زهقنا..
وتعني في الفصحى – من بين ما تعني – السأم..
وشهيد الصحافة محمد طه كان يحرص على ألا يزهق القارئ من كتاباته السياسية..
فالسياسة مليئة أصلاً بمسببات الزهق… والملل… والقرف..
فيخلط – من ثم – السياسة بالأدب….. والأدب بالسياسة؛ فيصبح مقالاً جاذباً..
وكان يعيب على مسؤولي الإنقاذ افتقارهم إلى الأدب..
فلو كانوا ذوي أدب لما كانت سياساتهم جافة؛ وكلامهم السياسي غير ذي (أدب)..
فهم ما كانوا يحسنون الأدب عند حديثهم عن المعارضين..
ولذلك فقد كان – في نظري – من أكثر أهل صحافتنا إبداعاً… وسلاسة… وجماهيرية..
وحين يزهق هو نفسه كان يخصص مقاله الصحفي كله للأدب..
ومن هذه المقالات واحدٌ تحدث فيه عن أبطال رواية (عرس الزين)… وآسيا..
وأشار إلى أن اسم آسيا هذا أصله نوبي..
وإحدى خالاتي اسمها آسيا… ولقبها – كما أخواتها الأخريات – (بنت الملوك)..
فجدها الملك بشير… وأبوها العمدة محمود..
ثم هما – وهي وشقيقاتها وجميعنا – أحفاد تهارقا وبعنخي؛ فراعين السودان..
ومن منطقة النوبة انتشر الاسم إلى بقية أرجاء البلاد..
وامرأة فرعون موسى – آسيا – كانت نوبية من شمال السودان… وكذلك موسى..
و(زين) الطيب صالح شج سيف الدين رأسه في شجار..
فأخذوه إلى مستشفى مروي وهو ينزف… وهنالك عشق ممرضة اسمها آسيا..
وهي ذاتها التي قيل فيها شعراً :
يا آسيا وابورك في الأراك
لو ما بخاف من الله الحساب
واخشى أهلي يقولوا كضاب
كُتْ حَلَفْ فوق الكتاب
آسيا من نور ما من تراب
وقيل فيها أيضاً :
يا عيوني كفاكن دموع
قالوا شوف ناس آسيا ممنوع
الغفير مانعني السلام
قال لي أرجع ما فيش سلام
ويعود الزين إلى بلدته كرمكول – بعد شفائه – فيحكي لأهلها عن جمال آسيا..
آسيا حازت كل الجمال
سمحة خلقة وسمحة الخصال
وهكذا يهرب محمد طه بالأدب من دنيا السياسة..
رغم إن مقالاته السياسية لا تخلو أصلاً من أدب… ولطائف..
تماماً كما يهرب شيخ الحنين – في الرواية – من دنيا الناس… فتتنزل عليه اللطائف..
ومن لطائفه هذه وعده للزين بالزواج من أحسن البنات..
وبالفعل تزوج من حسناء – بنت أصول – رغم دروشته التي اشتهر بها في البلدة..
وهروب الشهيد على هذا النحو كان أبلغ رسالة لأهل الحكم..
فالزهق من الأوضاع حين يبلغ به – والناس – مبلغاً عظيما فلابد من جرعة لطائف..
ونحن الآن زهقنا… فنهرب إلى دنيا الأدب..
و……آسيا !!.