الفريق أول ركن محمد بشير سليمان في حوار مع (الصيحة)
الصراع الأيدولوجي والعُقَدي خطرٌ على الدولة السودانية
جهاز الأمن والمخابرات كان يعمل على حماية الحزب والرئيس
هيئة العمليات أسّسها قوش خصماً على القوات المسلحة
70% من ميزانية الدولة كانت تذهب لهيئة العمليات
أصحاب المُمارَسات الخاطئة يملكون سلاحاً لحماية أنفسهم
انتشار السلاح جريمة تستوجب المراجعة.. والسلام يُمكن تحقيقه
حوار: شادية سيد أحمد
قال الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، إن الوضع الأمني الآن في السودان في أسوأ حالاته، مشيرًا إلى عدم التوافُق السياسي الذي ظل منذ عهد الإنقاذ وإلى الآن سبب من أسباب تدهور الوضع الأمني الذي يُشكل خطراً على الدولة السودانية، إلى جانب الإقصاء السياسي. وأشار إلى خطورة الصراع الأيدولجي والفكر العقدي، إلي جانب الروح القبلية وانتشار السلاح، والمشكلة الاقتصادية.
وفيما يتصل بالوضع الأمني داخل ولاية الخرطوم، قال إن الوضع كذلك غير آمن وظهور كثير من الجرائم، ما دعا إلى أن يتسلح الجميع.
وقال إن هيئة العمليات أسسها مدير جهاز الأمن السابق لحماية النظام وليس الدولة، عندما أحس النظام بشكوك في القوات المسلحة، رأى أن هناك ضرورة لإنشاء جسم جديد خاص مُوالٍ خصماً على القوات المسلحة، وأفراده دُرّبواً على الولاء للحزب وليس حماية الأمن السوداني، وأصبحت هذه الهيئة السلطة الحاكمة، لذا كان يجب اتلعامل مع هذا الجسم وفق خطة إستراتيجية مُحددة.
وحول وجود بعض المواقع العسكرية في المناطق السكنية وفي قلب الخرطوم، قال: هناك ضرورة لخروج هذه المناطق من قلب الخرطوم، وطلبنا بذلك منذ عقد من الزمان، إلا أن جهاز الأمن هو الحاكم، ويملك السلطة وخوف السلطة وتفكيرها في حماية نفسها حال دون ذلك، وأن ميزانية الأمن والدفاع كانت تذهب لهذا الجسم.. هيئة العمليات.
وقال: انتشار السلاح يُعتبر جريمة لها إبعادها وأصبح امتلاك السلاح وسيلة لكسب العيش خاصة من قبل أصحاب المُمارسات الخاطئة والأمن مسؤولية الدولة التي عَجِزت عن توفير الأمن، فهذه العوامل دفعت لانشار السلاح الذي يُهدد حياة المواطن، وهناك شروط وأسباب لامتلاك السلاح، وأكد على إمكانية تحقيق السلام في حال حُددت رؤية إستراتيجية قومية للسلام في إطار مفهوم دولة المواطنة القومية.
وأضاف: يجب أن نستفيد من تجارب السودان لتحقيق السلام الذي لم نتمكن بأن نأتي به.
*بداية حدثنا عن الوضع الأمني في السودان؟
الوضع الأمني في السودان في أسواء حالاته. وظل متردياً منذ فترة حكم النظام السابق، والحال أصبح كأنما (سبحة وانقطعت)، والذين قاموا بالثورة ورفعوا شعارها لم يقرأوا الواقع السياسي الداخلي والمهددات الأمنية السابقة وإمكانية احتوائها دون أن تتزايد إبان فترة الانتقال، وعدم التوافق السياسي الذي ظل منذ عهد الإنقاذ، الصراع الحزبي غير المبني على بعد استراتيجي وطني وقومية الدولة السودانية وانحصر على المكاسب الحزبية، وفي إطار السلطة دون إدراك ماهية الدولة السودانية منذ الاستقلال، أصبح هذا يمثل خطراً على الدولة السودانية (الهشة)، وكان يجب أن يكون هناك اصطفاف وطني وعدم الإقصاء السياسي الداخلي، والبعد الخارجي الذي أراد أن يحتوي الثورة، وأراد أيضاً أن يجعل القوى السياسية السودانية بعيدة عن بعضها وغير مُتجانسة إلى جانب الصراع الأيدولجي الفكري العقدي الذي يمثل خطورة على الدولة، فضلاً عن ازدياد روح القبلية نسبة لأن النظام السابق جعل من القبيلة وحدة سياسية تدفع بالمرشحين للوزارات والولاة والمناصب السياسية ما جعل القبائل ورموزها تتقوى بهذه المناصب، ووجود وانتشار السلاح والمشاكل الاقتصادية، كل هذه الأسباب أثرت على الوضع الأمني.
