خروج الذهب.. خطوة نحو التحرير
الخرطوم: مروة كمال
في خطوة لتحرير بيع وشراء الذهب أصدرت وزارة المالية قراراً قضى بخروج بنك السودان المركزي من شراء وبيع الذهب والذي شهدت سياساته في صادر الذهب شداً وجذباً ما بين محتكر للشراء مرة، وبين فك الاحتكار ومنح المهمة لشركات خاصة، الأمر الذي عزاه البعض وقتها إلى الفارق الكبير بين كميات الذهب التي يتم تسليمها لبنك السودان، وكميات الإنتاج الفعلية التي كانت أحد أسباب مراجعة سياسات الذهب، أملاً منها في الحد من تهريب الذهب، سيما أنه أهم الموارد التي من شأنها توفير النقد الأجنبي للبلاد، وتوقعت أن تجذب السياسات الجديدة جزءاً مقدراً من الكميات المنتجة.
فيما اتجه السودان منذ انفصال الجنوب في العام 2011م إلى الاعتماد على صادراته من الذهب سعياً منه لتعويض فاقد نفط الجنوب، وارتقع سقف أهمية الذهب عقب اكتشافه من طرف السكان في عدد من مناطق السودان المتفرقة، وهجرهم الزراعة واتجاههم نحو التعدين التقليدي، الذي حققوا منه إنتاجاً كبيرًا، ليصبح التحدي أمام الحكومة في الاستفادة من هذا الإنتاج وضمان دخول حصيلته خزينة الدولة، والتي فشلت حتى الآن في السيطرة عليه، وبات يهرب بكميات كبيرة بسبب سياسات بنك السودان المركزي التي اتسمت بعدم الثبات.
وظلت سياسة بنك السودان في شراء الذهب واحتكاره مصدراً للانتقاد من قبل خبراء اقتصاديات التعدين مؤكدين أنها سياسة غير صحيحة بنص القانون، فالبنك ليس بتاجر، ويرون أن الحل الأنجع لشراء الذهب إنشاء بورصة للمعادن التي تمكن من منح السعر العادل، ويتم التداول عبرها وفقاً للسعر العالمي، فضلاً عن أن التداول في الذهب يكون بالأموال الحقيقية من داخل الاقتصاد وليس من أموال يضخها بنك السودان المركزي، والتي تؤدي للتضخم، بل ذهبت غرفة مصدري الذهب لتحميل المركزي مسؤولية ارتفاع سعر الدولار مؤخراً بسبب سياسته في الشراء.
ويعتبر رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق في حديث لـ(الصيحة) القرار بالخطوة الى الإمام في طريق الانفراج، وتساءل عن الجهة التي تقوم بتحديد سعر الشراء والبيع للذهب، وأضاف أن المهربين يقومون بتهريب الذهب في حال وجود فرق في السعر، واصفَا هامش الربح في مخلفات التعدين بالضعيف، جازما بأن السياسة التي أعلنتها وزارة المالية تحتاج إلى مراجعة لاسيما حصيلة الصادر لـ70%.
فيما يرى الخبير في اقتصاديات التعدين د. ياسر محمد العبيد أن خروج بنك السودان من شراء وتصدير الذهب لم يكن بالتجربة الجديدة لجهة تطبيق هذه السياسة في عهد النظام السابق والتي لم تحقق نتائج إيجابية، خاصة وأن هنالك أسباباً كثيرة تجعل المعدنين والمصدرين يبحثون عن بدائل لبيع الذهب عبر التهريب، لافتًا إلى أن خروج الحكومة ممثلة في بنك السودان المركزي من بيع وشراء الذهب ثغرة كبيرة وكان يمكن للدولة أن تشتري الذهب بوسائل عديدة في ظل وجود الشركة السودانية للخدمات المالية نيابة عن الدولة، مؤكدًا أن وزارة المالية ليست لديها آلية لشراء الذهب من المعدنين، وأيضاً البنك المركز، وتابع أن الآلية لشراء الذهب هي عمارة الذهب والتي حولها كثير من اللغط والتجاوزات، مشيراً إلى أن طريقة الدفع المقدم في ظاهرها جيدة، بيد أن بها ثغرات في التنفيذ تتمثل في عدم إعلان كمية المنتج كله من قبل المعدنين، وعاب على وزارة المالية إصدارها قرار خروج المركزي قبل إجرائها دراسة عميقة، مبينا أن عملية شراء وبيع الذهب به ثغرات كثيرة خاصة الفنية، لافتاً الى أن توريد حصيلة صادر الذهب لصالح وزارة المالية تحتاج إلى تحديد السعر لشركات التعدين، هل السعر العالمي أم الموازي أم الرسمي المعلن.
