*قبل خمسة أعوام تقريباً كُنت ضمن وفد إعلامي ضخم في زيارة لسد النهضة بالجارة إثيوبيا، وقفنا خلالها على مراحل تشييد سد الألفية الذي أزعج كُل دُول المنطقة وحتى الدول التي بعيدة عن القارة السمراء.
*خمسة عشر يوماً قضيناها في إثيوبيا، شاهدنا خلالها عدداً من مُدنها الجميلة، حيث كانت الزيارة “بَرّاً” ممّا مَكّننا من الاستمتاع بأجواء إثيوبيا الرائعة وخُضرتها وقُراها ومُدنها.
*لم نشهد ازدحاماً في طلمبات الوقود في أصوصا الجميلة ولا نقمتي الخضراء، ولم نَرَ تكدُّساً في الزهرة الجميلة “أديس أبابا” ولا اعتراضاً من قاطني مَنبع الأنهار في بحر دار.
*قضينا عدة أيام في استراحة السد والتي بالطبع لا تصل الرفاهية فيها إلى مُستوى استراحتنا في “مروي”، رغم أنّ تكلفة إنشاء سد مروي لا تبعد كثيراً عن تكلفة إنشاء سد القرن مع فارق ضخامة السد هناك “والخزان” هنا.
*عُموماً، الرحلة كانت رائعة بمعنى الكلمة، حيث إنّنا تعرّفنا على الشعب الإثيوبي عن قُربٍ، وأدركنا مَدَى حُبِّهم لشعب السودان، وإن كانت للسِّياسة “حيناً” هناك تَبَاعُدٌ بين هذه الشعوب.
*في تلك الزيارة التقينا بعددٍ من أبناء السُّودان الذين دفعتهم الظروف للعَمل هُناك، بعضهم مُهاجراً بحثاً عن الرّزق في أرض الله الواسعة وآخرين يُؤدون ضريبة الوطن في العمل بالمواقع المختلفة.
*من بين هؤلاء كان مدير شركة النيل بإثيوبيا محمد أزهري، حيث إن هذه الشركة لها مُستودعات هُناك لتوزيع النفط بمُشتقاته المُختلفة، وأذكر جيداً أنّ محمد قال لنا إنّ الحكومة الإثيوبية لا تدعم المَحروقات للمواطن وكان سعر اللتر حينها يُعادل أضعاف أضعاف سعره في الخرطوم، وداعبنا بالقول “نحن الحكومة مُدلِّعانا”.
*تذكّرت حديث محمد هذي، وأمس بدأت وزارة الطاقة بتطبيق نظام الوقود التجاري والذي أيضاً يُعتبر مدعوماً بنسبة معقولة، ووجدت الخطوة ارتياحاً لدى بعض أصحاب المركبات الذين لا يُريدون إهدار زمنهم في الصفوف الطويلة وتعطُّل أعمالهم.
*نعم قد يكون الوقود التجاري هو البداية الحقيقيّة لرفع الدعم عن المحروقات والذي دوماً يأتي تدريجيّاً، ولكن هل تحسّبت الحكومة للخطوة النهائية التي تُريد الإقبال عليها؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج للكثير من المُناقشات والاجتماعات حتى ترفع الحكومة الدعم “بقلب قوي”؟!
*جُل الاقتصاديين أشاروا إلى ضرورة رفع الدعم عن المحروقات حتى يتعافى الاقتصاد السوداني، ولكن تبقى خُطُورة هذه الخطوة إن تَمّ رفع الدعم ولم تُوفِّر الدولة الآلية المُناسبة لانفراد عقد السوق بكل أشكاله كَمَا يَحَدث الآن.
*إثيوبيا وغيرها من الدُّول لا تدعم المحروقات للمُواطن، ولكنها تُوفِّر الحماية المُناسبة للمُواطن من ارتفاع الأسواق بفرض الرقابة القوية والقوانين الفَاعِلَة التي تجعل التّاجر يُفكِّر ألف مرّة قبل أن يرفع سعر سلعة ما.
*أمّا الخرطوم اليوم فكل صاحب سلعة يرفع في سعرها دُون رقابةٍ عليه أو حسيبٍ وكلٌّ تحت عباءة “أزمة الوقود وارتفاع الدولار”، فإن اتّخذت الحكومة قراراً برفع الدعم الآن سيشتعل السُّوق وحينها سيحترق الجميع.
*غداً سنعيد المُقترح الذي يجب أن تدرسه الجهات المُختصة حتى يشعر المُواطن بقليلٍ من “دلع” الحكومة له مع غلظة سوق “التماسيح”..!