مطلوبو الجنائية.. إمكانية التسليم
تقرير: صلاح مختار
أتَاح مُوافقة الحكومة على مثول الرئيس المعزول عمر البشير وآخرين من النظام السابق أمام المحكمة الجنائية الدولية، الفُرصة للحديث عن الإمكانية والكيفية التي تتم بها تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية, ربما الإشارة التي وردت في حديث المتحدث باسم الوفد الحكومي محمد حسن التعايشي بقوله، إنّ العدالة الانتقالية لا يُمكن أن تتم إلا بتحقيق العدالة للأبرياء، الذين اُرتكبت في حقهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، فإن القضية تحمل كثيراً من الإشارات التي بمُوجبها تباين حديث المُختصين في ذلك.. بيد أنّ الإشكالية التي يُواجهها القَرَار في الإجراءات التي يتم بها تنفيذ القرار، ربما لأنّ القضاء السوداني محل ثقة الآن بعد التغيير، بالتالي من الصُّعوبة مُرُور الملف من أطرافه، لأن هنالك مُعالجات قانونية كثيرة لقضية محاكمة مطلوبي المحكمة الجنائية وبمُشاركة المحكمة الدولية، ولكن تحت مظلة القضاء السوداني.
عناصر التسليم
وَلَعَلّ النيابة العامة، اعتبرت أنّ الموقف من تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم الرئيس المعزول عمر البشير، يتوقّف على ثلاثة عناصر، حيث قال النائب العام تاج السر علي الحبر في لقاءٍ جمعه بوفد من منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، إنّ اللقاء تَطَرّق إلى الحصانات المَمنوحة بمُوجب القوانين ومَدَى تأثيرها على سَير العدالة، واتّخاذ الإجراءات القانونيّة في مُواجهة مُرتكبي الجرائم، ومَوقف السودان من المحكمة الجنائية الدولية وتسليم البشير ووضع المُعتقلين من قادته.
وقال النائب العام، إنّ التّعامُل مع المحكمة الجنائية الدولية يتوقّف على ثلاثة عناصر؛ هي مَوقف التّفاوُض بمُباحثات سلام السودان في جوبا وما سَيسفر عنه، والإصلاح القانوني، والتشاوُر مع المُكوِّن المحلي وعلى رأسهم أسر الضحايا.
تبعية اللجنة
ولفت الحبر للتحوُّلات التي حَدَثت في السودان واللجان التي شَكّلتها النيابة العامّة واختصاصاتها والجرائم التي تُحقّق فيها، وتبعية اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات التي حدثت خلال فضّ الاعتصام، والإجراءات المُتّخذة من النيابة العامة لحماية الشهود وعائلات الضحايا وأفراد القوات النظامية مِمّن لديهم الرغبة في الإدلاء بأقوالهم، وقال إنّه جرى تشكيل عددٍ من لجان التّحقيق التي مُنحت سُلطات النيابة العامة في القبض والتحقيق والحجز ومُباشرة الإجراءات أمام المحاكم، مُشيراً إلى أنّ تلك اللجان تُحقِّق في الانتهاكات والاعتداءات كافة التي حدثت خلال فترة النظام السابق.
اتفاق مبدئي
ويرى الخبير في القانون الدولي بروفيسور عثمان محمد الحسن خيري في حديثه لـ(الصيحة) أنّ ما تناقلته الأخبار عن تسليم مطلوبي المحكمة الجنائية غَير صَحيحٍ، وقال إنّ الحكومة لم تُوافق على تسليم المطلوبين للمحكمة, ولفت إلى التصريحات السابقة للحكومة فيما يتعلّق بتسليم الرئيس المَعزول للمحكمة الجنائية، وأضاف: ما تَمّ الاتفاق عليه هو مبدئي في مرحلة التقاضي، بأن حركات دارفور والجانب الحكومي وافقا على أن يكون ضمن الشروط أن تكون هنالك محكمة بالداخل للمطلوبين للجنائية وليس البشير في شخصه ولكن كل المطلوبين للمحكمة الدولية، وإلى أن تأتي تلك المرحلة سيكون هنالك كثير من التحرك لهذه العبارات والنوايا وقد تنتهي تلقائياً عملية تسليم البشير أو المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وهو الخطأ الأول. أما الخطأ الثاني لم يقولوا التسليم للمحكمة الجنائية الدولية، إنما قالوا تدعيم في المحاكمة العدالة الانتقالية التي تشمل صيغة تمثل فيها المحكمة الجنائية وهو ما سيتم أصلاً أن تنشئ الحكومة محكمة “هجين” في دارفور تُعرف بالعدالة الانتقالية يمثل فيها أي شخص أمام مسؤول في العدالة الانتقالية بالمحكمة الدولية في هذه المحكمة السودانية.
