الخرطوم هي الأغلى ..!!
*شُكراً لِما حدَث بين رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس الوزراء عقب رحلة التطبيع مع إسرائيل.. شكراً لِما حدث بينهما، فالحدث كشف للعالم بأن قيادة حكومة الثورة السودانية قيادة مسؤولة (فعلاً)، وقادرة على تجاوز أزماتها وخلافاتها بسرعة وحِكمة، وبلا وُسطاء أجانب كما كان يحدُث في حكومة نيفاشا.. فالشاهد، قبل أن تكتمل فرحة قوى الثورة المُضادّة بما يحدُث بين رئيسي المجلسين، نجح النائب الأول لرئيس مجلس السيادة وبعض أعضاء المجلس في إنهاء الحدَث لصالح السودان..!!
* نعم، لقد بادَر الفريق أول محمد حمدان دقلو والبروفيسور صديق تاور والأستاذة عائشة موسى، بادَروا بلقاء رئيس الوزراء، ثم اصطحبوه إلى القصر الجمهوري، للقاء رئيس مجلس السيادة، لتجاوُز آثار رحلة التطبيع، وقد تمّ تجاوُزها ثم المضي قُدُماً نحو سودانٍ لن يضره اختلاف الوسائل طالما الغاية هي تنميته ونهضته.. وما حدَث من سِجال بين مُؤسستْي الحُكم تمرينٌ ديمقراطيٌ افتقدناه طوال العقود الفائتة، ولذلك يبدو كالأزمة وما هي بأزمة ..!!
* فالأزمة هي أن تختلِف مؤسّسات الدولةُ حول النهج المُرتَقب للسياسة الخارجية، وهذا ما لم يحدُث، لأن السّجال المحدود كان فقط حول صلاحيات أجهزة الدولة، أي حول الوسائل التي عليها مسؤولية نهج السياسة الخارجية وتنفيذها.. وغير فئة عروبية وأخرى مُتنطِّعة وثالثة أصابتها الغيرة لأنها لم تسبِق البرهان إلى التطبيع، غير هذه الفئات، فإن كل المُكوّنات المدنية والعسكرية لحكومة الثورة تمضي على خُطى البرهان..!!
* وكل قطاعات الشعب، ما عدا تلك الفئات غير المؤثّرة، تقف مع سياسة الانفتاح بخلق علاقات مع كل دول العالم، بما فيها إسرائيل.. وما حدَث من سِجال بين رئيسيْ مجلسيْ السيادة والوزراء – حول صلاحيّات الأجهزة – دليل عافية في بلاد كان حتى برلمانُها لا يفتح فمه للنقاش إلا بإذن من الرئيس المخلوع.. فالبُرهان ليس البشير، ولن يكون، لأنه على يقين بأن الشباب يحرسون ثورتهم كما تحرس القوات المسلحة والنظامية الأخرى أمن بلادهم واستقرارها .. !!
* وكما تجاوَزها رئيسا مجلسي السيادة والوزراء، فإن على الوزراء وزعماء قوى الحرية والتغيير تجاوُز آثار رحلة التطبيع، ثم المُضي قُدُماً نحو تحقيق المكاسِب للبلاد وشعبِها، وذلك بالتخطيط السليم وتفعيل أجهزة الدولة التنفيذية، بحيث تكونُ قادرةً على تَخَطِّي تحدِّيات المرحلة.. فالمرحلة، وخاصة بعد سياسة الانفتاح نحو المجتمع الدولي، صارت محفوفةً بمخاطِر الثورة المُضادّة التي تضجّ بها مؤسسات الدولة، وبالأفكارِ المُتطرِّفة التي كانت تُغطِّي فشلها – في إدارة البلاد – بالقضية الفلسطينية..!!
*ومن المؤسف أن نُطالب بعض قوى الحرية بالنُضج، أي تتحلّى بروح المسؤولية، وتضع في قائمة المهام والمكاسب والمصالح (السودان أولاً)، وليس العروبة وأمة عربية واحدة وغيرها من الأفكار والشعارات والهتافات التي أكل عليها الدهرُ وشرب.. ومن المُعيب للغاية بأن يظل بعض زعماء قوى الحرية- ومن يمثّلونهم في مجلس الوزراء – كما (الدليب)، ظلّهم للغير وثمرهم للطير.. فإن كانت القاهرة وبغداد ودمشق وغزة وغيرها أمكنة غالية في نفوس شعوبها، فإن الخرطوم – في نفس شعبها – هي الأغلى ..!!