لَم يطلق حامد كرزاي رصاصة واحدة في معركة تحرير بلاده من الاحتلال السوفيتي، وفيما كانت المعارك الشرسة والباسلة في بلاده تَدُور بدماءٍ إسلاميةٍ وعربيةٍ، كان هو يستمتع بمنحة دراسية طويلة في الهند لم يعد منها إلا إلى باكستان، حيث عمل في منظومات استقطاب الدعم المالي وما أسهل ذلك من عملٍ، حيث كانت أموال النفط العربي تنساب في يُسرٍ من كُلِّ حَدبٍ وصَوبٍ.
اُعتقل كرزاي مرة واحدة بتُهمة التجسُّس ضد حكومة برهان الدين رباني التي كان يعمل بها لصالح مُنافسه قلب الدين حكمتيار! ومُنذئذٍ تقلّب كرزاي – مُستخدماً براعة مطلوبة في اللغة الإنجليزية – لينضم إلى حاشية الملك الأفغاني المعزول ظاهر شاه، ثُمّ إلى جماعة المُجاهد أحمد شاه مسعود حتى التقطته رادارات أمريكا فبدأت عملية تصنيعه كحاكمٍ مُحتملٍ لبلاده مندوباً عن واشنطن. لم يَمضِ وَقتٌ طَويلٌ حتى تَمّ الهجوم الإرهابي الكبير على نيويورك، حيث راح الآلاف من الأمريكيين ضحية له، والملايين من المُسلمين في مَشارق الأرض ومَغاربها طَحناً تحت الآلة البشعة للانتقام الأمريكي. حذّر كرزاي السّادة الجُدد من العلاقة بين طالبان والقاعدة، ومن خطر الإرهاب على بلاده وحين أكملت آلة الحرب الغربية دكّها لبلاده، اختطف هو الأضواء مُتحدِّثاً للصحافة الغربية باللغة التي تَرُوق لها، ومصنوعاً كزعيم بلاستيكي ارستقراطي أنيقٍ يرتدي الملابس الفاخرة ويتحدّث عن تحديات عصر ما بعد الإرهاب، وخطر التطرُّف، والديمقراطية وحُقُوق المرأة، وصناديق الاقتراع.
في زيارته الرسمية الأولى للولايات المتحدة بعد تعيينه رئيساً مُؤقّتاً، هرع كرزاي إلى النصب التذكاري لضحايا الحادي عشر من سبتمبر وَوَضَعَ باقات من الورد هُناك، ثُمّ ذهب إلى الجالية الأفغانية في نيويورك يُخاطبها بلُغة المَشاعر عن آمال الدولة القادمة وبناء المُستقبل والتسامُح – بالطبع – الديني، واصطفت في القاعة مجموعات من السيخ الذين كانت تنتهك حقوقهم حركة طالبان، والهندوس الذين حطّمت طالبان متاجرهم ونهبتها، وفوق ذلك جماعة جلست في مكانٍ لافتٍ للنظر وهي ترتدي المَلابس اليهودية كممثلين لطائفة لا شَكّ أنّها مُضطهدة هناك. كان كرزاي – بحُكم مَنصبه -بحاجةٍ إلى يهود ولو لم يجدهم حينها لاخترعهم، وأتى بهم من صحائف كُتب التأريخ.
البرنامج المُعد باتقانٍ لزيارة كرزاي المُهمّة، قاده إلى الأمم المتحدة حيث طالب دُونما حياءٍ، كما ينبغي لمثله، وبابتسامةٍ واسعةٍ، وَضَعَ بلاده رهن الإرادة الدولية خُصُوصاً وأنّ أمريكا وبريطانيا كانتا تتذمّران من كلفة مصروفات القوات الأممية التي كانتا تنفقان عليها. خطاب كرزاي ذاك أمام مجلس الأمن مثل سيرته وأنشطته موجود على شبكة الإنترنت لمن أراد الاستزادة، فما أكثر العِبر وما أقل الاعتبار.
قدّم كرزاي طلبه في يناير! وجاءت الاستجابة سريعاً في مارس بصُدُور قرار مجلس الأمن رقم ١٤٠١ الذي أنشأ البعثة الدولية من أجل تحقيق الأمن والسلام وإعادة الإعمار ومُحاربة الجريمة وتأسيس هياكل الدولة العصرية الديمقراطية. بقيت البلاد لما يُقارب العشرين عاماً حتى الآن تحت الانتداب الأممي دُونَما سلامٍ ودُون تحقيق الرفاه والديمقراطية وحُقُوق الإنسان.
حَكَم كرزاي بالتزوير والفساد، ثُمّ انتهى دوره وَذَهَبَ إلى النسيان، لكنه حَفَرَ اسمه كمفردةٍ للإساءة واللّعن والازدراء.. مَن يقبل في هذا العالم أن يُوصَف بأنّه كرزاي؟!