- يهود السودان: نُرحِّب بالتطبيع ونتطلّع لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب
- أشهر معالمهم المقابر والكنيسة والمعهد وسينما كلوزيوم
- يُوجد كتاب عن اليهود لأبو عنجة بمكتبة عبد الكريم
- لديهم مصاهرة مع القيادية فاطمة محمد إبراهيم
- بعضهم هاجر إلى الخارج وآخرون بحيي “المسالمة والاسبتالية”
عوضية سليمان
تصوير- محمد نور محكر
اللقاء التاريخي بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الثالث من هذا الشهر بأوغندا، فتح الباب واسعاً أمام خطوة التطبيع الذي كان يراه البعض من سابع المُستحيلات في السودان، ولقد أكد رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان في حواره مع “الشرق الأوسط” أمس الأول أنّ قرار التطبيع مع إسرائيل لاقَى قُبُولاً شعبياً واسعاً إلا من بعض الأيديولوجيات.
اليهود في السودان من الملفات المسكوت عنها لوقتٍ قريبٍ.. فيا ترى كيف استوطنوا في بلادنا، ومن هُم أبرز اليهود في السودان، أسماؤهم، أعمالهم ومقابرهم، وما رأيهم في قرار التطبيع وكيف ينظرون إلى مُستقبلهم في المرحلة القادمة؟!
يهود في السودان
حسب متابعات (الصيحة)، فقد علمت بوجود أسر يهودية كثيرة في السودان، مثل عائلة فران سوس التي تمتلك أضخم صيدليات بشارع الوادي أم درمان، وظلوا يمارسون معتقداتهم بصورة راتبة، وهنالك عائلات في حي المسالمة بأم درمان، منهم من يعمل في نسيج الديكورات والأسِرّة بالخزف والتراث القديم ويملكون محلاً كبيراً في مدخل أم درمان يُطلق عليه محل اليهود، إضافةً إلى عائلات أخرى تعمل في مجالات مختلفة.
نُؤيِّد التطبيع
وثمّنت اليهودية ليلى دويل ربة منزل ولدت ببورتسودان واستقرت بأم درمان، خطوة التطبيع مع إسرائيل قائلةً لـ(الصيحة): (من أجل المصلحة السودانية لا بُدّ من التطبيع مع إسرائيل، والخطوة وجدت منا نحن اليهود الموجودون في السودان تأييداً مُطلقاً باعتبار أن السودان بلدٌ جيدٌ وطيبٌ، ونحن نتطلع أن يرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب لنرجع إلى جذورنا في السودان، ونعيد إرث أجدادنا من جديد)، وأضافت: أسرتي تعمل في مجال الشركات والبزنس والصيدليات وتقطن أم درمان (ود أُرو).. وتسترجع ليلى ذكرياتها: كنا نحن يهود ونصارى ومسلمون نعيش حياة حلوة لا ضغائن بيننا والحياة كانت حلوة، وليس هنالك فرق بين هذا يهودي ومسلم ونصراني، كنا إخواناً ليس هنالك فرق، وقالت: ولدت في مدينة بورتسودان وتم ترحيلنا إلى الخرطوم لاستكمال زواجي، وأضافت: وقتها كانت الحياة سهلة والخير وفيراً وكنا مبسوطين جداً بتعامُل السودانيين معنا، وروت قصة التظاهرات التي اندلعت وقتها، وكيف أها لم تؤثر على مُمتلكاتهم، بالرغم من قربها من المنزل وسياراتهم، وأضافت بأنها سمعت المتظاهرين يقولون لا تؤذوا اليهود، وكانت عائلتها تعمل بشركة في مجال خزن النقود من خارج البلاد، وزادت بقولها الحياة: وقتها كانت هائلة ولدينا تجمُّعات للعب الكوتشينة والتنس ومُتابعة السينما اليومية والأفلام، وكنا مجموعة كبيرة من الأقباط ولنا أعياد تسمى بوريم (عيد المساخر)، نخبز ثمانية أصناف من الخبائز ونضعها في صحون ويتم توزيعها عبر حمار للأصدقاء والجيران.
بداية وجود
يَعُود وجود اليهود في السودان وفقاً لنهايات القرن التاسع عشر، و«البنيامين» هو الاسم الذي يُطلق على اليهود في السودان؛ حيث جاءوا لاجئين في أكبر مَوجة هجرة يهودية في نهايات القرن التاسع عشر، واستوطنوا مدينة أم درمان، تَحديداً في حي المُسالمة، وقاموا ببناء أول مَعبدٍ يهودي في السودان عام 1889م، وجَرَى تكوين رابطة للجالية اليهودية حينها برئاسة «بن كوستي» ابن حاخام يهودي تعود أصوله إلى إسبانيا.
