الصحة.. فاتورة العلاج المُرهقة!!
تقرير: ابتسام حسن
يبدو أنّ المريض يُعاني في كل الاتّجاهات من لهيب فاتورة الخدمات الصحية، ويكون الأمر مُختلفاً عندما يشكو المُواطن ملائكة الرحمة لشركات تأمينية، بعد أن يلوي الطبيب عُنق الحقيقة ويُؤكِّد أنه خارج التأمين، في وقتٍ يُؤكِّد فيه اتحاد شركات التأمين عدم صحة ادّعاءات الطبيب، وينزل المُواطن إلى رغبة الطبيب وهو مَغلوبٌ على أمره ويدفع كارهاً فاتورة الطبيب التي تصل إلى 1500 جنيه باعترافاتٍ دونها الأمين العام لاتّحاد شركات التأمين الخاصّة معاوية ميرغني.. وليست هذه الخروقات الوحيدة لعُقُودات شركات التأمين، بل تصل إلى إدارات المُستشفيات عندما يُؤمِّن المُستشفى الخاص لمدة عامٍ ويعود إلى الشّركة، ويُطالب بزيادة سعر العملية أو فاتورة الطبيب أو غيرها من الخدمات بعد أربعة أشهر، وأقرّ معاوية بعدم الالتزام بالعُقُود من قِبل مُقدِّمي الخدمة بحجّة ارتفاع أسعار العُملات الأجنبية، غير أنّ الأمين العام لاتحاد شركات التأمين سجّل إقراراً آخر بأنّه ينقاد إلى رغبات إدارات المُستشفيات والأطباء ويعمل على زيادة الأسعار، بحجّة أن المُستشفيات الخاصّة التي تُقدِّم الخدمة مَحدودة، وسُميت هذه الخروقات بمُعاناة الشركات من عدة جهات إشرافية على مستشفيات القطاع الخاص ويسير الأمر على ما هو عليه بدون جهات إشرافية، وتمضي المُستشفيات في تسعيرة العمليات كل على هواه.
أدوية من المكبات
في وقتٍ يُعاني فيه المريض من عدم وفرة وزيادة أسعار الدواء، تُوجد جهات عديدة تعمل على تهريب الدواء عبر الحدود المفتوحة، بينما أكد الخبير الصيدلاني كمال الدين محمد ادريس أنّ عدم وفرة الدواء يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى تسجيل أدوية بمُواصفات أَقَلّ من المسموح به، وأشار إلى أنّ أغلى الأدوية هي التي لا تفي بالغَرَض، ويَمضِي ويقول إنّ 15% من الأدوية بالبلاد غَير مُسَجّلة من قِبل المَجلس القومي للأدوية والسُّموم، بينما الأدوية الجنسية المُسَجّلة في السودان 85%، و5% منها فقط سُجِّلت بناءً على تَوافُقٍ حيوي، هذا فَضْلاً عن أن العهد السابق لَم يَستطِع تحديد قيمة النقد الأجنبي الذي يجب توافره لاستيراد الأدوية حسب د. كمال الدين الذي كان يتحدّث في مُلتقى حماية المُستهلك (حول فاتورة الخدمات العلاجية.. إلى أين)، وقال إنّ عدم صرف أدوية لا حاجة للمريض لها زاد من الأزمة، غير أنّ هذه الخطوة باتّفاق الجهات الصحية تمثل عدم وضع سياسات صحية سليمة والجُنُوح إلى التركيز على الطب العلاجي أكثر من الطب الوقائي، الأمر الذي يهلك ميزانية الصحة على قِلّتها، هذا غير التجاوُزات التي تتم عبر شبكات كما كشف عنها الصيدلاني بوجود أشخاصٍ يجمعون الدواء من مَكَبّات النفايات ويتم إرجاعها إلى الصيدليات.
