* بالصين، بعد إصابة أهلها بوباء “كورونا”، تمّ بناء مستشفى ضخم – خاص لمرضى هذا الوباء – خلال ستة أيام فقط لا غير.. ولكن في بلادنا، على مستوى المجتمع، فالنجّار بحاجة إلى ستة أشهر ليُسلّم العريس (غرفة نوم).. أما على مستوى الدولة، فلنقرأ هذا الخبر: فرغت هيئة الموانئ البحرية – يا دوب – من تنفيذ المرحلة الأولى للمحجر البيطري لميناء هيدوب المُخصَّص لصادر الثروة الحيوانية والخضر والفاكهة، والواقع جنوب ميناء عثمان دقنة بسواكن..!!
* لعلكم تذكرون أن نظام المخلوع افتتح هذا الميناء في (نوفمبر 2017)، وأن هيئة الموانئ البحرية دشّنت عمليات الصادِر عبر هذا الميناء في (مايو 2018)، حيث شهد تصدير أول شحنة من الضأن – ثلاثة آلاف رأس – مُتّجهة إلى لبنان.. ولكن بعد ستة أيام من التدشين، أعلنت هيئة الموانئ إغلاق الميناء، لأن تجربة الستة أيام كشفت عن ضرورة إنشاء المحجر البيطري قرب الميناء وتشييد حظائر الانتظار وتوفير مياه الشرب..!!
* ما حدث بميناء هيدوب يُذكّرُني إحدى قصص الخيال.. عطلة رسمية بمناسبة وضع حجر الأساس لأكبر جسر نهري بالبلاد.. تمّ حشد الجماهير ونصب الخيام وذبح الذبائح.. ولكن قبل بداية الحفل، أفادهم حكيم القرية بأن المكان المُستهدف بالجسر ليس به نهر يستدعي بناء جسر.. فاعتقلوه.. ثم وجهوا له تهمة إعاقة النظام عن أداء واجبه، ثم أعدموه.. له الرحمة، فالمسكين لم يكن يعلم أن نهج النظام يبني الجسور أولاً، ثم يبحث عن الأنهار لاحقاً..!!
* (تخيلوا).. هكذا نهج العباقرة بأجهزة الدولة التنفيذية ذات الصلة بالميناء والصادر.. جاءوا برئيس وزراء النظام المخلوع واحتفلوا ورقصوا ودشّنوا الميناء (أولاً)، ثم بحثوا عن المحاجِر والحظائر في الميناء وبجواره (لاحقاُ)، وعندما لم يجدوها أغلقوا الميناء وغادَروا.. وظلّ الميناءُ مغلقاً، منذ تاريخ الافتتاح (نوفمبر 2017)، ثم تاريخ التدشين (مايو 208)، وإلى يومنا هذا، لعدم وجود المِحجَر البيطري ..!!
* هذا الميناء هو الأحدث على طول الساحل، بحيث كل شيء يعمل إلكترونياً، وبأحدث نظم التشغيل .. (5 أرصفة)، بطول (241 متراً)، وعمق (12.5 متر)، وحمولة (30.000 طن).. والميناء مشروع شراكة ما بين هيئة الموانئ وشركة جيك الصينية (51%، 49%).. ومنطقة هيدوب تقع جنوب سواكن (30 كلم).. ورغم قربها من سواكن، ورغم أنها غنية بخيرات البحر، تعتبر هيدوب من المناطق المَنسيّة بشرق السودان..!!
* فالمنطقة معزولة، تتّخذها مراكب الصيد إحدى محطاتها ثم تُغادرها لافتقارها إلى عوامل البقاء والاستقرار.. وكذلك كانت منطقة هيدوب من أوكار تُجّار السلاح والمُخدّرات وتهريب البشر.. وبميناء هيدوب كان يجب أن تشهد هذه المنطقة شروق شمس (حياة أخرى)، لتحل محل وعثاء العابرين وضنك المُبعثَرين في الفيافي والجبال، أو هكذا كان الحُلم عريضاً عند إنشاء الميناء ويوم التدشين والتشغيل، قبل ثلاث سنوات..!!
* لم يعمل ميناء هيدوب منذ تاريخ التدشين، حيث كانت الشحنة التي غادرت إلى لبنان – يوم التدشين – هي الأولى والأخيرة.. أسباب توقّف الميناء (مُخجلة للغاية)، ولكن سادة الجهاز التنفيذي في بلادنا لا يستحون، وإرادتهم هزيلة وعزيمتهم سُلحُفائية وطموحهم لم يتجاوَز صرف مرتباتهم في الموعد.. فالميناء لصادر الثروة الحيوانية، واكتمل بعد ثلاث سنوات، ثم ظلّ مهجوراً – ثلاث سنوات أخرى – لعدم وجود محجر بيطري..!!