شَأنٌ لا يخص المرء وحده..!

“المعرفة هي الشكل الوحيد للمُقاومة، وهي غير قابلة للبيع والشراء، لأنّ ثمنها هو الجهد الشخصي”.. نوسيو أوردين..!

بعد انتصار الثورة، تَمَّ تدشين أول تيار إسلامي حداثي يقدم نفسه من خلال الثورة السودانية ومن داخل اعتصام القيادة، بحُضُور لفيفٍ من رموز الفكر والسِّياسة.. يومها كان د. الشفيع خضر حاضراً، وقد كان حُضُوره مُتّسقاً ما كتبه – في تلك الأيام – عن شباب الثورة: “إنّ هؤلاء الشباب، بهتافهم المُوحّد الملئ بالقيم الإنسانية الخالدة، قد تخطوا وصفات الثنائيات الكلاسيكية، من نوع يمين ويسار، أو رجعي وتقدمي، أو علماني وديني، وغيرها، ليُؤكِّدوا تمدُّدهم ليضم كل الشرائح السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والدينيَّة وحركة المجموعات الإثنية والقوميَّة”..!

يومها أذكر أنّني كتبت تعليقاً – في هذه الصحيفة – مفاده أنّ قراءة ما كتبه “د. الشفيع خضر” مع قراءة حُضُوره لتدشين “حركة تضامُن” – المُؤلفة من بعض شباب الحراك – تُشير إلى أنّه ربما يكون له دورٌ بارزٌ في التأسيس لفقه سياسي جديدٍ، يقوم على ثنائية التجديد القيمي الذي تتوالى معه قِوى اليسار المُعتدل.. وهو ذات الدور الذي قيل إن الشيخ الترابي – رحمه الله – كان يرى “الشفيع خضر” مُناسباً له..!

وقد تساءلت يومها: هل يعني ذلك أنّ الخارطة السِّياسيَّة في السودان سوف تشهد ظُهُور “كُتلة سِياسيّة جَديدة”، تُساهم في تغيير المشهد السِّياسي، وتُؤسِّس للوصول إلى مقاليد الحكم – في مُستقبل المشهد الانتخابي – بعد أن تقلب للثنائيات المُتطرِّفة ظَهر المَجَن..؟!

بعض الإجابة التي كانت تضمرها الشهور – التي تَواتَرَت على شراكة الحكم الانتقالي – وجَدتُها في مقطع الفيديو الذي تناقلته وسائل التواصُل الاجتماعي في اليومين الماضيين، بعنوان “تسجيل خطير”.. بينما هو ليس خطيراً – ولا هُم يحزنون – لأنّ حديث الرجل فيه يُعبِّر موقفاً مُتّسقاً مع المسار الذي اختطه لنفسه بعد الثورة، فَضْلاً عن كونه مُتّسقاً مع تصريح الفريق البرهان في ذات الشأن..!

وإلا فما الجديد المُثير في قوله بأنّ الفريق البرهان قد قام بتنوير د. حمدوك بشأن لقاء نتنياهو قبل سفره إلى عنتيبي.. ثم أن يُؤكِّد في ذات الحديث على ضرورة أن لا يَحدث انقسامٌ في الشارع أو بين شقي الحكومة..؟!

هذا ما كان من أمر الاتّساق، والتّأكيد على ضَرورة الاتفاق.. أمّا المُدهش حقاً فَهُو التّصريح المنسوب للسكرتير الصحفي لرئيس الوزراء، والذي كان مَفَادَهُ الآتي: “حديث الشفيع خضر عن علم حمدوك بلقاء عنتيبي يَخُصّه، وليس للشفيع أي منصبٍ بمكتب رئيس الوزراء”.. طيِّب، فِيمَ التعقيب إذن، إن كان سيصدر خالياً من أيِّ نفي أو تأكيد..؟!

الحقيقة أنّ حديث “الشفيع خضر” لا يَخُصّه وحده، لأنّه حَديثٌ عن شأنٍ من شؤون الوطن، وكذلك الحال مع نفي السيد رئيس الوزراء أو تَأكيده على عِلمه أو عَدم عِلمه بأيِّ شأنٍ يخص ذات الوطن.. فالأحزاب للسياسيين، والمَنَاصب للقياديين، لكن الوطن للجميع.. من رئيس مجلس الحَي إلى رئيس المجلس الانتقالي، ومن رئيس ورديَّة العُمَّال إلى رئيس مجلس الوزراء.. أليس كذلك..؟!

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى