من غرفة الأخبار
الخرطوم : الجميل الفاضل
خواطر مخبر
بين هدهد سليمان وحذيفة بن اليمان
الأصل في الصحافة الخبر، ومنه استمدّت جلالها وسطوتها وسلطانها، فالخبر أيًاً كان هو كعبةُ هذه المهنة، ومحرابها، وواديها المقّدس، الذي ينبغي أن يخلع الكل نعليه متى ولج سوحه ورحابه.. نعالُ الانتماء أو نعال المصلحة .
* فالخبر بكل تجلياته وقوالبه وأشكاله هو عمدة الأمر في الصحافة، وهو عظم الظّهر في بنيانها كله، وقواعد بيتها الذي عليه تقوم .
* بل إن الخبر هو آية هذه المهنة التي استمدت وتستمد منه قيمتها على الإطلاق.. فانظر إلى هذا الطرف من حوار العبد الصالح سيدنا الخضر مع نبي الله موسى عليهما السلام، ذلك الحوار الذي وثّقه القرآن الكريم في آيتين: إذ قال سيدنا موسى في أولاهما للخضر بعد أن أخذ عليه الأخير الميثاق بعدم السؤا ) ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً)، بيد أن الخضر قد استدرك موسي بعلةٍ مفحمةٍ تتصل بغاية هذه المهنة المعاصرة ألقاها هكذا في معرض هذا السؤال (وكيف تصبر على ما لم تحط به خُبرا .(
* فلو أن أهل السياسة أمعنوا النظر في متلازمة الصبر والخبر.. لسعوا بأنفسهم إلى غاية بسط حرية تدفق المعلومات إلى الناس، لا إلى سبيل كسر الأقلام، وتكميم الأفواه .
* ولأن الغاية عظيمة، فلابد لمن تصدى لها أن يأخذها بحقها، أو أن يدعها.. فالمخبرُ مُمتحن في كل يومٍ، بل وفي كل ساعةٍ ودقيقةٍ وثانية.. تأمّل معي موقف سيدنا سليمان مع هذا المُخبر (الهُدهُد) . قال: (مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذّبنّه عذاباً شديداً أو ليأتيني بسلطان مبين) فلولا هذا الخبر (السلطان المبين) لصار الهدهد نفسه خبراً.. لكن وبثقة المُخبر الذي يمتلك أدواته جيداً، أجاب مع احتفاظه بمسافة الأمان بينه وصاحب السلطان: (فقال أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين). غير أن سيدنا سليمان لم يأخذ الخبر على علاته وعواهنه فقال (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين)، فالحضور في الخبر أقوى من الحضور الفيزيائي بالجسد، وحينها فقط تسقط كل الأسباب الموجبة للعقاب فيما عدا معيار واحد هو معيار مصداقية الخبر (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) .
* هكذا تعامل سيدنا سليمان بتجرّد كامل مع خبر يصّنف سالباً عند الحكام وبتطبيق مثالي لقاعدة أن ناقل الكفر ليس بالضرورة كافراً، وهو حال الهدهد في هذا المقام بامتياز.
خلاصة القول إن الصحافة التي تستحق وصف سلطة رابعة.. هي صحافة (النبأ اليقين) الذي ارتقى به سيدنا سليمان إلى مرتبة (السلطان المبين).
خبر عاجل :
* ولعل لسيدنا سليمان قصة أخرى مع مخبرٍ وخبرٍ آخر.. فلنرَ كيف كان رد فعله هذه المرة.. يقول القرآن الكريم (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ). يقول القرآن (فتبسّم ضاحكاً من قولها)، إذ أن الخبر يصنف هاهنا في خانة الخبر الإيجابي، بعكس الخبر الأول الذي يصور أبشع صور الخروج عن سلطان ملِك نبي من جهة قوم يعبدون الشمس إلهاً .
*وأياً كانت طبيعة الخبر ونوعيته، إلا أن مهمة المخبر تظل في كل الأحوال مهمة مقدسة ينبغي أن تُصان من قِبل واردها، وأن تحترم من جهة مُتلقّيها .