*أشرتَ في حديثك إلى وجود إقصاء سياسي، علماً بأن الحكومة الآن تتفاوض مع حركات الكفاح المسلح بعاصمة دولة جنوب السودان؟
عندما نتحدث عن الدولة الوطنية والإقصاء السياسي نقصد توحّد الشعب السوداني في الهوية والقسمة العادلة للثروة والسلطة برضا تام دون الإحساس بالظلم.
*عفواً الحكومة من خلال التفاوُض تسير في هذا الاتجاه؟
الحكومة أقصت الكثيرين وأبعدتهم.. والإبعاد هذا بين قوسين، نعم، من حقها أن تُقصي وتُبعد المؤتمر الوطني، ولكن ليس كل القوى السياسية، وأن تستفيد من الذين كان لهم رأي في المؤتمر الوطني، وذوي البعد السياسي الوطني، حتى لا تخلق بؤرة صراع ضدك، وجسماً يُصارع الحكومة.
كان يجب احتواء كل السودان وفرض هيبة الدولة، والحرية لنا ولسوانا وفق شعارات الثورة.. حرية سلام وعدالة، وليس تبديل تمكين بتمكين.
*تحدّثت عن الوضع الأمني بصورة عامة، ماذا بشأن الوضع الأمني داخل ولاية الخرطوم؟
أين يوجد الأمن في ولاية الخرطوم، هناك ظواهر سالبة كثيرة عصابات ومجموعات “نيقرز” إلى من تتبع، غير معلوم، وكثير من جرائم القتل والسلب والنهب، ما دعا المواطن إلى حمل السلاح الناري أو الأبيض ليحمي نفسه، والدولة عاجِزة الآن عن تثبيت الروح الأمنية جعل المواطن يفقد الثقة في الدولة، مما يشكل خطورة كبيرة.
*هذا الحديث يقودنا إلى الأحداث التي وقعت بين الأجهزة الأمنية وهيئة العمليات خلال الفترة الماضية كيف تقرأها؟
أقرأها في هذا الإطار… أولاً من هم ضباط وجنود هيئة العمليات، هم جسم كونه مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق في إطار حماية النظام وليس القتال، وأنا شاهد عصر على ذلك عندما أحس النظام السابق بأن ولاء القوات المسلحة أصبح مشكوكاً فيه حتى من منسوبيه، لأن الكثير منهم كانوا يُقدّمون النصح ويوجهون إلى مكامن الخطأ، والدولة كانت تحس أنها غير مخطئة حتى على مستوى رئيسها أصبحت تفكر من قبل المؤتمر الوطني وقيادتها في الحركة الإسلامية في إنشاء جسم جديد مُوالٍ يكون بمواصفات خاصة وتدريب ومخصصات خاصة، وجاءت خصماً على القوات المسلحة، وعملت على إضعافها بتجاوزها على السقف المطلوب للقوات المسلحة حتى على مستوى السلاح، دُرّبوا على الولاء للحزب وليس للدولة التي هي دولة أمنية، ومهمة جهاز الأمن حماية الحزب ورئيسه قبل حماية الأمن القومي السوداني، وأصبحت هذه الهيئة السلطة الحاكمة، كأنما يحكمها قانون، ولا يربطها قانون بالدولة الحاكمة، ولم يتحسّبوا لأي تغيير أو انقلاب، وفوجئوا بالتغييرات السريعة، مما حزّ في أنفسهم، وكأنما جاءتهم بغتة وهم لا يشعرون، إذاً كيفية التعامل مع قوات مثل هذه، كانت تعيش في نعيم السلطة وتحتكر السلطة، هو السؤال الذي كان يحتاج إلى إجابة.
