* فاجِعة أخرى بإحدى المناطق المعزولة.. بعد أن تم تعذيبهم بما يكفي شرخ شخصيّتهم، تم تحرير بعض الأطفال من قبضة شيخ خلوة بمنطقة إيد الحد بالريف الجنوبي بأمدرمان.. (14 طفلاً)، وجدتهم الشرطة والنيابة – عند مداهمة الخلوة – يُعذّبون في الأغلال والسلاسل .. منطقة إيد الحد، كما منطقة الفتح التي مارست إحدى خلاويها مثل هذا الانتهاك، من المناطق المعزولة (تماماً)..!!
* وكثيراً ما كتبتُ عن مخاطر الخلاوى بالمناطق المعزولة، ومع ذلك لا تبالي السلطات المسؤولة، ولا تُصدِر قراراً في أمر هذه الأوكار المهجورة والمُسمّاة بالخلاوي.. وكثيرة هي المناطق المعزولة في بلادنا.. والعَزْلُ ليس بالجِدار ولا بالأسلاك، ولكن بالتهميش وعدم التخطيط – جغرافياً وتنموياً – ثم بتجفيفها من الخدمات، مع غياب الرقابة..
قبل أشهر، كانت هناك فاجعة تعرّض طفلين للتعذيب ضرباً وتجويعاً بإحدى خلاوي منطقة الفتح بأمدرمان..!!
* كما أطفال إيد الحد، تعذيباً على أيدي شيوخ الخلوة لحد الجرح والكسر، وتم إسعافهما بحوادث مستشفى أم درمان، بعد تبليغ الشرطة وفتح بلاغ.. ليست بالشرطة وحدها تُكافِح الأنظمة الحوادث والجرائم في مثل هذه المناطق، بل بالتنمية البشرية التي تتكئ على قواعد (التخطيط الجيّد) و(التنفيذ الأجْوَد).. فالمطلوب إجراء دراسات عن المناطق المعزولة، وما أكثرها.. كيف حال مساكن الناس، وكيف يجب أن يكون..؟؟
* وكيف حالتهم الصحية، وكيف يجب أن تكون؟ وكيف وضعهم الاقتصادي، وكيف يمكن تحسينه؟ وكم نسبة تسرُّب تلاميذهم من المدارس (إن وُجِدتْ)، وكيف يجب تقزيم النسب؟.. و.. و.. بقليل جهدٍ تبذله في الأحياء الفقيرة، وبقليل مالٍ تُنفقه في تنمية سكّانها وتحسين أحوالهم، تقِي الأنظمة الراشدة المجتمعات من المخاطر.. ضيق الحال يُرغم أولياء أمور هذه المناطق الفقيرة إلى إلقاء أطفالهم في المهالك المسماة بالخلاوي..!!
* لقد تم تحرير أطفال إيد الحد من قيود التعذيب و(خلاص)، كما تم تحرير أطفال الفتح سابقاً و(خلاص)، أي ليست هناك إرادة لدراسة الظاهرة ثم حسمها بالقانون الرَّادِع ..نعم، مؤسفٌ أن يُقدِّم البعضُ أطفالهم لشيوخ الخلاوي مرفقاً بنصيحة: (ليك اللحم ولينا العضم)، أي مَزِّق جِلدَه بسِياطك وأعِدُه لنا عظماً فقط لا غير، وهذا ما يحدُث بكل المناطق المعزولة.. ولكن المُعيب عدم وجود إرادة تُغلق بؤر التعذيب..!!
* ما تشهده الخلاوي من انتهاك لحقوق الأطفال – يبلغ مداه ربطهم بالسلاسل والحبال على أوتاد الغُرف المهجورة، أو تحت لظى الشمس، وتعذيبهم – يجب أن تُثير انتباهة السادة رئيس وأعضاء مجلس الوزراء.. وليس بمناطق إيد الحد والفتح وحدها، بل كثيرة هي خلاوي المناطق المَخْفِيّة عن (عيون الإعلام)، ولا يعلم القانونُ ما يحدُث فيها من تعذيب وتحرُّش واغتصاب..!!
* الأفضل لأطفالنا أن يتعلّموا أمور دينهم ودُنياهم بمؤسسات تعليمية خاضِعة للسلطات الرقابية، وليس بالأوكار المعزولة عن القانون والأخلاق.. فالذين ينجون من الموت في الخلاوي يُغادِرونها بنفوس مَحشوّة بحزمة أمراض نفسية.. كراهية الآخر، القبول بالقهر، الانصياع للدجل والشعوذة، وغيره من سياج التخلّف الذي يُعيق تُقدُّم الشعوب ونهضة الأوطان، كل هذا مردّه هذا النوع من التعليم، التعليم بالجلد والسلاسل..!!