عقبة وسد
وحول إمكانية وكيفية التسليم، أكد خيري أن هنالك قانوناً وإجراءات كثيرة غفل عنها الناس، منها أن محكمة الجنايات الدولية لا تستلم أي شخص منك إلا إذا عجز القضاء السوداني عن مُحاكمته, بالتالي لا بُدّ من صدور قرار يقر فيه أن القضاء السوداني فشل أو عجز في مُحاكمة الشخص المطلوب, وبالتالي الإجراء الأول، الشخص المطلوب للعدالة الدولية أولاً يجب أن يتم القبض عليه وطنياً ويُحاكم وطنياً، وإذا كانت تلك المحاكمة فيها خلل أو فشل يُحاكم دولياً، ولذلك الآن هنالك عقبة وسد منيع أمام الدولة في تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وحتى اذا استلمته وعملت على محاكمته، يُمكن أن يطعن في إجراءات المحاكمة، لجهة أن المحكمة الجنائية الدولية ولايتها لا تبدأ إلا بعد نهاية ولاية القضاء الوطني.
تحريك الإجراءات
وقدم القاضي السابق وأحد أعضاء محامي دارفور بارود صندل، توضيحات حول خلفية قرار المحكمة الجنائية، وقال: عندما جاء القاضي الإيطالي للتحقيق، تبنى تحريك الإجراءات في المحكمة الدولية، وأوضح أن مجلس الأمن هو الذي اتّخذ القرار بإحالة الملف إلى الجنائية ووجّه التهم، وقال: نحن من أوائل الذين طالبنا بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية، لجهة أن القضية في ذلك الوقت حول بناء القرار، وأن القضاء والأجهزة العدلية غير قادرة وغير راغبة في تحقيق العدالة، وبالتالي كانت هنالك معوقات موضوعية, حيث انّ المحكمة لا تستطيع المُحاكمة إلا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي وهو من الصعوبة تلقائياً، بيد أنه قال إنّ من الأسباب الموضوعية أن السودان ليس عضواً ولكن القضية تحولت من مجلس الأمن وهو من حقه تحويلها.
معوق قانوني
ولأن الأجواء مواتية وقضية الحصانات سقطت الآن بفعل الثورة، فإن القضاء السوداني من حيث الكفاءة والقدرة يفوق القضاء العالمي، مُشيراً إلى تعيين رئيس للقضاء من قبل الثورة، وبالتالي من ناحية القضاء ليست هنالك إشكالية وهو جاهز، والآن النيابة مستقلة تتولى نيابة عن المجتمع، وبالتالي ليس هنالك مبرر في تسليم البشير أو المطلوبين للمحكمة للخارج، وقال: من ناحية قانونية ودستورية فإن قانون الإجراءات الجنائية الذي يقول لا يجوز تسليم سوداني للخارج، واعتبر ذلك معوقاً قانونياً ودستورياً، وقال إن عدم تعزيز الثقة في القضاء والنيابة يعني انهيار الدولة.
محاكم خاصة
ودعا صندل إلى محاكم خاصة بدارفور تدخل في ترتيبات العدالة الانتقالية، ولفت إلى أن البعض لا يعلم عما يجري في دارفور، ونوه إلى التعقيدات الأخرى بشأن القرار ووجود مطلوبين من القوات النظامية، فكيف يتم تسليمهم للخارج؟ مُشيراً إلى أن القضية متعلقة بهيبة الدولة.
أمر اعتقال
وكانت المحكمة الجنائية قد أصدرت أمرين باعتقال البشير عامي 2009 و2010، بتُهم تتعلّق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور، كذلك يُتّهم المحكمة بأنها مُسيّسة، وتتهم المحكمة الجنائية أيضاً، وزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، ووالي جنوب كردفان الأسبق أحمد هارون، وعلي كوشيب، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.