عشوائيات تربوية..!!
* بزاوية الأمس، كتبتُ عن تحريرِ أطفالٍ من قبضة شيخ خلوة بمنطقة “إيد الحد” بالريف الجنوبي بأمدرمان، بعد أن تم تعذيبهم بما يكفي شرخ شخصياتهم.. ويبدو أن الزاوية أزعَجت الأهل الكرام بهذه المنطقة المِضيافة، فاتصلوا وشرحوا ما حدَث.. الشيخ ليس من أبناء “إيد الحد”، ولا الأطفال أطفال “إيد الحد” .. فالشيخ كان يُدّرس بإحدى الخلاوي الشهيرة، واختلف مع شيخها، وغادره – ومعه بعض الأطفال – ثم طاب له المقام بقرية “إيد الحد”.. !!
* والمؤسف أنها لم تكن (خلوة) تحت إشراف السلطات، بل مجرد حوش.. أي هي إحدى العشوائيات، وما أكثرها في قطاع التعليم، مدارس كانت أو جامعات وخلاوي، ومن الأفضل أن نتحدّث عنها في زاوية اليوم .. وعليه، نفهم أن يأتي النازح هارباً من ويلات الحرب أو بعد جفاف الزرع، ويبني لنفسه وأسرته بيتاً من الطين والكرتون بطرف المدينة، فهذا (شيء طبيعي)، ويحدُث بكل دول العالم الثالث و..(الأخير طبعاً)..!!
* ولكن، أن يقصد أحدهم منطقة ثم يستأجر فيها (حوشاً)، ليُعذّب فيه الأطفال.. أو يقصد سلطات التعليم، لتصدّق له السلطات بالمدرسة أو بالمعهد أو بالكلية مقابل رسوم يدفعها صاحب الطلب، ويذهب ويبني مرفقه التعليمي ويُعلن شروط القبول ثم يقبل الطلاب عبر استمارات سلطات التعليم، ثم تُسمّي ذات السلطات هذا المرفق بالعشوائي غير المُعترَف به، فهذا (غير طبيعي)، ولا يحدث حتى في دول العالم (الثالث والأخير)، ولكن يحدث في ..( بلادنا)..!!
* نعم، ليست الخلاوي وحدها هي العشوائية.. في الخاطر، كانت وزارة التربية بالخرطوم قد أعلنت قبل عام عن حصر (مائة مدرسة عشوائية)، ثم وعدت بحصر بقية المدارس و(إغلاقها).. ولكن إلى يومنا هذا لم تُوضّح الوزارة نتائج الحصر، وإن كان عدد المدارس العشوائية فقط تلك المائة أم نقصت أم زادت؟.. فالواقع يؤكد أن بالخرطوم مدارس عشوائية تستوعب التلاميذ، كما هذه الخلوة المُسمّاة بالعشوائية.. هكذا حال عشوائيات التعليم العام..!!
* أما حال العشوائيات بالتعليم العالي، فلنقرأ: (نُحذّر الطلاب الذين لم يتم قبولهم في الجامعات من اللجوء للمؤسسات التعليمية التي لم يرد اسمها في دليل القبول، ونوضح أن التسجيل بهذه المؤسسات يُعَد ضياعاً للزمن وهدراً للمال، وأن الوزارة لم تعترف بشهاداتها ولن توثقها، ونفيد بأن عدد هذه المؤسسات التعليمية غير المُعتَرف بها (14 مؤسسة)، وكلها مُخالِفة لشروط وإجراءات الوزارة)..!!
* ذاك كان تحذير سلطات التعليم العالي قبل ثلاث سنوات، ولا يزال الوضع (كما هو).. فالسادة بالتعليم العالي – كما العام – يستلمون رسوم الكليات العشوائية، ثم يرفضون الاعتراف بها، ثم يُحذّرون منها الطلاب، بدلاً من إغلاقها ومُحاكمة أصحابِها.. إغلاق المدارس والكليات والخلاوي العشوائية – ومحاسبة أصحابها – لم يكن عسيراً، ولكن النظام المسؤول عن المُحاسبة، وهو المخلوع، كان (عشوائياً أيضاً).. ومن المؤسف أن تمضي الرقابة في عهد حكومة الثورة على ذات الخطى..؟؟