*تقول الحكاية إن تاجراً من خراسان في عهد الدولة العباسية، عقد العزم على أداء شعيرة الحج، وكان المسافرون في تلك الفترة يحملون معهم أموالهم على دوابهم “إبل، خيل، بغال”، ويدافعون عن أموالهم تلك من قطاع الطرق واللصوص.
*جمع التاجر جل ماله وخشي أن يسلب منه في الطريق فاشترى عقداً ثميناً من أفخر أنواع الماس، وحمله معه في رحلته الى الحج، وحينما وصل بغداد وجد قافلة متجهة إلى مكة المكرمة ولكن أصحاب القافلة حذروه من حمل الأشياء الثمينة خوفاً من قطاع الطرق.
*فكر في إيجاد حل للعقد الثمين، ولم يجد سوى حل وحيد وهو تركه عند أحد التجار الذين عرفوا بالثقة والأمانة، فأجمع أهل بغداد على عطار عرف وسطهم بهذه الصفات، فذهب إليه الخراساني وأمّنه العقد حتى عودته من الحج.
*سافر الرجل ولعب الشيطان بالعطار للاستيلاء على العقد الثمين بعد أن شاهد روعته، وعقب عودة الخراساني من الحج ذهب للعطار ومعه هدية ثمينة نظير أمانته، ولكنه تفاجا بواقع مختلف، حيث أنكر العطار معرفته بالخراساني وطرده من محله، واستنفد الخراساني كل الطرق التي يؤكد من خلالها ملكيته للعقد الثمين.
*ذهب التاجر لمقابلة الخليفة العباسي في قصره، ولكنه فشل في مقابلته، ثم هداه تفكيره في كتابة شكوى للخليفة وأعطاها لحاجبه الخاص لكي تصل إلى الخليفة، وحينما قرأها طلب مقابلة الخراساني لسماع شكواه.
*قصّ التاجر على الخليفة القصة كاملة، فقال له اذهب للعطار وأجلس أمام متجره أو في الجهة المقابلة، وانتظر ثلاثة أيام إن لم يرجع لك عقدك ففي اليوم الرابع سأمر بموكبي من أمامك فلا تقم لي وعاملني كصديق قديم.
*فعل الخراساني ما أمره به الخليفة ولم يمنحه العطار الأمانة خلال الثلاثة أيام وفي اليوم الرابع جاء موكب الخليفة من أمام الخراساني وقال له “يا صديقي الخراساني كيف تنزل بغداد ولا تأتي إلى قصري لتلقي علي التحية، فرد الخراساني شغلتني بعض الأمور وحينما أنتهي منها سآتي إليك في القصر يا صديقي”.
*وبعد ذهاب الخليفة جاء العطار للخراساني واعتذر له، وقال له إن ذاكرتي ضعيفة، لذا لم أتذكر أمانتك وأعطاه العقد، وبعدها ذهب الخراساني للخليفة وأخبره بما حدث، فحمد الخليفة الله وقال له “الآن يمكنك الرحيل إلى أهلك في خراسان”.
*ذهب التاجر لأهله وأمر الخليفة بقطع يد التاجر لخيانة الأمانة وأصبح عظة لكل من يخون الأمانة في دولة الخلافة العباسية.
*كم من الأيدي ستُقطع في هذا الزمان بسبب خيانة الأمانة والطمع والجشع؟، وأي نوع من الحكام نُريدهم لنشر العدل والتعامل بحكمة مع قضايا الشعب؟ الآلاف لا بل الملايين من أحفاد العطار يمارسون هوايتهم في “خيانة الأمانة” ولم يجدوا شبيهاً للخليفة العباسي ليقطع أيديهم لخيانة هذه الأمانة، حتى أصبح الفساد أمراً طبيعياً لا يعاقب عليه القانون.
*السودان يحتاج لجيل جديد يقوم على الشفافية وحفظ الأمانة، وإن كانت “لتر” بنزين.