* ما لم يكن قد تمّ تعديل الوثيقة الدستورية ونظام الحُكم ومهام أجهزة الدولة بغير علم الناس، فإن مؤسسات الدولة المركزية المسؤولة عن توفير القمح والدقيق ثم توزيعه لولايات السودان – بعد الدعم – هي وزارة المالية والبنك المركزي والمخزون الإستراتيجي.. أما ولائياً ومحلياً، فإن حكومات الولايات – وسلطات المحليات – هي مؤسسات الدولة المسؤولة عن التوزيع والرقابة..!!
* ومع ذلك، أي أنه رغم وضوح خارطة المسؤوليات في كل القضايا ذات الصلة بتوفير الدقيق والرغيف ومراقبة التوزيع، فإن وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني هو الأكثر (حِراكاً وحديثاً)، ويكاد يكون الوحيد.. وزير المالية، محافظ البنك المركزي، ولاة الولايات.. وكلهم.. يتفرّجون على الأزمة بصمت، وكأن كل هذه الصفوف لا تعنيهم أو يَستَمتِعِون بها..!!
* كان يجب على كل المسؤولين تقاسُم المسؤوليات ولو بأضعف الإيمان، وهو تبرير هذه الصفوف ثم الوعد بالحلول.. ومن المُعيب للغاية أن يكون وزير التجارة وحده في مواجهة الرأي العام.. وعلى سبيل المثال، أمس الأول، رغم وجود وزير المالية والوزير بمجلس الوزراء، اجتمع وزير التجارة والصناعة بوالي الخرطوم، ثم تحدّث عن انسياب الدقيق وضوابط التوزيع..!!
* وكذلك تحدّث وزير التجارة والصناعة عن سن قوانين للحدّ من التلاعُب في السلع عبر التسريب والتهريب والتخزين، وهذه ليست من سلطات وزارته أيضاً، طالما هناك وزارة للعدل مُهمّتها تشريع القوانين والحديث عنها.. كما أنه ليس من سلطات وزارة التجارة والصناعة مراقبة المخابز ومطاردة المهربين وغيرها من المهام التي يجب أن تؤديها سلطات الدولة الولائية والمحلية..!!
* المهم.. هي أزمة بحاجة إلى صبر الشعب، وأن يرتقي كل المسؤولين إلى مستوى المسؤولية، بحيث يكون جهدهم موازياً لصبر الشعب.. وليس هناك ما يمنع الشعوب عن الصبر على الأزمات غير خمول الأنظمة وارتِباكها وانتظارها للمجهول بالرهان على الزمن.. ولن يبخَل الشعبُ على حكومة الثورة لو شعَر بجهدِها ومُبادراتِها، وسوف يقلب لها ظهر المِجَن لو شعَر بخمولِها وعَجزِها عن الحلول..!!
* وإن كان التهريب أهم أسباب أزمة الدقيق والوقود، فإن مكافحة التهريب ليست عَصِيَّة لو توفّرت الإرادة.. فالكل يعلم بأن ثلاثة مصادِر – فقط لا غير – هي التي يتسرّب عبرها الدقيق والوقود.. الشركة المُستورِدة أو الوكلاء أو المخابز والمحطات.. وبعد ضبط السلعة المُهرّبة، بالتحرّي والتحقيق، يكشف المُهرِّبُ عن مصدر السلع.. وهنا يجب ردع المُصدَر قبل المُهرِّب، لكي لا تُفكّر المصادِر الأخرى في التهريب..!!
* مَن أمِنَ العقاب أساء الأدب، ولذلك يُطعم شعبُنا ويداوي الشعوبَ الأخرى بواسطة (المُهرّبين).. ومع مكافحة التهريب بقوة القانون، يجب تنفيذ (الحل الجذري)، وهو ترشيد الدعم (عاجلاً).. كاد مجلس الوزراء أن يُعلن ويبدأ ترشيد الدعم في يناير الماضي، ولكنه تراجَع بعد اجتماع مُشترَك مع المجلس المركزي لقِوى الحرّية والتغيير، وذلك لحين عقد مؤتمر اقتصادي قبل نهاية مارس ٢٠٢٠م ..!!
* نعم، استجاب مجلس الوزراء لضغط قوى الحرية وتراجَع عن (ترشيد الدعم)، بحيث يذهب لمن يستحق من أبناء الشعب، وليس لشعوب دول الجوار.. ولم يحدُث في التاريخ السياسي أن حاضنة سياسية عارَضت حكومتَها كما تفعل قوى الحرية والتغيير بحكومتِها حالياًّ.. تُعارِض ترشيد الدعم، تُعارِض الانفتاح نحو العالم بالتطبيع مع كل دول العالم، وهكذا قوى الحرية والتغيير.. وكأنها تحالَفت لتُعارِض حكومتها فقط لا غير..!!