وتساءل عن مصير 85% من مخلفات التعدين التقليدي، وقال إنها النسبة الأعلى في إنتاج الذهب لاسيما وأن التعدين التقليدي 85% من الإنتاج الكلي، أي ما يعادل مائة طن.
وحذّر العبيد من أن تقود الخطوة إلى العودة إلى أزمة السيولة في حال قيام بنك السودان بشراء مخلفات التعدين85% بالسعر المجزي فضلاً عن زيادة التضخّم وتخلق سعرين للذهب بجانب ارتفاع سعر الدولار بصورة جنونية باعتبار أن البنك لم يخرج وأكدت وجوده.
فيما يجزم الخبير الاقتصادي، د. الفاتح عثمان بعدم وجود سياسة واضحة في التعامل مع الذهب، فضلاً عن فقدان العمل المؤسسي في تصدير الذهب، داعياً إلى وضع استراتيجية واضحة لتحقيق استقرار في الإنتاج والتعامل معه، وطالب بوقف تصدير الذهب وعمل بورصة عالمية خاصة بها محلياً لحل المشكلات، والغالبية من الذهب تقوم الدولة بشرائه عبر بنك السودان ليكون احتياطياً وربط الجنيه به مما يساعد في خفض نسبة التضخم، وقوة الجنيه خارجياً تساعد في الاتفاقيات، وناشد بتكوين مجلس أعلى للذهب أسوة ببقية السلع مثل القطن والصمغ العربي، مشيراً إلى أن الذهب سلعة إستراتيجية في ظل اهتمام الحكومة به باعتبار أنه تحول إلى الصادر الأول للبلاد عقب الأزمة التي حدثت في قضية البترول، والذي كان يُعتمد عليه اعتماداً كلياً مما نتج عنه انتهاء الصادر وخروج السودان من السوق العالمي نتيجة لعدم الاهتمام بالصادر الزراعي والصناعي، وتوقّع تكرار نفس الأزمة في ظل عدم وجود إستراتيجية واضحة للذهب مما خلق مشكلة كبيرة متمثلة في اضطراب شديد في التعامل، لافتاً إلى أن الاقتصاد في الأصل هو علم البدائل، وفي ظل عدم وجود نظرة اقتصادية واضحة وبديل أمثل مما يخلق تخبطاً وتعاملاً متعارضاً، وقال: للأسف أن الإجراءات الأمنية والقانونية هي السياسة الواضحة في التعامل مع الذهب لجهة أن السياسات الأمنية لوحدها لا تستطيع أن تقود الاقتصاد أو تصدير الذهب، مبيناً أن الأسعار المعلنة لشراء الذهب متذبذبة مما ساهم في تزايد عمليات التهريب فضلاً عن وجود مشاكلات في الدستور بمنح صلاحيات للولايات في التصدير وإصدار القوانين، مما يعني أن الدولة لا تعمل في منظومة موحدة وفق إستراتيجية قومية، ونوه إلى أن اللجان العليا في القطاعات المختلفة لديها حق سيادي باتخاذ قرارات مما يكون لها أثر على الوزارات الموجودة المختصة وعلى صلاحيتها الأمر الذي اعتبره بالإشكال الكبير من المفترض أن يكون للجهة المختصة الحق في اتخاذ القرارات وأن تكون مهمة اللجان خدمة الخط العام للدولة، مؤكداً أن الدولة حالياً في مرحلة تفتت في مفهوم الدولة تماماً في ظل وجود 17 ولاية تعمل بمفردها.