وبحسب قراءات سابقة، فإنّ عدد أفراد الجالية اليهودية في ذلك الوقت بلغ نحو ألف نسمة، مُوزّعين ما بين مُدن العاصمة المثلثة: “الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان”، لكن بعضهم فضّل أن يعيش في مُدنٍ سُودانية أخرى مثل: نوري ومروي والدبة وبورتسودان وود مدني، ويُعرف اليهود الذين قدموا إلى السودان بـ«السفارديم» الذين ينحدرون من سلالات يهودية كانت تعيش في إسبانيا، لكن نُكِّل بهم وطُردوا بعد سُقُوط غرناطة الشهير، فاتّجهوا إلى كلٍّ من: دول الشمال الأفريقي ثم إلى السودان.
الفلاشا
قضية شغلت الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي آنذاك، تتعلّق بترحيل الفلاشا في عهد الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، حيث لعب دوراً كبيراً في تهريب يهود الفلاشا للهجرة مُقابل رشاوى مالية كبيرة، حسب ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، وفي هذا الجانب تفاصيل كثيرة عن عملية ترحيل اليهود من إثيوبيا كحلقة جديدة في مُسلسل المُهاجرين اليهود إلى فلسطين عام 1985 بفضل علاقات الصداقة المتينة بين جعفر نميري والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وطبقاً للتحقيق الذي أجراه محرر الشؤون الاستخباراتية رونين بيرغمان في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى أن النميري وافق قبل سنة من الإطاحة به على طلب المُوساد بالسماح بمرور آلاف اليهود الفلاشا والإقامة داخل مُعسكر لاجئين أقامته إسرائيل على الحدود بين السودان وإثيوبيا، قبل نقلهم إلى الخرطوم ومنها إلى تل أبيب عبر مطارات أوروبية، وبحسب الصحيفة أنّ نميري تعرّض لانتقادات واسعة بعد الكشف عن نقله يهود الفلاشا وقتها، المعروفة بـ”عملية موسى”، دفعته إلى وقفها، لكن الموساد واصل نشاطه داخل الخرطوم تحت غطاء شركة استيراد وتصدير.
تغيير اسم
في العهد المهدوي بالسودان، استعان الخليفة عبد الله باليهودي «بن كوستي» للتجارة بين مصر والسودان، وغيّر اسمه إلى عبد القادر البستنيني. بعد ذلك أَجبر الخليفة عبد الله التعايشي الأقباط واليهود على الدخول في الإسلام؛ لذلك قام يهود السودان باستقدام حاخام يدعى «سلمون ملكا» من أجل إقامة الصلوات وتعليم الصغار الشعائرَ الدينية اليهودية؛ حيث أقام لهم كنيسة في منزله بحي المسالمة وأسهم في رجوع عدد كبير منهم إلى اليهودية، بعدها أصبح «ملكاً» رئيساً للجالية اليهودية، وأعلن عن تكوين جالية بشكل رسمي عام 1908م، بعد عشر سنوات من هذا التاريخ حوّلت الجالية اليهودية مركزها من أم درمان إلى الخرطوم، في هذه الحقبة أُلِّفت كتب عدة عن الجالية اليهودية في السودان كان أشهرها كتاب «بنو إسرائيل في أرض المهدي»، وأيضاً كتاب «أطفال في بقعة المهدي».
معالم واضحة
بعد توغُّل اليهود السودانيين في الحياة السودانية، قاموا ببناء نادٍ رياضي ترفيهي وأطلقوا عليه «النادي اليهودي بالخرطوم»، أو ما يُعرف باسم «مكابي» وأسّسوا فريقاً رياضيّاً يحمل الاسم نفسه، وشيَّدوا أيضاً ملعباً للتنس. وأصبحت حياة يهود السودان دائرةً بين العمل والنادي اليهودي في الخرطوم للقاء العائلات اليهودية وقضاء أوقات ممتعة. بعدها شيّدوا مسرحاً خلف النادي وقاموا بشراء قطعة أرض أنشأوا عليها سينما معروفة لكل السودانيين هي سينما (كلوزيوم)، كان اليهود في السودان يُعَدُّون من الأقلية المُستوعبة من المجتمع، لكن في عام 1948م ظهرت مشاعر العداء لهم، وبخاصة بعد إعلان قيام دولة إسرائيل والعدوان الثلاثي على مصر. تَضَعْضُعُ الثقة بين اليهود السودانيين وبين المُجتمع، أدى إلى خروجهم من السودان واستقرارهم في بلدان أفريقية مثل «عائلة عدس» الذين هاجروا إلى نيجيريا، لكن غالبية العائلات اليهودية هاجرت مرة أخرى إلى أوروبا وأمريكا وعودة بعضهم إلى إسرائيل.
