلك..؟!

(4)

الملكات الشخصية للحُكّام فنٌ تاريخيٌّ يستمد مشروعيته الكاملة من الإلمام الكافي بعلوم وفنون العلاقات السياسية، لكنه – عندنا – نشاطٌ ذهنيٌّ مُهملٌ، إن لم يكن مُعطّلاً تماماً.. فاهتمام الشخصيات الحاكمة – في مُجتمعنا – بفنون الاتّصال السِّياسي، مُوجّهٌ فقط لاستلاب الشعوب، ومُكرّسٌ بأكمله لضمان ولائها.. أمّا السعي الحثيث لإقناع الآخر بقامتنا وقيمتنا – حكومةً وشعباً – على المسرح الكوني فَمَحفُوفٌ بإشكالات منهجية، أولها عشوائية الطرح، وأولاها فوضوية التلقي، وأنكاها ردود الفعل ذات الزوايا الحادة.. فهل – يا ترى – من مُذَّكر..؟!

منى أبوزيد

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى