بروفايل..البرهان: مُحارِب تُطارده النبوءات
الخرطوم : الجميل الفاضل
إن كسر لاءات الخرطوم العتيدة ليس حدثاً عابراً بالضرورة، فخرق العادة لا يتأتّى في كل الأحوال إلا لذوي شأن ربما يستعصي على الفهم والتفسير.
هذه مُحاولة لسبر غور شخصية الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، على خلفية ما فاجأ به الناس من لقاء جمعه ببنيامين نتينياهو رئيس وزراء إسرائيل أقام الدنيا ولم يقعدها إلى يومنا هذا.
مصاب الانتفاضة
يتمتع جنرال القوات البرية الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي صعدت به الأقدار إلى واجهة السلطة والحكم بروح جسارة نادرة تجلّت في أكثر من موقف خلال مسيرة حياته كضابط مشاة.. ومن ذلك أصابته بطلق ناري في قدمه اليمنى أثناء تصديه وآخرون لقوة من جهاز أمن نميري أرادت الاعتداء على متظاهرين من ثوار انتفاضة أبريل تجمهروا أمام القيادة العامة للجيش.
أسير الجبل
ومن مفارقات حياة البرهان المثدهشة.. يروي عبد الواحد محمد نور قائد جيش حركة تحرير السودان، أنه قد أمر بإطلاق سراح الملازم أول البرهان الذي سقط تحت أسر جنود حركته بمنطقة شاو فوقو بجبل مرة.
ويعزو عبد الواحد نور هذا الموقف الغريب لعلاقة شخصية نشأت بين الرجلين بمدينة زالنجي، واصفاً البرهان بأنه كان جزءاً من مجتمع تلك المدينة، وأنهما كانا يتسامران مع الأصدقاء ويلعبان الورق (الكوشتينة).
وهي رواية أكد صدقيتها إلى حدّ ما المساعد المتقاعد من الجيش محمد شريف الناير الذي أشرف على تدريب البرهان على ركوب الخيل بزالنجي في العام 1986 مؤكداً أن الملازم أول برهان كان رجلاً اجتماعياً متواضعاً رغم روح الصرامة والانضباط التي يتحلى بها.
وأردف المساعد الناير، أن البرهان كان مولعاً بخوض العمليات الحربية التي ظلّ يشارك فيها كثيراً.
الولع بالعمليات
وكان الفريق أول البرهان، قد ذكر في حوار تلفزيوني بعد توليه الحكم، أنه عمل نصف فترة خدمته العسكرية بمناطق العمليات، بينها فترتان بجنوب السودان، و12 عاماً أخرى بدارفور وبورتسودان.. قائلاً: (عندما تكون هناك عمليات نذهب إليها برغبتنا).
لسان الرندوك
وأقر البرهان الذي اعتذر بعد اندلاع الثورة عن تولّي منصب الوالي، بأنه قد تقلّد منصب المعتمد بجبل مرة، واصفاً نفسه بأنه (رجل شعبي).. بما يفسر كيف تأتّى له أن يودع رسائل تحية بترميز (الرندوك) في بريد شباب الثورة الذين خاطبهم بـ(أهل الرصة والمنصة، والراسطات، والسانات، والواقفين قنا).
وبدا كأن البرهان الذي شارك اثنان من أبنائه في اعتصام القيادة.. لا يجد هو كذلك حرجاً في أن يُخاطب آخرين من غير جيله بألسنتهم.
الظهور المفاجئ
لكن ظهور البرهان المفاجئ في ميدان الاعتصام أثناء الساعات القليلة التي نصب فيها الفريق أول عوض بن عوف نفسه رئيساً، وصورة البرهان التي انتشرت في تلك الجمعة على مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم، ولغة جسده التي عبّر بها، وهو يتحّدث لرئيس حزب المؤتمر السوداني السابق الأستاذ إبراهيم الشيخ والتي تنُمّ عن رغبة وإلحاح في التواصل مع قوى الثورة.
وعن حقيقة ما دار بين البرهان والشيخ في تلك اللحظة المُفعمة بالعاطفة الوطنية الجيّاشة وبمشاعر الحماس الثوري؟ قال الأستاذ إبراهيم الشيخ : فوجئت وأنا في طريقي إلى ميدان الاعتصام عبر كبري الحديد باتصالات من أحد الأصدقاء، ومن مدير مكتب البرهان كذلك نقلا لي رغبته في لقائي، فاشترطت للقاء أن يكون في ميدان الاعتصام وأمام الجميع، المُهم بعد أن صلّينا الجمعة في الميدان، فوجئت بالبرهان يقف أمامي ويلح علي في دخول القيادة، فرفضت وأصررت على ضرورة أن يقول ما يريد أمام هذه الجموع، لكن مع تعالي الهتافات عاد البرهان إلى مباني القيادة، بيد أنه لم يكتفِ بذلك، بل أرسل لي من ألح عليَّ بضرورة اللقاء، فاستجبت وذهبنا معاً لمقر القوات البرية، حيث قال لي البرهان: (إنتو عاوزين شنو؟).
قلت له: نحن لا نرغب في وجود أبنعوف وكمال عبد المعروف وقوش، بل طلبتُ منه أن يذهب معنا ويُعلن خلع ابن عوف الذي يرفضه الثوار رفضًا باتًا.
ثم يقول إبراهيم الشيخ، إن البرهان تعهّد أمامه بأن أي شخص يرفضه المعتصمون سيذهب.
ومضى إبراهيم الشيخ إلى القول بأن الانطباع الذي ترسّخ عنده حول شخصية البرهان من خلال اللقاءات العديدة التي جمعتهما أثناء التفاوض وبعده يجعله يرجح أن البرهان كان راغباً إلى حد كبير في المضي على خطى الثورة منذ البداية، أما الآن، وبعد التوتّرات علي خلفية لقاء عنتيبي فيقول الشيخ: في اعتقادي أن البرهان رجل صادق، وأنه راغب إلى الآن في أن يعبر مع الناس لتحقيق الكثير.
إبلاغ المخلوع
تُرى لماذا أوكلت اللجنة الأمنية مهمة إبلاغ المخلوع البشير بقرار عزله لثلاثة ضباط أبرزهم البرهان؟.
الذي أكد أنه هو من أبلغ البشير بقرار العزل داخل المسجد بحضور الآخرين.
نبوءات وموافقات
لكن يبدو أن الفريق أول البرهان الذي وُلد وتربّى في كنف عائلة صوفية تجمع بين الطريقتين الختمية والإدريسية، قد تأثر هو كذلك برصد موافقات الأقدار ومآلات تطوّرها وفق منطق خاص رجح به أن نبوءة والده بأن الابن عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان سيُصبح أحد حكّام السودان.
وليس صدفةً كذلك توقّف الفريق أول برهان واحتفائه بأن تاريخ مولده 4 يوليو 1960 قد وافق يوم توقيع الاتفاق الأول مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
فالأيام كفيلة بإماطة اللثام عن كيف ولماذا هبطت الأقدار بالبرهان في عنتيبي في هذا التوقيت بالذات؟.