حظيت ثورة ديسمبر بدعم سياسي كبير من قبل الدول المؤثرة في حراك المنظومة الأممية مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بهدف بناء نظام ديمقراطي يُسهم في تعزيز الأمن والسلم في القارة السمراء، وها هو الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، يطالب بإسقاط اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتى تتمكن حكومة الفترة الانتقالية من تجاوز المصاعب التي أحاطت بها من كل حدب وصوب, فرغم التأييد الواسع الذي وجدته حكومة الدكتور عبد الله حمدوك من المجتمع الدولي، لا زالت بالداخل مكبلة بقيود ثقيلة على أرض الواقع, فالسودان بعد الثورة شهد تحولات رهيبة جعلته على حافة الانهيار الاقتصادي، وظلت معاناة الناس في المعاش اليومي تشير بوضوح إلى وجود خلل في الفريق الذي اختاره رئيس مجلس الوزراء لإدارة الجهاز التنفيذي خلال الفترة الانتقالية وبخاصة في الوزارات ذات الصلة بمعاش الناس وحراكهم اليومي, فوزراء القطاع الاقتصادي الذي يضم وزارات المالية والتجارة والصناعة والزراعة بعيدون عن المعاناة التي يتكبدها المواطن في سبيل الحصول على الخبز وليس في التصريحات التي يتبرعون بها لأجهزة الإعلام، ما يشير إلى توافقهم على خطة إستراتيجية للخروج من النفق المظلم ولم نسمع منهم إشارة إلى خطة مستقبلية أو آنية رغم الاحتجاجات الشعبية واتهام الحكومة بالتقصير وتراجعها عن استكمال مسيرة الثورة بما يوفر للناس حياة كريمة، وهو التراجع الذي وصفته تنسيقيات المقاومة بالخرطوم بالخطير، ودعت عضويتها للخروج في هذا اليوم “لاستكمال المسار ومهام الثورة”، ولسنا في حاجة إلى القول أن مهام الثورة التي رأت تنسيقيات المقاومة الخروج بسببها إلى الشارع تعني في المقام الأول إصلاح الاقتصاد بإزالة التشوهات التي أحاطت به، وذلك بتنفيذ سياسات اقتصادية عاجلة لامتصاص الآثار السالبة لتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية واستنباط حلول إسعافية تجعل الحصول على الخبز والوقود متاحاً لطالبيه، وهنا يحق لحكومة الفترة الانتقالية الاستعانة بلجان المقاومة بعد تقنين دورها الرقابي ومنحها صلاحيات تحت إشراف السلطات التنفيذية بالمحليات ومنح أعضاء لجان المقاومة بطاقات تسمح لهم بمراقبة وتفتيش المخابز، وذلك لمعرفة وصول الحصة المقررة ومعرفة الأسباب التي تعوق العمل بهذه المخابز، فقد ذهبت الحكومة السابقة نتيجة لأخطائها الكثيرة، وعدم قدرتها على توفير الوقود والنقود والدقيق، والآن حكومة الدكتور عبد الله حمدوك وبعد أن نجحت في توفير النقود بالمصارف والصرافات الآلية عليها البحث في الكيفية التي تجعل رغيف الخبز في متناول يد المواطن المغلوب على أمره، وذلك بضبط توزيع الدقيق من الشركات إلى وكلاء التوزيع، والعمل على الحد من عمليات تهريبه عبر الحدود إلى دول الجوار حتى لو استدعى الأمر خلطه بالذرة، وذلك لتقليل الإقبال على شراء الدقيق لصناعة الحلويات و”الباسطة”، فهذه الكماليات التي لا يبحث عنها الجائع، ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن تعبئة الدقيق في عبوات أقل للاستهلاك المحلي مثل خمسة أو عشرة كيلو تجعله في مأمن فليست هذه بالعبوات التي يرغبها التجار العاملون في تهريب الدقيق بل يستهدفون الجوالات الكبيرة بسعة خمسين كيلو فهل يسمعني حمدوك..؟!