التعامل مع هذه القوات كان يحتاج إلى خطة وتعامُل مُحدّد بهدوء وقد يكون من بينهم من يغير رأيه وينضم إلى الحكومة، لكن ما تم من تعامل معهم أدى إلى ما آل إليه الحال، ويجب أن تتم محاسبة الجهة التي لم تتابع الأمر من بداية التسريح، وما يترتب عليه من استحقاقات، وهذه المجموعة السياسية قد يكون تم استغلالها ضد الحكومة من جهات هي ضد الحكومة..
*هل نتوقّع تكرار مثل هذه الأحداث؟
أقول لكِ في ظل هذا الوضع والدولة القائمة الآن، وما يتم فيها من تسريح ودمج سليم والتعامل وفق خطط استراتيجية والتعامل بالقانون وقوة القانون لا تحل المشكلة، ويفضي إلى انعكاسات سالبة، هذه القضايا تحتاج إلى سعة أفق وتعامل بحكمة.
*كيف تنظر إلى وجود بعض المناطق العسكرية في قلب العاصمة وبالقرب من المناطق السكنية؟
هذا الحديث أخذ التفكير فيه أكثر من عقد من الزمان، ضرورة خروج الوحدات العسكرية من قلب الخرطوم وخاصة المناطق السكنية لتكون في مواقع وثكنات حول الخرطوم، تحسّباً لمثل هذه الأحداث، ولعل الخوف الأمني للسلطة حينها وخوف النظام الذي دفع برئيسه لإنشاء جهاز لحماية النظام دفع بوجود هذه الثكنات في قلب العاصمة.
*أنتم كنتم ضمن المنظومة العسكرية لماذا لم تقوموا بالعمل على نقل هذه الثكنات من مواقعها الحالية؟
نحن من الذين أسسوا لضرورة خروج القوات المسلحة من المناطق السكنية والتفكير في خارطة الخرطوم الجديدة، وهي بيع هذه المواقع وبناء مواقع أخرى في الأطراف، ولكن خوف السلطة الحاكمة وتفكيرها في حماية أمن نفسها جعلها تفكر في هذا وما حدث من هيئة العمليات كان لابد أن يحدث، لأنها أضعفت القوات المسلحة والحديث عن نسبة 70% من ميزانية الدولة كانت تذهب للأمن والدفاع كانت تذهب لهذا الجسم حقيقة ما جعل منسوبي القوات يتساقطون نتيجة لسوء الأوضاع ورفض الكثيرين الذهاب للقوات المسلحة.
*ظاهرة انتشار السلاح التي قادت بدورها إلى انتشار الجريمة.. حدّثنا عن ذلك؟
انتشار السلاح جريمة لها أبعاد كثيرة، الفقر وحالة المسغبة التي يعيشها السودان جعلت من السلاح وسيلة لكسب المال، الأمن هو مسئولية الدولة التي عجزت منذ فترات طويلة عن توفير الأمن الغذائي والقوت للمواطن ومطلوبات الحياة تداعى المجرمون إلى الخرطوم لممارسة الجريمة، كل هذه الأسباب دعت لانتشار السلاح، وأصبح أصحاب الممارسات الخاطئة مثل تجارة المخدرات وتجارة وتهريب البشر وغيرها من الممارسات، يمتلكون السلاح لحماية أنفسهم من السلطة وتسويق تجارتهم، والسودان دولة متمردة، هناك صراع في كل أنحاء السودان، وهذا سبب أيضاً لانتشار السلاح.