المخبر النبوي (حذيفة بن اليمان) :
*كلّف رسول الله (ص) يوم غزوة الأحزاب أو الخندق الصحابي حذيفة بن اليمان بمهمة المخبر قائلاً: يا حذيفة إنه كائن في القوم خبر أريد حقيقته، فتسلّل إلىي عسكرهم وإئتني بخبرهم.. قال حذيفة: فخرجت وأنا أشد الناس جزعاً، وأكثرهم فزعاً، وأكثرهم برداً فقال (ص): اللهم أحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته.. قال حذيفة: فو الله ما تمّت دعوة النبي حتى انتزع الله من جوفي كل ما أودعه فيه من خوف، وأزال عن جسدي كل ما أصابه من برد.. فقال (ص): يا حذيفة لا تُحدّثن بالقوم شيئاً.. قال حذيفة: فقلت نعم، ومضيت أتسلّل في جنح الظلام حتى دخلت في جند المشركين وصرت كأني واحد منهم، وما هو إلا قليل حتى قام أبو سفيان فيهم خطيباً وقال: يا معشر قريش إني قائل ٌ لكم قولاً أخشى أن يبلغ محمداً فلينظر كل رجل منكم جليسه.. قال حذيفة: فما كان مني إلا أخذت بيد الرجل الذي كان بجانبي وقلت له من أنت؟ قال: أنا فلان.. وهنا قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم ما أصبحتم بدار قرار .. لقد هلكت رواحلنا، وتخلت عنا قريظة، ولقينا من شدة الريح ما ترون .. فارتحلوا فإني مرتحل.. ثم قام إلى جمله وجلس عليه ثم ضربه فوثب قائماً على ثلاث . قال حذيفة: ولولا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرني ألا أحدث فيهم شيئاً حتي آتيه لقتلته بسهم.. تلك هي القصة الخبرية التي نقلها لنا الرواة عن المخبر النبوي حذيفة.. تأمل براعة التصوير وهو يصور مشهد أبو سفيان يثب على راحلته وهي تثب على ثلاث كناية عن العجلة، وانظر كيف أنه انصرف إلى مهمته كمخبر زاجراً نفسه التي حدثته ربما بالخروج عن مناط تكليفه كمخبر.
////////////////////////////////////////////////////////
راصد السبت
أسبوع (البل) الواسع
- يرجح أن تُعلن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو منتصف الأسبوع عن قوائم جديدة برموز النظام البائد.. تشمل تجميد أرصدة وحسابات بنكية إضافية، إلى جانب الكشف عن قائمة بأسماء نافذين سابقين تم حظر سفرهم إلى الخارج، إضافة لكشوفات بأعداد السيارات التي تم حجزها تبعاً لإجراءات فحص ملكيتها.
وتؤكد مصادر (راصد السبت) أن اللجنة ستُعلن في مؤتمرها الصحفي المرتقب عن منظمات أخرى سيطالها الحظر بعد أن أكدت تحريات متأنية دقيقة صحة الشبهات التي كانت تحوم حول أنشطتها ومصادر تمويلها.
ويتوقع أيضاً أن تُعلن اللجنة كذلك عن اعتماد عدد من لجان التسيير للنقابات والاتحادات المحلولة التي لم تُسمِّ لجانها.
تمديد تفاوُض جوبا
- بات في حكم المؤكد أن تُعلن لجنة الوساطة الجنوب سودانية عن تمديد جولة المفاوضات الحالية بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح، بعد أن انتهى أمس الجمعة الأجل المضروب لحسم نتائج هذه الجولة بصفة نهائية.
//////////////////////////////////////////////////////////
لعبة تقشير البصلة الأمريكية
ورقتان كبيرتان ثقيلتان في الميزان.. رمت بهما الحكومة في بحر أسبوع واحد ورقة إثر أخرى.
فقبل أن يتلاشي دوي قنبلة لقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي برئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية بنيامين نتينياهو.. نزع المتحدّث باسم وفد الحكومة لمفاوضات جوبا محمد حسن التعايشي صاعِق التفجيرعن عبوّة شديدة الانفجار بإعلانه موافقة الحكومة على مثول المخلوع عمر البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية نزولاً عند رغبة حركات الكفاح الدارفورية.
وبدا كأن بروز كلا الخطوتين إلى حيز الوجود، فيما تنشط اتصالات مكثفة بين الخرطوم وواشنطن حول رفع الأخيرة اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، يجعل التفسير يتجه إلى أن ما تم في عنتيبي وجوبا جزء من استحقاقات الخروج من اللائحة السوداء.
خاصة وأن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية تيبور ناجي كان قد شبّه في وقت سابق إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية بطريقة تقشير البصلة، مؤكداً أنها عملية إجرائية لا يُمكن أن تتم كالنقر على مفتاح الكهرباء.
وفي ذات السياق قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قُبيل مغادرته للمشاركة في مؤتمر للأمن انعقد أمس بألمانيا أن الولايات المتحدة بحاجة لكي تُخرِج السودان من هذه القائمة بصفة نهائية، لأن تقيس مرتين قبل أن تقطع مرة واحدة تؤدي للإزالة.
ورغم أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك يشارك في ذات المؤتمر بالمانيا إلا أنه لم يرشح إلى الآن على الأقل ما يُعزز احتمالات لقائه بمايك بومبيو بموينخ قبل إزاحة آخر طبقة من البصلة الأمريكية.