ضعف التأمين الصحي
وأقرّ الأمين العام لوزارة التنمية الاجتماعية ناظم سراج بأن خدمة التأمين الصحي فيها ضعفٌ، وشكا من أنّ ضعف الخدمة في المؤسسات الحكومية تجبر المريض للجوء إلى المُؤسّسات الخاصة مما ترهق ميزانية التأمين، مُوضِّحاً أن 70% ـــ 80% من مُطالبات الخدمة تأتي من القطاع الخاص، و70% من الخدمات الصحية مُتركزة في ولاية الخرطوم، في وقتٍ تُعاني فيه البلاد من ضعف في الكوادر الصحية وعدم وجود سسترات، ويشير إلى هجرة تلك الكوادر بسبب عدم العائد المادي غير المُجزي، مُنوِّهاً إلى أنّ 65% من السُّكّان تحت خط الفقر، ووصف تلك الأرقام بالمُخجلة جداً، ووعد ناظم بأن وزارته عاكفة حالياً على مُراجعة الأدوية خارج حزمة التأمين الصحي والإعداد للموارد اللازمة، وأزاح النقاب عن اجتماع لوزارته مع الهيئة العامة للإمدادات الطبية لإدخال أدوية طبية في الحزم.
أزمة مُفتعلة
وصف الناطق الرسمي باسم لجنة تسيير اتّحاد غُرفة الصناعات الدوائية والوطنية د. مامون الطاهر، أزمة الدواء بالمُفتعلة، وقال إنّ الدواء مَجنيٌ عليه في تأثيره على الخدمات الصحية ورفع الفاتورة، ونوّه إلى أنّ مَا يرفع فاتورة الدواء هو عَدم الثّبات على تَكملة العِلاج، وانتقد عَدَم إيلاء حكومة السُّودان اعتباراً خَاصّاً للمنتجات الوطنية، مُشيراً إلى أنّ البلاد تنتج 16% من الاستهلاك، فيما تستورد 450 صنفاً، وأضاف أنّ زُمّار الحي لا يُطرب، مُؤكِّداً أنّ حكومة السودان تُخصِّص 380 مليون دولار لاستيراد الدواء.
خدمة غير جَيِّدة
مُدير إدارة المُؤسّسات العلاجية الخاص بوزارة الصحة بولاية الخرطوم د. إسماعيل صالح، اعترف بأنّ وجود فاتورة مُرتفعة تعني أنّ الخدمة غير جيدة، كما أقرّ بوجود فجوة في توفير الخدمات وعدالتها وعدم توفيرها لجميع الأعمار، ونوّه إلى أنّ المُؤسّسات العلاجية الخَاصّة لا يُحدّد بها أسعار الخدمة، وإنّما تعمل بالمُتوسِّطات، وقال إنّ البعض يعمل بنظرية الربح والخسارة، وشكا من عدم تقيُّد المُؤسّسات الصحية بالتعميم الموجود في استقبال العيادات بتحديد نَوع الخدمة وسعرها ووصفها بالنُّقطة غير المَقبولة، وكَشَفَ عَن اتّجاه لتفعيل نِظام للشكاوى وتفعيل خَط ساخن لضبط الأسعار، كَمَا كَشف عن اتّجاهٍ لتكوين لجنة بالاتفاق مع نقابة الأطباء لتسعيرة فاتورة كَشف الأطباء حسب مُستوياتهم، مُشيراً إلى وجود 4116 وحدة علاجية خاصّة تُقدِّم الخدمات، منها 78 مُستشفىً خَاصّاً، وقال إنّ 70% من سُكّان ولاية الخرطوم يتلقّون الخدمات من المُستشفيات الخاصة.
هرم مَقلوب
واتّفق خبراء في مجال الصحة بأنّ كل مدخلات النظام الصحي تعتمد على المال، في وقت تحدد فيه الحكومة كان جعلاً للخدمات الصحية في العهد السابق 2% من ميزانية الصحة، الأمر الذي يُؤكِّد أنّ الدولة لا تلتزم بقرارات أبوجا التي أقرّت بأن يكون جعل الصحة 15% من الميزانية للدول المُوقّعة على الاتفاقية، غير أنّ هذا العام زادت نسبة الميزانية المُخصّصة للصحة إلى 7 – 8%، وأكّد عدد من خبراء الصحة أنّ الخدمات الصحية مُتركِّزة فى ولاية الخرطوم ولا تتوافر في الولايات، هذا فَضْلاً عن أنّ الصحة تُعاني من مشاكل التركيز على الطب العلاجي وتجاهُل الطب الوقائي، إذ علمنا أن 60% من الميزانية خلال السنة الماضية كانت مُوجّهة للطب العلاجي، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في النظام الصحي بحيث تكون الرعاية الصحية الأولية هي الأساس.