*ولكن الآن تلاحَظ انتشار لتجارة وامتلاك السلاح على عينك يا تاجر؟
تجارة السلاح موجودة في كل العالم، ترخيصه مسئولية الحكومة لكن هناك قانون لامتلاك السلاح ونوع وحجم السلاح، ووفقاً لمطلوبات ومهمة من يريد أن يمتلك السلاح، لكن السلاح منتشر وبدون شروط، ويجب أن تكون هناك شروط محددة لمنح السلاح وحسب الحاجة، وأن تكون الأسباب وجيهة، وأن تكون في الموقع المتواجد فيه الشخص، لا توجد جهة أمنية تقوم بحماية المواطن وماله، ويجب أن يكون الشخص مؤهلاً لحمل السلاح، لأن السلاح في يد شخص غير مؤهل جريمة في حد ذاتها، لذلك يجب أن تتم مراجعة كلية لكل شروط واقتناء وقانون امتلاك السلاح، ومشكلة السلاح كبيرة لن تحل بسهولة ما لم تتم معالجة قضايا الصراع المسلح المرتبط بالقبائل والأراضي والسلطة والثروة عن طريق تأسيس دولة المواطنة القومية، وتحقيق السلام بأسرع ما يمكن ومعالجة قضية تسرّب السلاح عبر الحدود، ويجب أن نضع في البال التهديد الداخلي والعملاء الداخليين، إلى جانب التهديد الخارجي، ولا توجد دولة في الإقليم أو خارجه تتمنى أن يظل السودان آمناً ومستقراً وموحداً، واهم من يظن أن للسودان أصدقاء وأشقاء يهتمّون بأمن واستقرار السودان، هذا حُلُم ووهم يجب أن نخرج منه، إما أن يقف السودان على رجليه وعلى ذاته، وإما أن يظل دولة هشة ويسير في إطار مخطط التفكيك الذي وُضِع منذ التسعينات، ويجب على الحكومة الحالية والقوات المسلحة أن تتحمل المسؤولية الوطنية في حماية الأمن الوطني للسودان.
*من خلال مفاوضات السلام في جوبا بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح.. بند الترتيبات الأمنية.. هل هذا بالأمر السهل؟
يجب أن تكون معالجة قضية السلام في إطار قومي، من خلال توحيد الرؤى السياسية لتحقيق السلام في دولة المواطنة بما في ذلك رأي حركات الكفاح المسلح للخروج برؤية موحدة، ويجب الاستفادة من الأخطاء السابقة في تحقيق السلام، والموازنة في قضيتي الثروة والسلطة ورفع الظلم، وقضية الترتيبات الأمنية أساس التفاوض، وفشل الترتيبات الأمنية يعني فشل الدولة السودانية، وفشل السلام ومِن ثَمّ السقوط.
*كيف ترى المنظومة الدفاعية للدولة والحديث عن إعادة هيكلة القوات المسلحة؟
الحديث عن إعادة هيكلة القوات المسلحة يعتبر حديثاً طيباً ولكن وفق ماذا ستتم إعادة الهيكلة.
*في تقديرك وفق ماذا ستتم إعادة الهيكلة؟
أولاً، يجب أن تنبني هذه الهيكلة وفق مهددات الأمن الداخلية والخارجية، وعددية القوة التي نحتاجها قوة وعتاداً، وتحديد خطة البناء بشرياً ومادياً وقدرات لقوات رادعة تحقق هيبة الدولة، وبالتالي بناء قوات مسلحة رادعة قوية تعتمد على تحديد المهددات الأمنية ومساحة الدولة والقوات البشرية والقوات الاقتصادية، وتحديد الحجم الداخلي والقادم من حركات الكفاح المسلح والدمج والتسريح بالصورة الصحيحة وتوفيق الأوضاع ومراعاة معايير السكان والجغرافيا. وإخراج هذه القوات من دائرة الولاء للفرد والحزب إلى دائرة الولاء القومي وهذا يحتاج إلى تدريب.
*هل تتوقع أن يتحقق سلام من خلال مفاوضات جوبا؟
يمكن أن يتحقق السلام في حال تحديد خطة استراتيجية قومية للسلام، وأن يتم تنفيذ هذه الخطة في إطار مفهوم دولة المواطنة القومية، وأن تتبع ذلك وحدة المفاهيم والرؤى ما بين وفد الحكومة وحركات الكفاح المسلح، وأن يتم السلام في إطار مفهوم قومي لبناء الدولة وليس المحاصصة في إطار السلطة والمناصب، وأن يتم وضع دراسات وتحوّطات وترتيبات كاملة لمواجهة تحديات الترتيبات الأمنية قبل وأثناء التفاوض، وبعد الاتفاقية، والأفضل للتفاوض أن يكون بالداخل، ولا مانع من دخول قيادات هذه الحركات إلى الداخل وتتفاوض بالداخل.