آثرتْ بعض العائلات اليهودية البقاء في السودان، وبمرور الزمن اعتنقوا الإسلام وتزوّجوا بسودانيات مُسلمات، لكن بعضهم بقي على يهوديته؛ أمثال عائلة «الدويك» من يهود الشام المُتشدِّدين وكانوا يعملون في مجال تجارة الأقشمة.
بيت العائلة
دُقَّ آخرُ مسمار في نعش الوجود اليهودي بالسودان، كان إثر قيام العقيد آنذاك «جعفر النميري» بحركةِ تأميمٍ ومُصادرة واسعة لممتلكات اليهود، وبخاصة شركات الحاخام اليهودي «سلمون ملكا» التي كانت باسم «جلاتلي هانكي». ولم يقتصر التأميم على الشركات فقط، بل على مستوى بيت العائلة، الذي أصبح في العهد المايوي مقرّاً للاتحاد الاشتراكي، فمقرّاً لوزارة الخارجية السودانية. وفي عام 1987م هُدم المعبد اليهودي في الخرطوم، وبيعت الأرض لمصلحة أحد البنوك السودانية.
مقابر اليهود
المُصادرة لممتلكات اليهود لم تشمل مقابر اليهود الموجودة الآن في وسط منطقة تجارية بالسوق العربي، حيث لا تزال أرضاً فضاء، وكثيرون من السودانيين لا يعرفون أنها مقابر اليهود، لم ينسَ اليهود أموالهم الموجودة التي إما أُمِّمت، أو تركوها وهربوا خوفاً على أرواحهم إثر تنامي وتصاعُد الصراع العربي – الإسرائيلي؛ لذلك تقود الآن إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية حملة دبلوماسية لاستعادة ممتلكات اليهود البالغ عددهم 850 ألف يهودي كانوا يعيشون في السودان، ومصر، والمغرب، وموريتانيا، وتونس، وليبيا، والجزائر، وسوريا، والعراق، ولبنان، والأردن، والبحرين. وقَدرّت وزارة الخارجية الإسرائيلية حجم التعويضات بــ«300» مليار دولار أمريكي.
حياتهم السياسية
من أبرز اليهود السُّودانيين الذين أقاموا في السودان ولهم دورٌ في الحياة السياسية: «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ينتمي إلى عائلة «شاؤول الياهو» المُقيمة في منطقة نوري – مروي. وكذلك عائلة «آل ساسون» الذين عاشوا في منطقة «كردفان»، ثم هاجروا إلى الخرطوم، فكان أول سفيرٍ لدولة إسرائيل في مصر أحد أبناء هذه العائلة بعد «اتفاقية كامب ديفيد» في عهد الرئيس أنور السادات.
عائلات معروفة
ويبدو أنّ الجالية اليهودية بالسودان لم تنقطع صلتها بدوائر صنع القرار اليهودية؛ فلقد تقلّد «إبراهيم جوزيف عبودي» رئاسة الجمعية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ينتمي إلى أشهر عائلات اليهود السودانيين المعروفين بـ«آل عبودي» الذين عاشوا في «الخرطوم بحري».
تُجدر الإشارة إلى أن يهود السودان أتوا إليه مُعدمين ليخرجوا منه وقد أصبحوا من أثرياء العالم؛ إذ يمتلكون شركات ومُستشفيات ودور محاماة.
سُودانيون
الخبير السياسي الرشيد أبو شامة قال في حديثه لـ(الصيحة)، إنّ اليهود جاءوا مع الأتراك في أم درمان عن طريق مصر وزاد عددهم واستوطنوا في أم درمان شرق (الاسبتالية) (المستشفى) ولديهم كنيسة ومعبد ومقابر، ولديهم أسر كبيرة جداً موجودة إلى الآن في أم درمان تحديداً والبعض منهم أسلموا ولكن محتفظون باسم إسرائيل في مناصبهم ووظائفهم، وبعد حرب 56 بدأوا الانسحاب من السودان، وبعد 73 تمّ طردهم من قبل حكومة نميري وتوجّهوا إلى أمريكا، ولكن مازالت لديهم ممتلكات في الخرطوم والآن يطالبون بها، وبعد ذلك تراجع النميري عن قراره وتم إرجاعهم، والبعض منهم رجع ونال الجواز السوداني ومَوجودون الآن في سويسرا، ومُؤخّراً دَعَاهم وزير الأوقاف السوداني بغرض الرجوع إلى السودان مرةً ثانيةً.. وقال: اليهود كانوا استوطنوا في أحياء “المسالمة والاسبتالية والعرضة” والآن توجد أسرهم، منها أسرة منديل رجل معروف، وهنالك مُصاهرة بينهم والسودانيين، منهم زواج محمد الفضل مدير السكة حديد الأسبق وهو يهودي بنت أخت القيادية فاطمة محمد إبراهيم.