جلبير الأشقر
منذ سنواتٍ، ظللنا أنا والحزب الشيوعي السوداني، ثابتين على موقفينا! أنا على موقفي بأنّه حزبٌ طائفيٌّ مُختطفٌ ويمينيٌّ، وهو عَلى مَوقفه الثابت ضد الشيوعية والتجديد والتقدم واليسار والتزامه الثابت بالتقليد والتواطؤ مع اليمين.
قبل سنواتٍ، كتبت ساخراً أنّ الحزب لم يبق له سوى اتخاذ هتاف (الله أكبر) شعاراً سياسياً له لتكتمل صُورته كحزبٍ يميني طائفي وسُوداني. وبعد ذلك كتبت مُؤكّداً أنّ صحيفة (الميدان) الناطقة بلسان الحزب التأريخي لا يُحرِّرها شيوعيون وربما لا أجافي الحقيقة إن قلت الآن إنّها أكثر عداءً لليسار السوداني من (ألوان) حسين خوجلي!
الأول من أمس فقط، أطلق الحزب الشيوعي إعلاناً عن ندوة يُقدِّمها البروفيسور والمُفكِّر اليساري الكبير جلبير الأشقر، وكَتبت مُحفِّزاً ومُباركاً للحزب العَودة إلى اليسار والشيوعية من بعد اغترابٍ، ونصحت الحزب – مُخلصاً كعادتي – أن يبحث عن مُصمِّم للإعلانات، إذ لا يُعقل أن يكون قد تجاوز يوبيله الماسي دُون أن ينجح في استقطاب مُصمّمٍ واحدٍ إلى صفوفه.
خذلني الحزب الشيوعي كعادته، إذ أعلن مرةً أُخرى أمس (السبت) عن إلغاء الندوة للأسباب التالية:
إنّ اللقاء الذي تم به يوم الخميس كان مُؤسّساً على معلومات خاطئة.
وإنّه تبيّن للحزب أنّ (المذكور) ليس عُضواً في الحزب الشيوعي اللبناني.
وإنه عَمِلَ سابقاً كمُستشار للجيش البريطاني ولمعهد الدوحة (المركز القطري/ الإخواني حسب نص البيان) الذي يُديره الدكتور عزمي بشارة.
هكذا أعلن الحزب اليساري العتيد الذي يزعم بعض منسوبيه – في إطار التفاخُر السوداني المعهود – أنه كان أحد أقوى الأحزاب الشيوعية في العالم العربي وأفريقيا، وغنيٌّ عن الكتابة هنا أن هذا خطل معلوم، وإن الحزب الذي يضم أعضاءً في العقد التاسع والثامن مِمّن أكملوا نصف قرن وأكثر في صُفُوفه ولا يعرف أحدٌ منهم حتى الآن من هو جلبير الأشقر، وهل هو مُفكِّرٌ كونيٌّ أم مطربٌ كوراليٌّ؟!
بالمناسبة كيف يبقى الشخص مُلتزماً بعضوية حزب لـ50 عاماً دُون أن يُحقِّق فيه نجاحاً واحداً، وكيف يبقي الحزب في صُفُوفه على أعضاءٍ لم يُحقِّقوا له النجاح طوال نصف قرن وأكثر؟ هذا مَبحثٌ جَديرٌ بالتأمُّل والحوار داخل الحزب بُغية إصلاحه، لأنّ الوطن يحتاج إلى حزبٍ يساري يحمل عبء الدفاع عن الفقراء والمسحوقين ويتبنّى شعارات العدالة الاجتماعية وديكتاتورية البروليتاريا نفسها إن أدرك كنهها الرفاق/ الزملاء.
إنّ موقف الحزب الشيوعي مُؤسّسٌ على جهل بين بهوية ومُساهمات المُثقّف الكبير في الفكر الإنساني، ومُؤسّسة على سلوكٍ يُمكن وصفه بأنّه غير سُوداني، خُصُوصاً وأنه ليس هناك ما يلزم الحزب بأن يستقبل فقط المُفكِّرين الشيوعيين المُنضوين في صُفُوف الأحزاب الشيوعية في أوطانهم الأم.
وللبروفيسور جلبير الأشقر نقول أهلاً بك في وطنك السودان، حيث يحبك الكثيرون ويحترمك الكثيرون ويتعلّم منك الكثيرون.
إنّنا نتطلّع أن تُحدِّثنا بفكرك النيِّر عن أثر البيروقراطية في الأحزاب الشيوعية، وعن كيف تحوّل الالتزام باليسار إلى منظومات طائفية.
أما دار الحزب التي رفضت استقبالك، فأرجو أن تعلم أنها استقبلت بحفاوةٍ بالغةٍ الشيخ الراحل حسن الترابي، وأنها استضافت ساسة من أحزابٍ أخرى يُمكن بسُهُولة اتّهامهم بالفساد السياسي والإداري والمالي، وأنّ هناك المئات من المُنتسبين إلى هذا الحزب يعملون في مُؤسّسات غربية تتموّل من فائض الضرائب ومن تبرُّعات تُجّار الأسلحة والمُقامرين والمُشتبه في تورُّطهم بغسيل الأموال.
إنّنا نفخر بزيارتك لبلادنا العزيزة التي طالما انقطع عنها المُفكِّرون وتَسابق على عاصمتها اللصوص ومُبيِّضو الأموال وتُجّار الحروب والمُهرِّبون.
أهلاً بك في السودان العظيم! حللت أهلاً ونزلت سهلاً!